محمد عبد الماجد يكتب – غريزلدا الطيب ووداد بابكر بين الأفعال الكريمة، والأحجار الكريمة
(1)
الفرق بين اهل العلم وأهل السلطة دائماً يبقى كبيراً. السياسيون لم يقدموا شيئاً لهذا الوطن الذي نهبوا ثرواته وأشعلوا نزاعاته وأوقدوا الفتنة بسبب صراعهم على السلطة والكراسي، بينما قدم العلماء كل شيء لوطنهم السودان، فحتى وهم (اموات) لم يتخلوا عن دعمهم للوطن (الاجنبي) الذي عاش في السودان وعرف قيمة شعبه ارحم من (الوطني) على السودان. في هذه الحكاية قصص وعبر تؤكد تقصيرنا في حق السودان الذي قدم لنا كل شيء ولم نقدم له غير الصراعات والخلافات.
(2)
في 19 يونيو 2003م رحل زوجها العلامة البروفيسور عبد الله الطيب، وفي يوم الجمعة 20 مايو 2022م توفيت غريزلدا زوجة البروفيسور عبد الله الطيب في العاصمة السودانية الخرطوم. وظلت غريزلدا في كل هذه السنوات بعد رحيل زوجها مقيمة في السودان، وهي تتنقل بين الدامر والخرطوم وتفتح بيتها في بري لأهل العلم وأهل عبد الله الطيب وترفض حتى قضاء اجازتها السنوية في موطنها الرسمي انجلترا، بعد ان اسلمت وأصبحت تتحدث اللغة العربية وتحمل اسم الطيب الذي لم يرزق بالبنين.
· حدثت متغيرات كثيرة وأصبحت الأوضاع الامنية والاقتصادية في السودان منهارة، وهاجر حتى ابناء الوطن ممن اتيح لهم ذلك، وبقيت غريزلدا الطيب في السودان وسط البمبان والرصاص والتروس والكباري المغلقة حتى بعد ان بلغت من العمر عتياً.
· لو فعل ذلك العلامة الطيب عبد الله لكان هذا مصدراً للاستغراب والإعجاب، فكيف ان حدث ذلك من (خواجية) جاءت للسودان وهي في سنوات الشباب، وبقيت فيه حتى رحلت بعد ان بلغت من العمر (94) عاماً.
مضى على رحيل زوجها قبل ان تلحق به قرابة العشرين عاماً، ومع ذلك لم تتغير مبادئها ولم تتنكر للماضي وما كان يربطها بالسودان قد انتهى برحيل زوجها الذي لم ترزق منه.
شاهدنا الكثير من السودانيين من حملة الجوازات الاجنبية يبقون خارج البلاد، ويشق على اسرهم وأبنائهم زيارة السودان في الاجازة السنوية، وغريزلدا الطيب تقيم في السودان وتموت وتقبّر فيه لأنها حملت له كل الحب، والسودان كان دولة مستعمرة للدولة التى جاءت منها غريزلدا ــ الدولة التى لا تغيب عنها الشمس.
(3)
ألا تتعلمون من هذا ؟ ألا تشعرون بالخجل ؟ إكتملت إجراءات تسجيل منزل البروفيسور عبد الله الطيب بالخرطوم كوقف لصالح جامعة الخرطوم، وفقاً لوصية زوجته الراحلة غريزلدا الطيب. وتبلغ مساحة المنزل الكائن بحي العمارات بالخرطوم (875) متراً، حيث تم تسجيله تسجيلاً نهائياً باسم جامعة الخرطوم وقفاً لكلية الآداب قسم اللغة العربية.
هذا المنزل الذي لا يقل سعره عن (10) ملايين دولار تم تسجيله بوصية من غريزلدا الطيب كوقف لصالح جامعة الخرطوم التى كان النظام البائد يفكر في الاستيلاء على أراضيها وترحيلها الى سوبا.
(875) متراً في أغلى مناطق الخرطوم بحي العمارات تمنح لجامعة الخرطوم من قبل اسرة خدمت السودان وخدمت العلم اكثر من (60) عاماً، ليمنحوا السودان بعد كل هذه الخدمة الجليلة والطويلة منزلهم الذي خرجوا به من الحياة.
انظروا إلى الأرضي والعقارات التى استولى عليها قادة الانقاذ وقيادات المؤتمر الوطني في سنوات حكمهم .. بعضهم جاء للسلطة منسقاً للدفاع الشعبي وخرج منها وهو يمتلك (99) قطعة ارض ! ومنهم من كان يمتلك الف دكان في السوق العربي وهو نفسه امتلك كيلومتراً على شاطئ النيل في الخرطوم.
· قيادات الانقاذ فيهم من امتلك، مساحات زراعية تتجاوز الف فدان ومنهم من امتلك (155) قطعة ارض في الخرطوم، وغريزلدا الطيب المنزل الذي ورثته من زوجها بالعلم والجهد والعرق ترده للسودان وتمنحه لجامعة الخرطوم التى خدموها احياءً وأمواتاً.
غريزلدا الطيب لم تكن ترفع شعارات الاسلام ولم تقل (كل شيء لله) و (ما لدنيا قد عملنا) كما كانوا يفعلون او كما كانوا يقولون ..لأنهم لم يكن يفعلوا شيئاً.
(4)
· قارنوا بين زوجة البروفيسور عبد الله الطيب (الاجنبية) وزوجة الرئيس المخلوع عمر البشير (السودانية).
· أفادت محكمة الامتداد بالخرطوم بأن المتهمة وداد بابكر مذنبة بموجب قانون الثراء الحرام، مؤكدة أنها ظلت تتحصل على معاش زوجها بعد زواجها لفترة (11) عاماً، في مخالفة لقانون القوات المسلحة وقانون الثراء الحرام. كما أكدت المحكمة أن الأحجار الكريمة التي تمتلكها تمثل ثراءً حراماً ومشبوهاً. ونوهت المحكمة بأن المتهمة وداد بابكر طرأت عليها ثروة وعقارات وأحجار كريمة لم تفلح في إثبات وجه امتلاكها. وعليه فقد أصدرت المحكمة حكمها بمصادرة العقارات والأموال ومصادرة المصوغات والأحجار الكريمة، وكذلك مصادرة حسابين بنكيين ببنك أم درمان الوطني، إضافة إلى تغريمها غرامة حددتها المحكمة بـ (100) مليون جنيه.
· حتى (الاحجار الكريمة) لم تسلم منها!! قارنوا بين صاحبة الافعال (الكريمة) والأحجار (الكريمة).
· هذا قرار محكمة يكشف ثراء وداد بابكر الحرام ويفضح اراضيها وأحجارها الكريمة. ويتم انتزاع هذه الثروات منها مع الغرامة بواسطة المحكمة، وغريزلدا الطيب بإرادتها وبحب تهب جامعة الخرطوم (منزلها) الذي كان يمكن ان يجعل اسرتها في انجلترا تعيش مدى الحياة عيشة الملوك.
· هل ادركتم الآن ازمة السودان؟ هل عرفتم الجرائم التى يرتكبها ابناء هذا الوطن في وطنهم؟
· إننا نحتاج جميعاً الى أن نتعلم من هذا (الدرس) الذي قدمته لنا غريزلدا الطيب، فدروس البروفيسور عبد الله الطيب لا تنتهى.
· اللهم ارحمهما واغفر لهما واحسن لهما في جنانك يا عزيز يا قدير.
(5)
· بغم.
· الذين نهبوا البلاد وسرقوا ثرواتها وامتلكوا بغير حق أراضيها وأحجارها الكريمة لم يخرج واحد منهم ليتبرع لهذا الوطن برطل سكر. لم يفعلوا ذلك حتى ليكفروا عن الاخطاء التي ارتكبوها.
· لقد اتجهوا بعد سقوط حكومتهم الى زرع الفتنة ونشر الفوضى والخراب، فهم لا يعنيهم شيئاً في الوطن بعد سقوط حكومتهم، وغريزلدا الطيب بعد (موتها) تقدم منزلها لجامعة الخرطوم.
#هذا هو الفرق بين العلم والسلطة !