تجربة الشاعر والاعلامي عوض إبراهيم عوض من التجارب التي تستوقفني كثيرا وتبهرني بتفردها خاصة فيما يتعلق بالبناء الشعري الذي يعد بناءً محكماً ومتماسكاً فهو كشاعر يمتلك خاصية فريدة في صياغة الشعر بلغة يمكن ان نطلق عليها السهل الممتنع لغة تعبر عن حس شفيف وعاطفية جياشة وتفاعل مع الحدث بصدق متناه من خلال مضامين عميقة تبرز خصوصية كشاعر متميز ومجيد.
شكل القصيدة عنده يأخذ عدة اتجاهات، ففي الشعر الفصيح كتب على نسق الشعر االحر والمرسل الذي لا يلتزم التزاماً صارماً بالقافية وفي الشعر العامي اخذ ذات القوالب واستفاد من مضامين شعبية وقد برع في هذا النمط ويعتبر احد اهم المجددين فيه اما المضمون عنده فقد تعددت اغراضه ولكن محور القيم والعاطفة كان هو المسيطر فالقصيدة عنده امر لا يؤخذ للمتعة وانما ذات هدف ورسالة فسبر اغوار الواقع وتحدث بكل جراءة
وفي منحى اخر منح عوض ابراهيم عوض اشعاره بعداً رومانسياً شفيفاً صور من خلالها الطبيعة ودوره في تصميم الطبيعة لا يقف عند النقل الحرفي لها ولكنه تعدى ذلك الى تجميلها وتحسينها وعلى هذا يبدو جمال الطبيعة في شعره اجمل ما هو عليه في الواقع الملموس وتصوير الطبيعة لم يتوقف عند مظاهرها الخارجية ولكنه تعدى ذلك الى اسرارها الدفينة من خلال رؤيته لها بمنظار طبعه وحسه المستغرق الذي يأخذك لترى الاشياء اضعافاً مضاعفة ويصورها بألأوان ساطعة وحلي مؤثرة تفوق الحقائق من خلال قريحة قادرة على خلق الالوان النفسية التي تصيغ كل شيء وتلونه لإظهار حقائق ودقائق يجري مجراها في النفس.
كما عبر عن الحبيبة بشكل مدهش مبيناً ما يجيش في دواخله من احاسيس وأشواق تداعب مخيلته في جنح الليل.
وقد تجلا ذلك في اغنية بنات كردفان التي تغني بها الفنان الراحل صديق عباس
وعوض ابراهيم عوض كما اسلفنا متعدد الاغراض وارتدى الكثير من الثياب وفق ما يقتضيه الموقف الذي يحرك إلهامه الشعري بوعي وإدراك وايمانه بمسؤوليته اتجاه المجتمع المحيط من حوله عند الضيق لسان قومه وعند الفاقة والترف عاشقاً لحبيبته والتعدد في الاغراض جعل من اشعاره حديقة متعددة الازاهر والورود
تميز شعر ه بالحس الدرامي بكل عناصر الدراما المعروفة وإذا توقفنا في اغنية (مغرور ) نجد أن البعد الدرامي يسيطر على هذا العمل المتميز ومن المعروف أن هنالك عناصر لابد أن تتوفر في النص الدرامي وهي البناء الدرامي والعقدة وإضافة لعناصر التشويق والإثارة وعنصر المفاجأة وإذا تأملنا تجربة عوض ابراهيم عوض نجد أن هذه العناصر توفرت تماماً في أعماله الشعرية وأجاد فيها بدرجة بعيدة .. ففي مطلع قصيدة مهد تمهيداً رائعاً لأحداث سيتناولها والتمهيد نوع من الحرفية المستخدمة في الكتابة الدرامية وتأتي أهميته لتهيئة المستمع او المشاهد لوقع حدث معين
بدأ في هذا القصيدة مخاطباً المحبوبة وهذه المخاطبة الحميمية تمثل تمهيداً لحدث مهم ثم يبدأ في طرح موضوعه بتشويق مستصحباً معه عناصر الإثارة والتشويق.
ويدهشنا في بنائه للقصيدة بأسلوب الدرامي الفريد وهو يتنقل من قضية إلى أخرى بصورة لا تخل بالوحدة الموضوعية للقصيدة
بعد كل الذي تناولناه نستطيع أن نقول أن تجربة عوض ابراهيم عوض تجربة أكدت وجودها المقنع والمؤثر وفرضت نفسها بقدرتها علي التاثير لانها تجربة استندت
على أرث ثقافي واستفادت من عدة معينات ساهمت في خلودها ورسوخها في نفوس الاخرين