مقالات

ياسر الفادني يكتب : الجزيرة تنمو علي وقع الخطي لا علي وقع التصفيق !

وسط زمن تتكالب فيه الأزمات وتتناثر فيه بقايا الدولة كأشلاء وطن، يطلّ الطاهر إبراهيم الخير، والي ولاية الجزيرة، كوجهٍ ظاهر في مرآة باهتة، ليعيد ترتيب فوضى الحرب بما يشبه المعجزة، ليست جزيرة اليوم هي جزيرة الأمس؛ إذ تسير، رغم الجراح، على قدمين ثابتتين من إرادة وبناء، الرجل لا يكتفي بالتصريحات، بل يمشي إلى الناس في قراهم، في شقوق ترابهم المتعب، يلامس مواجعهم، ويسند عصب الحياة بأفعال لا بمجرد أمنيات

ما فعله والي الجزيرة في محلية أم القرى ليس حدثاً عابراً في نشرة حكومية، بل شهادة ميلاد جديدة لمفهوم الحكم الرشيد في بيئة أنهكتها البنادق والتجاذبات ، أن تُدشَّن مشروعات بنية تحتية بتكلفة تجاوزت المليار جنيه في وقت يعاني فيه السودان من شحّ الموارد و إنهيار الخدمات، فذلك فعل يُحمد في زمن قلّت فيه الأفعال وكثُرت الوعود، والأهم أن هذه المشروعات لم تكن مجرد إسفلت وصخور، بل شموسٌ جديدة من الطاقة الشمسية في محطات مياه الشرب، تأهيل للمستشفيات، صيانة للمدارس، ومؤشرات تقول: نعم، ما زال هناك من يحمل همّ الناس ويشتغل

الوالي لم يقف عند تدشين المشاريع، بل أرسل إشارات سياسية ذكية وعميقة: القوات المسلحة هي صمام الأمان، والشهداء ليسوا أرقاماً في قوائم، بل رموز كرامة تُزار بوقار وتُعزَّى أسرهم بتقدير صديق الشريف، الشهيد، لم يُذكر كشخص، بل كمفهوم، كجملة مكتوبة بدمٍ على جدار وطن نحاول أن نستردّه من أنياب التوحّش، زيارة ود الأبيض كانت لفتة شُجاعة، لافتة بمعناها الرمزي والإنساني، تؤكد أن حكومة الجزيرة ليست حكومة مكاتب بل حكومة ميادين، تقف على ذات المسافة من كل المواطنين، وتخاطبهم بلغتهم الحقيقية: الأفعال

في زمن تختبئ فيه بعض الولايات خلف خطابات خشبية، يقف الطاهر الخير في الجزيرة بمشروع حكم مختلف، لا يخشى الميدان ولا يهادن الفساد، لا يُرضي النخبة بل يخاطب المهمّشين، لا يتعالى بل ينزل إلى حيثُ تنكسر الحياة لتنهض، حتى حين تحدّث عن استكمال مشاريع الطاقة الشمسية في 43 قرية، وعن المجمع الجراحي، والإجلاس، والكتاب المدرسي، لم يفعل ذلك على منبر مكيف، بل من مسجد ريفي وسط شعب يعرف وجعه ويصدق من يشاركه النزف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى