
في فجر الامس ارتكبت مليشيا آل دقلو الإرهابية – المدعومة صراحةً من كتيبة السلفية التابعة لقوات خليفة حفتر الليبية – عدوانًا غادرًا على النقاط الحدودية الواقعة في المثلث الاستراتيجي بين السودان ومصر وليبيا. هذه الخطوة، التي تمثل تجاوزًا سافرًا للمواثيق الدولية ومبادئ حسن الجوار، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن ما يتعرض له السودان ليس مجرد تمرد داخلي، بل هو حلقة في سلسلة مؤامرات إقليمية ودولية منظمة تهدف إلى تمزيق السودان وتقويض سيادته.
إن إقحام قوات أجنبية – ليبية على وجه التحديد – في النزاع الداخلي السوداني، وتقديم الدعم اللوجستي والميداني للمليشيات المتمردة، يرقى إلى درجة العدوان المباشر على دولة ذات سيادة. فقد كشفت القوات المسلحة السودانية بوضوح عن ضلوع حفتر وجماعته في المعارك على أرضنا، وهذا ليس مجرد دعم خفي أو تنسيق استخباراتي، بل تدخل عسكري مباشر في شؤوننا الداخلية، وعدوان على سيادة السودان وشعبه وتاريخه.
الرمزية السياسية في اختيار المثلث الحدودي كمسرح لهذا الهجوم ليس عبثيًا؛ فهو منطقة بالغة الحساسية، تتقاطع فيها المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية، كما يمثل بوابة للسيطرة على طرق التهريب وموارد استراتيجية وإن سعي المليشيا للاستيلاء على هذه المنطقة يؤكد أن الحرب لم تعد فقط حربًا من أجل السلطة، بل حرب موارد وحدود وتحالفات إقليمية ملوثة.
إن ما يجمع مليشيا آل دقلو وقوات حفتر ليس العقيدة ولا وحدة الهدف النبيل، بل تحالف مصلحي مدعوم من أجندات خارجية تسعى لتفتيت السودان كما فُتّتت دول أخرى في المنطقة. فحفتر، الذي لطالما استخدم القوة المفرطة في ليبيا ودمّر مدنها، وجد في آل دقلو حليفًا يناسب أطماعه في التمدد جنوبًا
فهذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها أصابع حفتر في العبث بأمن السودان لكن ما جرى الامس يمثل تحولًا نوعيًا في حجم وتوقيت التدخل، ورسالة واضحة بأن المعركة تجاوزت نطاقها الداخلي، وباتت تتطلب مواجهة أكثر وعيًا وصرامة من قبل الحكومة السودانية والمجتمع الإقليمي والدولي.
في ظل هذا التصعيد الخطير، يلوذ المجتمع الدولي بالصمت، بينما يُداس تراب السودان تحت أقدام المرتزقة والميليشيات. فأين هي الأمم المتحدة؟ وأين الاتحاد الإفريقي؟ وأين جامعة الدول العربية؟ بل أين أولئك الذين يتحدثون ليل نهار عن السيادة وحقوق الإنسان؟ إن هذا الصمت هو بمثابة ضوء أخضر لاستمرار العبث، وغطاء دبلوماسي لأجندات لا تعترف بالحدود ولا بالسيادة.
الرد الحقيقي على المؤامرة والتحدي الحقيقي أمام السودان اليوم ليس فقط صد العدوان على الحدود، بل توحيد الصف الوطني ضد المخططات التي تستهدف الدولة من الداخل والخارج فلا مجال للحياد، ولا وقت للتماهي مع أي مشروع ينتهك وحدة السودان الترابية ،، إن دماء شهدائنا على الحدود تنادي بالثأر، لكن ليس الثأر الأعمى، بل الثأر الوطني الواعي الذي يحفظ الأرض والعرض ويؤسس لسودان مستقل لا يُدار بالريموت الخارجي.
اليوم، يقف السودان في مفترق طرق مصيري، تُحاك حوله المؤامرات وتُدبر له المكائد من العواصم البعيدة والقريبة، ولعل الهجوم السافر الذي شنّته مليشيا آل دقلو بمؤازرة قوات حفتر لا يحتاج إلى إثبات قانوني بقدر ما يحتاج إلى صحوة جماعية وإعلام مقاوم وقوى إقليمية ترفض العبث بأمن القارة فليعلم كل من تجرأ على حدود السودان أن هذا الشعب لم ولن يستسلم أبدا، إن لتراب الوطن حرمة ولن نتركه الا بدمائنا، وللدماء سيفًا، وللسيادة درعًا، ولن يغفر التاريخ لمن تورط، أو صمت، أو تواطأ.
Mhmedans936@gmail.com