اقتصاد المعرفة : بقلم / صفية سليمان (تونس)
دخل مفهوم ” اقتصاد المعرفة ” بقوة في رسم السياسات الاقتصادية لعدة دول منذ فترة, و هو مفهوم واسع و شائك تتداخل فيه عدة عناصر تربوية و ثقافية و اجتماعية بالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية المحضة… تمثل المعرفة (بمختلف فروعها) جوهر النشاط الاقتصادي في هذا النمط الحديث (أي ” اقتصاد المعرفة “), و يشمل عدة مقومات من بينها : الخلق (التجديد) و الابتكار و الإبداع, المنجَزات ذات القيمة المضافة العالية, الاستثمار في مجالات الإنتاج العلمي و الفكري و الفني … و تشكل تكنولوجيا المعلومات و الاتصال ركيزة أساسية لهذا النمط الاقتصادي الحديث في مختلف مراحل النشاط الاقتصادي : التخطيط و مراحل ما قبل الإنجاز , الإنتاج, التسويق, البحث و التطوير, التجديد و التحسين المستمر…).
يساهم اقتصاد المعرفة في تحقيق عدة أهداف بشكل متزامن, من بينها أساسا : النهوض و الارتقاء بالمستوى الذهني و الفكري للمجتمعات , تطوير الثقافة و الإبداع و تنمية المهارات ذات الصلة, دعم الاقتصاد و خلق مواطن شغل جديدة أكثر قابلية على التلاؤم مع المتغيرات …
ينبني اقتصاد المعرفة على تثمين “المنتجات” الفكرية و دعم القدرة على ترويجها و نشرها لدى طيف واسع من المتلقين كما يرتكز على فتح الآفاق أمام أصحاب الأفكار و المشاريع الإبداعية أو المبتكرة (بما في ذلك براءات الاختراع لا سيما في المجالات العلمية و الفكرية…) و تطبيقها في عدة ميادين في تناغم بين مصالح المستثمرين و الشركات من جهة (تحسين الجودة , الرفع من التنافسية, الانفتاح على أسواق و فرص استثمار جديدة…) و طموحات أصحاب الأفكار و المشاريع و تطلعاتهم, من جهة أخرى.
و إلى جانب قدرته العالية على خلق فرص جديدة و متنوعة للاستثمار, يتسم اقتصاد المعرفة بالمرونة (مقارنة بأنماط اقتصادية تقليدية) و الانفتاح إذ يخلق نسيجا من العلاقات و الأطر يجعل من السهل على مختلف الأطراف المتداخلة التفاعل و التعاون فيما بينها و خلق ديناميكية مكثفة من أجل مزيد البحث و التطوير.
و في بعض الدول العربية, ازدهرت عديد الأنشطة المتعلقة بالاستثمار الثقافي في مجالات شتى : الترجمة, الأدب , الإنتاج السمعي و البصري, بعض فروع الإعلام و الصحافة, المحتوى الثقافي الرقمي, الألعاب الفكرية, عدة مجالات للترفيه, بعض الفنون … كما يتم نشر هذه المعارف و المعلومات عبر المحامل الورقية أو المحتويات و الوسائط المرقمنة , ما يعكس التنوع الشديد لروافد اقتصاد المعرفة و القابلية الهائلة على الانفتاح على اختصاصات و ميادين أخرى و الاستجابة لحاجيات الأفراد و المجموعات المرتبطة بمجال التطبيق.
و من المهم أن تندرج هذه الأنشطة المتصلة بالاستثمار الثقافي في إطار خطط و استراتيجيات مدروسة تخدم الفرد و المجتمع و تساهم في ازدهار الوطن في الدول العربية بعيدا عن الانسياق وراء مظاهر و تيارات تفرضها العولمة و دون التأثر السلبي بالأنماط الاقتصادية و الثقافية المهيمنة.
————————————-
عضوة في منتدى النورس الثقافي الدولي