الاعلامية فاطمة حافظ تكتب : محمد الأمين أيقونة الغن السوداني
سُمي أيقونة الموسيقى والغناء السوداني محمد الأمين حمد النيل الطاهر الإزيرق عن عمر ناهز الـ80 عاما، والذي توثق مسيرته الفنية ملامح تاريخ وواقع السودان السياسي والاجتماعي والثقافي.
تميز محمد الأمين الذي ولد في 20 فبرايرفي قرية ودالنعيم التي تبعد ٢٠ كلم جنوب غرب مدينة ودمدني بولاية الجزيرة عام 1943- بقدرات صوتية ولحنية توصف بالسهل الممتنع، والقليل جدا من أغاني الموسيقار الكبير لحنها له آخرون، فأي لحن يضعه محمد الأمين يحمل بصماته الفنية ا الخاصه .
و متزوج من السيدة/ سعاد مالك وأب لعدد من الابناء.
وقد جذبه الي عالم الموسيقى والغناء منذ نعومة اظافره خاله الاستاذ بله يوسف الازيرق فاجاد آلة المزمار ثم آلة العود التي تمكن منها وهو لم يتعد الاثنى عشر عاما.
ويعتقد الموسيقار د. الفاتح حسين أن نشأة محمد الأمين في السودان المصغر- ولاية الجزيرة – وتأثره بفنون تلك المنطقة التي جمعت كل أهل السودان وهم محملون بثقافاتهم الغنائية والصوفية المتنوعة،
هذه النشأة والتأثر أصبحا يمثلان جوهراً أصيلاً قيماً ودينمو محركاً في شكل تأليف معظم الألحان التي قدمها محمد الأمين، فنجد محمد الأمين الذي ظهر بقوة في شكل ألحانه الوطنية والإيقاعات التي تبث الحماس في الروح المتفاعلة مع وجدان المواطن السوداني.
مراحله التعليمية:
تلقي محمد الأمين تعليمه الأولي في مدارس ودمدني وقد شاء القدر ان يكون في مدرسة الشرقية الأولية استاذ محب للموسيقى ويجيد العزف على العود هو الاستاذ السر محمد فضل الذي تعهد لمحمد الأمين وعلمه كيفية العزف على العود. بيد ان ظروفه الصحية ومعاناته مع ضعف حاسة البصر تسببت في عدم اكماله مسيرته حينها.
كما جاء بداية مشواره الفني بانه التحق في عام 1960 م بموسيقى شرطة النيل الأزرق التي كان على رأسها الموسيقار محمد آدم المنصوري. كما اسعفته اللحظة بوجود عدد مقدر من اميز العازفين حينها في ودمدني مثل الموسيقار حسين بطرى.
وقد برع محمد الأمين حينها في اداء اغنيات لفنانين سبقوه إلى سدة الغناء، مثل عبدالكريم الكابلي ومحمد وردي، مما اثقل فى قدراته الصوتية الكبيرة واكسبه شعبية وجماهيرية واسعة في ودمدني. فاحب الجمهور ادائه لاغنية بدور القلعة وجوهرها من كلمات صلاح عبدالسيد ولقد كانت تذكرة العبور الاولى لمحمد الأمين أغنية (أنا وحبيبي) من كلمات الشاعر محمد علي جبارة حيث قام بتلحينها واداءه بصوره جميله مكنته من اجازة صوته في الاذاعة السودانية والعبور للمستمعين. ثم كان ظهوره في برنامج اشكال والوان الذي كان يقدمه الاستاذ احمد الزبير، وتقديم اغنية (حرمان وأمل) للشاعر رضوان محمد احمد و وجدت اذان كثيره بشرت بموهبة قادمة من ارض الجزيرة.
فأي لحن يوضعه محمد الأمين يحمل بصماته الفنية التي لاتشبهها اي بصمات اخرى وقد يعاني مؤدي اغانيه من هذا ولعل هذا هو السبب في قلة المقلدين الشباب للاستاذ محمد الأمين.
لقد تغنى محمد الأمين بكل الوان الغناء الوطني والعاطفي والتراثي الا انه في كلها اظهر مقدرات فائقه على جعل المستمع له يتبين جمالها الاخاذ.
الأنشودة الوطنية
وقد تسلم محمد الأمين وهاشم صديق جائزة الدولة التقديرية من وزير الاعلام عبدالماجد ابوحسبو على عمل الملحمة ١٩٦٦م
يعتبر الاستاذ محمد الأمين اول من تغنى لثورة أكتوبر، فبعد شهر واحد فقط من الثورة لحن نشيد للأستاذ فضل الله محمد الذي كتبه داخل السجن الحربي اثناء اعتقاله قبل انهاء الحكم العسكري لعبود .
و خرج فضل الله وفي معيته النشيد الذي قام بالتغني به إبن منطقته ( ود مدني) الأستاذ محمد الأمين ، وهو نشيد أكتوبر واحد وعشرين.
ثم شارك الاستاذ محمد الأمين باوبريت الملحمة “قصة ثورة” التي من كلمات هاشم صديق، مع الفنانين خليل إسماعيل وعثمان مصطفي وبهاء الدين ابوشلة والفنانة الكردفانية أم بلينة السنوسي، وكان هذا في ذكرى ثورة أكتوبر بحضور الزعيم إسماعيل الأزهري والسيد محمد احمد المحجوب، ١٩٦٦م.
كما تغنى بنشيد المتاريس من كلمات د. مبارك حسن خليفة والحان مكي سيداحمد، وكذلك لحن وغنى مساجينك من كلمات شاعر الشعب محجوب شريف.
وما لايعلمه الكثيرون ان محمد الأمين تعرض لتجربة اعتقال بعد فشل انقلاب هاشم العطا ، ويبدو ان مرده للاغاني الاكتوبرية التى تغنى بها ، فالموسيقار محمد الأمين ليس حزبياً معروفاً وان كان وطنياً. ويحكي د. محمد سعيد القدال عن تلك الفترة في سجن كوبر، حيث ضمهما السجن مع الفنان وردي أيضا: ” لكل منهما صوته المميز بقوته ولكل منهما ابداعه المتميز فى مجال الانشودة الوطنية , فما ان يغني أحدهما حتي تهتز جنبات السجن , بل يمتد صوتيهما خارج الاسوار فيقف المارة يستمعون إلي وردي وود الامين وهما خلف القضبان.
الأغاني العاطفية:
يبدو التطوير الموسيقى كان لافتاً في الاغاني العاطفية التي لحنها الاستاذ محمد الأمين بنفسه. ومن يود ان يرى بصمات محمد الأمين في الغناء العاطفي فعليه بالاغنية المليئة بالشجن وهي “قلنا ماممكن تسافر” للشاعر فضل الله محمد ، او الاغنية الخفيفة التي ابرزت قدرته في عزف العود وهي “أسمر ياساحر المنظر” للشاعر الراحل خليفة الصادق،ثم جاء لحن ” خمسة سنين” للشاعر عمر محمود خالد، لتضع اكليلا من الرومانسية حول عنقه. والطريف الذي يذكره محمد الأمين، ان احدهم جاءه بعدها بانه كتب له اغنية ست سنين، فاعتذر بانه ليس معنيا بالسنوات بقدر عنايته بالمحتوى كلمة ولحناً.
ويعد بعض النقاد “زاد الشجون” لفضل الله محمد أيضا علامة فارقة في ابراز مكنون قدرات محمد الأمين في اللحن الكلاسيكي العاطفي.
وقد جمد محمد الأمين هذه الاغنية اربع سنوات قبل ان ترى النور انتظارا لعدم وجود عازفين قادرين على تنفيذها. وكان هؤلاء خريجي معهد الموسيقى الدفعة الاولى والثانية. ويقول الموسيقار د. محمد سيف: “تعتبر اغنية زاد الشجون من الاغنيات الكبيرة والتي لها وقع خاص في نفوس الجمهور، والجمهور دائماً يتقبل الجديد من محمد الأمين لأن اغنياته تتميز بمقاطع كثيرة ومتنوعة.
ويضيف الموسيقار والعازف أسامة بيكلو: “تعد من الاغاني الكبيرة في عالم الفنان محمد الأمين الموسيقي وتعتبر اغنية بمقياس اربع اغنيات من حيث التأليف تعتمد على القالب الكلاسيكي في التأليف الموسيقي
التجديد في الحان التراث
جاء محمد الأمين بالجديد في اعادة تلحينه لاغاني التراث، والمعروف ان الناس لاترضى ولاتقبل ان يغير مطرب حديث لحن اغنيه تراثية. الا ان الامر كان مختلفا مع محمد الأمين، فكل الاغاني التراثية التي جدد الحانها وبدلها اكسبته رضا الجمهور وبرهنت انه ينطلق من ارضية صلبة في القدرة على التلحين، وخير مثال لذلك التراثية (عيال أب جويلي) ، وهي تمجد رجل اسمه (سالم الأرباب )، انها دراما موسيقية مكتملة بلاشك.
الشعراء الذين تغنى لهم :
1. فضل الله محمد، وقد شكل معه ثنائيا رائعا فغنى له: الجريدة ، أربعة سنين، وحياة أبتسامتك، الحب والظروف، الموعد، زاد الشجون، طريق الماضي.
2. هاشم صديق، وكذلك غنى له عدة اغنيات وهي: قصة ثورة (الملحمة)، حروف إسمِك، همس الشوق، كلام للحلوة.
3. د. عمر محمود خالد، فغنى له: حلم الأماسي، خمسة سنين.
4. اسحق الحلنقي، غنى له: لقاء وعهد، غربه وشوق، وعد النوار، بتتعلم من الأيام.
5. عبدالباسط سبدرات، غنى له: لقاء العاملين، ابل الرحيل.
6. محجوب شريف، غنى له: مساجينك، السودان الوطن الواحد
7. محمد على جبارة، غنى له: بعد الشر عليك.
8. معاويه السقا، غنى له: مين غيرك
9. السر كنه، غنى له: سوف يأتي.
10. مبارك حسن خليفة، غنى له: المتاريس.
11. د. مبارك بشير، غنى: له عويناتك.
12. الفاضل أبو قدير، غنى له ذات الضفاير
13. صالح عبدالسيد (أبو صلاح)، غنى له: بدور القلعة
14. خليفه الصادق، غني له : أسمر ياساحر.
15. الاستاذ محمد الحسن، غنى له: مراكب الشوق
16. صلاح حاج سعيد، غنى له: يا جميل يا رائع
17. معتصم الازيرق، غني له: طائر الاحلام.
18. ابوأمنة حامد، غنى له: بهجة.
19. خليل فرح، غني له: ود مدني
20. كما غنى للشاعر الكبير نزار قباني: تقولين الهوى.
العازفين الذين ارتبطوا بمسيرته:
ماكان للالحان الرائعة التي وضعها وادآها الاستاذ محمد الأمين، ان ترى النور الا في وجود عازفين مميزين ارتبطوا بمسيرته، والملاحظ ان جلهم هم من خريجي معهد الموسيقى والمسرح في الدفعات الاولى، الذين تعلموا ليس فقط تطبيق النوتة الموسيقية بل هارمونية في تنفيذ توزيع اعماله والحليات الموسيقية ومنهم:
صالح عركي، بدرالدين عجاج، ميرغني الزين، الفاتح حسين، ميكائيل الضو، احمد باص، سعد الدين الطيب، أسامة بكلو، ماهر تاج السر، عثمان النو، فايز مليجي، عثمان مبارك، الفحيل, نور الدين مسمار وغيرهم.
المشاركات والجوائز والتقدير:
• شارك الاستاذ محمد الأمين في الكثير من المهرجانات الغنائية داخل وخارج السودان وقدم العديد من الحفلات في الدول العربية والأوربية والولايات المتحدة الأمريكية ، وأهم المهرجانات هي المهرجان الثقافي الأول بالجزائر، مهرجان الشباب العالمي بموسكو ، المهرجان الفني الموسيقي بهولندا إلى جانب عدة مهرجانات بألمانيا. واخر مشاركة له في ٢٠١٤ كانت في الصين بمصاحبة عازفين صينيين سجلها التلفزيون الصيني.
• منحت جامعة النيلين الدكتوراة الفخرية للاستاذ محمد الأمين في عام ٢٠١٠
• منحته رئاسة الجمهورية وسام الجدارة في ذكرى الاستقلال ٢٠١٤م.
والجدير بالذكر ان المطرب محمد الأمين، أحد أيقونات الغناء والموسيقى السودانية المعاصرة، من أكثرهم صيتاً، وله دورٌ كبير في تطوير الموسيقى السودانية ونشرها خارج السودان.
الا رحم الله قيثارة الفن السودانى الموسيقار محمد الامين رحمة واسعة
(إنا لله وإنا إليه راجعون )