
( الحياة صعبت علينا
 و بى اثر فقدك شعرنا
 شفت كيف حبك حياتنا
 انت يالحبك حياتنا
 و كيف بدون حبك نكون !! ) .. 
لقد رحل ( محمد الأمين ) ..
 و هو من أفعم الوجدان بأغنياته ،
 حباً ، و اشتياقاً ، و حُرقةً ، و لوعةً ،
 و تحناناً ، و أمنيات ..
 لقد منحنا من عذب موسيقاه ،
 و عبقري ألحانه ، و رائع أدائه ،
 ما أوجف و أبهج منا القلوب
 و الوجدان ..
 و ظل يعطي بسخاء من رحيقه ،
 منذ أن التمع نجمه في ( مدني ) ..
 ( مدني ) التي تُحِبه ،،
 و ( مدني ) التي يُحبها و أهلَها ،،
 و ( مدني ) التي يحن إليها ، ليوْدِع جوفها كل عذاباته و أشواقه
 و رهَقِهِ ، بعد هذا المشوار
 الطوييييل و المضني و المُرهق ..
 ( مالو أعياه النضال بدني
 و روحي ليه مشتهية ود مدني
 ليت حظي يسمح و يسعدني
 طوفة فد يوم في ربوع مدني
 كنت أزور أبويا ودمدني
 و أشكي ليهو الحضري و المدني
 آه على حشاشتي و دجني
 و حنيني ولوعتي و شجني
 دار أبويا و متعتي و عجني
 يا سعادتي و ثروتي و مجني ) ..
 و الكلمات للشاعر ( خليل فرح ) ..
و ( محمد الأمين ) لم يكن مطرباً
 مؤدياً ،،
 و إن كان حين يؤدي يُطربك حتى
 تتلاشى بين يدي غِنائه ..
 و لم يكن يغني، إذ يغني ، لتهييج
 المشاعر و العواطف و دغدغتها،،
 و لكنه كان حينما يغني ، يخاطب
 فينا أنبل و أسمى و أرفع المشاعر
 و العواطف الانسانية ..
 و لم يكن موسيقياً يتعاطى الموسيقى
 و يمتهنها ،،
 و لكنه كان حين يُموسق ، يُرسل
 بين يدي موسيقاه ذوب روحه
 و أنفاسه و مشاعره ..
 و لم يكن ملحناً يقوم بترتيب
 عناصر الموسيقى في نسق له
 معنى و دلالة ،،
 و لكنه كان عندما يصوغ لحناً يجعل
 من الأغنية كائناً حياً ، يبكي و يضحك
 و ينتفض و يركض ، و يطير بلا
 جناحين ..
 و لم يكن عوَّاداً يعزف على العود
 و يداعب الأوتارا ..
 و لكنه كان عندما يعزف على العود
 تسمع له رنيناً و أنيناً و حنيناً ،
 و يُخْرجُ من جوفه همساً ، و مناجاة ،
 و أنفاساً ، و حفيفاً ، و خريراً ، و كأنه
 هو من عناه ( التاج مصطفى ) ،
 لا هيَّ ، و هو يغني ( لبازرعة ) ..
 ( يا عازف الأوتار
 مالك على قلبي
 أشعلت فيه النار
 من جمرة الحب ) ..
 و بالله عليكم ، استمتعوا و استمعوا بكل جوارحكم إلى مقدماته
 الموسيقية ، و اختار لكم هنا ،
 ( الحب و الظروف ) ، من سهرة
 ( زول في الساحة ) ، في ( قناة النيل
 الأزرق ) ،،
 و انظروا حالة الانجذاب و التداعي
 التي غشيته ، و هو يعزف على العود ،
 و كيف يحرك رأسه يمنة و يسرى ،
 إلى أعلى وأسفل ، و كأنه هو و أنغام العود ، قد التحما و اتسقا وتكاملا ،
 و جريا نهراً يتفجر حلاوة ، تجعلك
 تشتعل إن كنت خامداً ،،
 و تخمد إن كنت مشتعلاً ،،
 و تقف إن كنت جالساً ،،
 و تجلس إن كنت واقفاً ،،
 ثم يسلمك و أنت ثَمِلٌ نشوان إلى ( فضل الله محمد ) ، و يصعدان
 بك سماءً بعد سماءٍ بعد سماء ..
 ( قلنا ماممكن تسافر
 نحن حالفين بالمشاعر
 لسه ما صدقنا إنك
 بي جلالك جيتنا زاير
 السفر ملحوق و لازم
 انت تجبر بالخواطر ) ..
 و سافر ( فضل الله محمد ) ..
 و ها هو ( محمد الأمين ) يُسافر
 إليه ..
 و عزاؤنا فيما أبْقَيَا فينا ، من
 مشاعر تُذيب الصخر العصِيَّا ..
 ( ما في عيشة بلاك بتبقى
 و ما في نشوة و ما في ريد
 ده الهوى الجنبك عرفتو
 عاطفة ملتهبة و جنون
 وين حنهرب منو وين !! ) ..
 و و ين حنهرب منو وين !!
 و وين حنهرب منو ويييييين وين !!
نعم ..
 لقد كان ( محمد الأمين ) مُجسداً
 لسدرة منتهى ( فن الغناء ) الذي
 يحيط بكل أركان جماله ، و يخاطب
 من خلاله الإنسان في أرقى نواحيه
 و تجلياته ..
 لم يكن يصدر في فنه عن استسهال
 أو كيفما اتفق ..
 كان ينتقي و يتخيرُ و يُمَحِّص و يُدقق ..
 أحسن الكلام ،،
 و أنقى الموسيقى ،،
 و أعذب الألحان ،،
 و أبرع العازفين ..
 يفعل ذلك دون تنازل أو مجاملة ، منذ
 أن تغنى ( لمحمد علي جبارة ) ..
 أنا وحبيبي ..
 ( يا حاسدين غرامنا
 يا قاصدين خصامنا
 شوفو غيري و غير حبيبي ) ..
 و كان له ما وطن عليه عزمه
 و صنيعه ، من حسن اختيار
 و انتقاء ، ليَفِد إليه أولو السبق
 من الشعراء الأفذاذ ، الذين
 وجدوا في أدائه لكلامهم طعماً
 و نكهةً و اشتهاراً .. 
لقد تغنى له من أتيت على ذكرهم
 هنا ، و عبدالباسط سبدرات ) ،
 و ( محجوب شريف ) ، و ( مبارك
 حسن خليفة ) ، و ( أبوآمنة حامد )
 و ( معتصم الإزيرق ) ، و ( إبراهيم الرشيد ) ، و ( صلاح حاج سعيد )
 و ( معاوية السقا ) ، و ( رضوان
 محمد أحمد ) ، و ( خليفة الصادق ) ،
 و تغنى ( لهاشم صديق ) ، أكثر من
 أغنية ، و ( الملحمة ) ..
 ( لما الليل الظالم طول
 فجر النور من عينا اتحول
 قلنا نعيد الماضي الأول
 ماضي جدودنا الهزموا الطاغي ) ..
 و قد شاركه بالأداء دكتور ( عثمان
 مصطفى ) ، و ( خليل إسماعيل ) ،
 و ( بهاء الدين ) ، و ( أم بلينة ) ..
 و أنت تستمع إلى ( محمد الأمين ) ،
 في ( الملحمة ) ، لو طُلِبَ منك
 لحظتها أن تُلقي بنفسك في أتون
 نيران مُوقَدَة فداءً للوطن ، لأقدمت دون تردد ، إذ حشد لها كل عنفوانه ،
 و صادق حبه ، لوطنه و بني وطنه ..
 ( وطني نحن سيوف أمجادك
 نحن مواكب تفدي ترابك
 لسه الشارع بشهد لينا
 في يوم الغضبة حصاد ماضينا ) ..
 و أذكر أن صديقي الراحل
 ( عزالدين محمد إبراهيم ) مؤسس
 ( سودانيز ساوند ) ، قد أوكل إلى
 المخرج ( شكرالله خلف الله ) ،
 و ( استيفن ) ، اعادة بانوراما
 الملحمة ، و قُدِمت على مسرح
 قاعة الصداقة ، في مهرجان
 ( سودانيز ساوند ) ، و وجهتُ
 بتسجيلها ، ( لتلفزيون السودان ) ،
 وقلت لأخي ( شكرالله ) :
 ( خلينا نتوكل و نبثها كسهرة يوم
 الخميس ) ، في العام ١٩٩٨ ..
 و قد كان ..
 و ما أن بُثت ( بانوراما الملحمة ) ،
 حتى وجدت نفسي وسط عاصفة
 من الاندهاش و الانفعال و الفرحة
 العارمة ، من جموع المشاهدين ،
 و كأنني قد أتيت بما لم يأتي به
 الأوائل ، و قد أبدى لي الأستاذ
 ( محمد الأمين ) و للمخرج
 ( شكرالله ) سعادته بذلك ..
 ( دي عملتوها كيف !! ) .. 
و درج ( محمد الأمين ) على تطويع
 أصعب و أعمق ألوان النَظْم مما
 لو قرأته مجرد قراءة لصَعُب عليك
 و تعثرت ، و تعسر عليك الفهم ..
 و أغنيات كثيرة ، من هذا القبيل ،
 محفورة في و جدانكم ، لشعراء
 أماجد أفذاذ ..
 و هااااكم ( يا نديمي ) ..
 و كيف أنه بلحنه و موسيقاه و أدائه ،
 قد جعل هذا الكلام العميق ، ذي
 ( الحمولة العالية ) ، أشبه بنسمةٍ
 حانيةٍ تلفحك فتسري في أوصالك
 نشوةً وعافيةً ..
 ( يا نديمي
 دعك من عثرات قولي
 و اترع الكأس تناجي الكون مثلي
 لا تظُنني أبِيِدُ العمرَ لهواً
 إذ أنا جِسمٌ به البُرْكانُ يغلي
 سوف يأتي باسم الثغر يُلَوِّح بالأماني
 طيُّ عينيه بَريِقٌ و غُمُوضٌ و معاني
 يحمل الروح إليَّ
 يزرع العطفَ نديِّا
 يَسْكُبُ الآهات همساً في ثنايا أذُنَيَّا
 و بها أحيا و أنسى ما ضناني
 لا لا
 لا تسلني .. ) ..
 و أنا في ( تلفزيون السودان ) ،
 قد غشيتني سعادة غامرة ، والأستاذ
 ( خالد الإعيسر ) ، يجري لنا من
 ( لندن ) حواراً ( تلفزيونياً )نادراً
 ور اقياً ، مع شاعر ( يا نديمي ) ،
 ( تاج السر كُنّة ) ، و كان لقاءً يزِنُ
 مائةً .. 
و هااااكم ( عويناتك ) ..
 و قبل عويناتك أقول ..
 لا أدري ، أعمداً أم مصادفةً ، أن
 يجعل ( محمد الأمين ) من
 ( العيون ) مساقطَ للحُسنِ
 و الاحساس و الانبهار و الالهام ..
 و هي في نظري كذلك ، أعني
 ( العيون ) ..
 و ( حيات ابتسامتك ياحبيبي
 و حيات عينيك ) ..
 و ( ما هو باين في العيون
 وين حنهرب منو وين ) ..
 و ( متين سهر عيونك
 ليل طويلة ساعاتو ) ..
 و ( وكت اشتاق و ارحل ليك
 و أسرح في عسل عينيك ) ..
 و ( عيون ) بدور القلعة ..
 ( العيون النوركن بجهرا
 غير جمالكن مين السهرا
 يابدور القلعة و جوهرا
 السيوف الحاظك تشهرا
 عليَّ الفؤاد من بدري انهرا
 أخفي ريدتك مرة و أجهرا
 نار غرامك ربك يقهرا ) ..
 و هذه من أوائل الأغنيات ، التي
 تعلق بها محمد الأمين و علقت به ..
 و بالرغم من أن الأغنية نظمها
 أحد فطاحل الشعراء ، و هو
 ( صالح عبد السيد ابوصلاح) ،
 في واحدة من أحسن حِسان
 ( حي القلعة بأم درمان ) ، إلا أن
 ( محمد الأمين ) بعبقريته الأدائية ،
 قد عتَّقها و عبَّقها و عبَّأها ، و جعلها تضوع سِحراً و عُذوبة ..
 و في مجلسٍ ضم الراحل الدكتور ( مبارك بشير ) ، إلى جانب البروف ( قاسم بدري ) ، و الراحل الدكتور ( كمال الجزولي ) ، و الشاعر ( عبدالله البشير ) ، ذكر ( مبارك ) أن شغفه
 بأداء ( محمد الأمين ) لأغنية ( بدور
 القلعة ) قد أغراه بكتابة ( عويناتك ) ..
 و أظن أن ذلك قد صادف هوى عند ( مبارك ) ، وهو السبب الذي أورده الأستاذ ( حسن الجزولي ) ، و هو
 يكتب عن الشاعر الدكتور
 ( مبارك بشير ) .. �( لو بقدر أسافر في بريق لحظك�و ما أرجع�تقول لي خايفاك بكرة تتوجع�أقول ليها عويناتك ديار وعدي�مسوّرة بجدار صمتك�عذابي معاك�بريدك قبل ما أعرفك�و لو بقدر …�أشيل من الزمن وقتي�بموت في لحظة�و أوهب ليك عقاب عمري�عويناتك ) .. 
و ( محمد الأمين ) بكل المقاييس ،
 هالة و حالة ، من التفرد و النبوغ
 و السطوع المُبهر الجهير ..
 له أسلوبُهُ
 و له نَهجُهُ
 و له طرائقُهُ
 و له تجلياته ..
 و إذا سُئِلْت ُ عما يميزه أقول ..
 التجويد ..
 التجويد باحساس ،،
 ثم التجويد بفهم ،،
 ثم التجويد بعزيمة ،،
 ثم التجويد بمسؤولية ،،
 ثم التجويد باستمتاع ..
 و هو التجويد الذي يُسخِّر له كل
 ما حوله و من حوله ..
 و رغم ( الجديه ) التي تَسِمُه ،
 إلا أنك و أنت تقترب منه ، تجده
 لطيفاً ظريفاً مرحاً ساخراً ، و هي
 سخرية مستلذة ، لا تؤذي أحداً ..
 و أنت تقترب منه تألف فيه
 ( الأستاذ ) و ( الصديق ) و ( الأخ الأكبر ) ، فتغدو مُريداً له ، و مُقبلاً
 عليه بحُبٍ و اعزاز ..
 و كان أنَّى حلَّ يُشِيعُ أجواءً من
 الانضباط و الجدية و الحرص ..
 و هذا ما بدا لي منه ، خلال فترة
 عملي في ( تلفزيون السودان ) ،
 و ( قناة النيل الأزرق ) ، و تَرَدُدِي
 على مَظانِهِ و مضارِب غنائه ..
 و لقد أسعفني حظي كثيراً ، و أنا
 أشهد ، و أتابع ، إن لم أكن سبباً ، في أغلب تسجيلات ( محمد الأمين ) ،
 ( لتلفزيون السودان ) ، و ( قناة
 النيل الأزرق ) ، من داخل ( الأستديو )
 و خارجه ..
 و أذكر بعضاً منها ..
 -سهرة ( لتلفزيون السودان ) قام
 بتقديمها المذيعان دكتور ( حمزة عوض الله) و ( آفاق إمام الدين ) ،
 من إخراج ( إسماعيل عيساوي )
 ( و إبراهيم عوض ) ..
 -استضافة لحلقتين في ( مشوار
 المساء ) من إعداد (الشفيع
 عبدالعزيز ) و تقديم ( الطيب
 عبدالماجد ) و ( هبه المهندس ) ،
 و من اخراج ( شكرالله خلف الله )
 و ابراهيم عوض ) ..
 -تسجيل سهرة ليالي ( دبي )
 ( لقناة النيل الأزرق ) من
 إنتاج ( مؤسسة آل حاكم ) ، و التي
 سهر عليها حبيبنا الراحل ( مبارك
 آل حاكم ) ..
 -مشاركة في حلقتين من برنامج
 ( أغاني و أغاني ) ..
 -سهرة ( زول في الساحة ) من اعداد
 ( فرزدق معتصم ) و ( فاطمة أنس ) ،
 و متابعة ( منال فتح الرحمن ) ،
 و في التقديم ( مودة حسن ) ،
 و اخراج ( أيمن بخيت ) ، ( و لؤي
 بابكر ) ، و كالعادة ( محمد محجوب )
 في الهندسة ، و ( يس غلام ) و من
 قبل ( خالد حلمي ) في الديكور ،
 و كانت باشراف ( عمار شيلا ) ..
 -استضافة في مساء جديد بصحبة
 المذيعين ( أمجد نورالدين )
 و ( سهام عمر ) ، و كان مرة قد
 أثنى لي على أداء المذيعة ( سهام )
 و حرصها ..
 -و تم تسجيل آخر حفل له في دبي نظمه ، كل من ( أسامة النور ) ،
 و ( صديق حاكم ) ، و أخرجه ( أيمن
 بخيت ) و كان في الصوت ( مبارك
 أحمد المبارك ) وفي التقديم
 ( ريان الظاهر ) .. 
-و كانت أمُّ السهرات ..
 سهرة ( في حضرة من أهوى ) ..
 حيث جلس دكتور ( عمر محمود
 خالد ) مقدماً تلك السهرة في حضرة
 من يهوى ،،
 و جلس ( محمد الأمين ) في حضرة
 من يهوى ، و كيف لا يهوى من غنى
 له ( خمس سنين ) و ( حُلم الأماسي ) ..
 ( إنتي مهما تغيبي عني
 أصلو ما بتفوتي مني )
 و أبحرت السهرة ..
 و في الفاصل جلس ( الشفيع
 عبدالعزيز ) منتج السهرة ، و التي
 أخرجها ( مجدي عوض صديق )
 إلى ( محمد الأمين ) ، و قال له إن
 أغنية ( بتتعلم من الأيام ) لم
 تحظى بتسجيل نظيف ، طالباً
 منه تقديمها في هذه السهرة ،
 التي توفرت لها كل العناصر الفنية اللازمة فقال له :
 ( يا الشفيع ياخي الأغنية دي
 بتتعبني ، بتتعبني شديد ) ، و تمنَّع كثيراً ، و لكنه وافق في النهاية تحت اصرار ( الشفيع ) ..
 و غنى و احدة من فلذات كبد
 ( إسحق الحلنقي ) ..
 ( بتتعلم من الأيام
 مصيرك بكره تتعلم
 و تعرف كيف يكون الريد
 و ليه الناس ليه بتتألم ) ..
 ياااا الله ، شيء بديع ..
 و الفرقة من ورائه تملأ الآفاق ،
 و تزحم الآذان بموسيقى تُسكِر
 الإنسَ و الجان ، و تجاوبها صُمُ
 الحِيطان ، كيف لا و قد جلس من
 خلفه ، في تلك الليلة ، ثُلةٌ من أمهر العازفين و أبرعهم ، ( سعد الدين
 الطيب ) و ( لؤي ) و ( زرياب )
 و ( محمد الجالي ) و ( جبريل )
 و ( نورالدين ) و ( الصادق حسين )
 و ( أمير ) و ( أسامة بيكلو ) و ( جبربر)
 و ( آدم كريازي ) و ( صلاح طاشين )
 و ( خميس مقدم ) و ( فتحي )
 و ( منتصر ) ..
 و عندما ارتقى إلى ..
 ( أقابلك و كلي حِنيَّة
 و أخاف من نظرتك إليَّ
 و أخاف شوق العمر كلو
 يفاجأك يوم في عيني
 ورا البسمات كتمت دموع
 بكيت من غير تحس بي ) ..
 هنا ..
 كنت أراه و أحسه يغالب أوجاع
 عمره و أشواقه ، و يُكابد أثقال
 روحه و حنين قلبه ..
 و وهجٌ متأجج أخذ يزحف إلى وجهه ..
 كان يتجلد و يقاوم و يُداري
 لكنه لم يُفلح
 و أخيراً
 بكى و أبكى ..
 بكى و كأني به يؤازر كلَ من أبكته
 و ستبكيه يوماً هذه الأغنية بدءاً ( بالحلنقي ) ، و انتهاءً به هوَ
 ( محمد الأمين ) ..
 و رأيت في بكائه يومها ، تعبيراً عن
 المشاعر الإنسانية ، في كل عهودها ،
 و أطوارها ، و أحوالها ، و تجلياتها
 و ضعفها ، و قوتها ، و سموها ،
 و انحدارها ، و نُبلها ..
 لقد بكى لنا و عنا و هو يبكي ..
 و سبقنا ببكائه لنا و نحن نبكي
 اليوم عليه .. 
و أنااااا ..
 و أنا مَدِينٌ له بودٍ كان يُطوِّقُني به ،
 و هو ودٌّ كان يفرحني و يستثير
 خوالجي ، و يوم أن غادرت ( قناة
 النيل الأزرق ) ، قال لأخي ( شكرالله ) ،
 و هو يزوره ، كلاماً في حقي يُثلج
 الصدر و يُبهج الخاطر ..
 و أصدقكم القول ، أني ومنذ أربعة
 أعوام ، كلما شرعت في الكتابة عنه ،
 يقعد بي عجزي و خوفي ، من عدم
 الوفاء بحقه ، و هو البحر الذي
 يمور ( باللآلئ ) و ( المرجان ) ..
 و قبل ما يقارب العامين ، و بعد
 أن قدمت واجب العزاء في الراحل
 ( بشير حسن بشير ) ، بمنزله الكائن
 غرب ( معرض الخرطوم الدولي ) ،
 أدركني ( المغرب ) ، فأسرعت إلى
 ( المسجد ) القريب من ذلك المكان ،
 و صادفت ( محمد الأمين ) هناك ،
 و بعد أن فرغ من الصلاة ، و الباقيات الصالحات ، أقبلت عليه ، و كان هذا
 آخر يومٍ تقر فيه عيني برؤيته ..
 اللهم اغفر لعبدك ( محمد الأمين ) ،
 و ارحمه رحمةً واسعةً ..
 و السلام ..
 ١٧ نوفمبر ٢٠٢٣ ..



