طلبُ قائدُ الجيشِ السُوداني عبدالفتاح البرهان استبدالَ فولكر بيرتس المبعوثُ الأممي في السودان جاءَ في توقيتٍ تقَصدُهُ المُشرعُ السيّاسي للمجلسِ السيادي والذي هو امتدادٌ بل وهو ذاتُ الفاعلُ لأكثرَ من عقدين مَضيّا فَطلبُ استبدالُ أو طلبُ مُغادرةِ مسئولٍ أممي أو دبلوماسي أو مُنظمة دولية خَصلةٌ اعِتادَها قادةُ ” نظامِ الإنقاذ” غيرَ أنَ الموقفَ من بيرتس يختلفُ فالرجلُ أعطي جُهده لأجل تحقيقِ هدفِ بعثته للانتقال الديمقراطي رغمَ محاولاتِ عرقلة جهوده من جهاتٍ عديدة منها قادةُ الجيش بانقلاب الخامسِ والعشرين من أكتوبرَ ضد الحكومة الانتقالية ورغمَ عَملهِ الدؤؤبُ من بعد لمحاولة تقريب وجهاتِ نظرِ الفُرقاء السيّاسيينَ حتي إتفاق الإطاري الذي انقضَ عليه العَسكريّونَ في حرب الخامس عشر من أبريل.
طلبُ البرهانِ رغمَ “صدمة ” غويتريتش وهو حينَ يستفيقُ استفاقةً يُعلنُ تجديدُ ثقته الكاملةِ في مبعوثهِ إلي السودان وذا أمرٌ متوقعٌ بطبيعةِ الحال بيدَ أنهُ لا شكَ فاعلٌ ولسوفَ يتمُ استبدالُ فولكر بآخر لأن الأخير تكادُ مُدة عمله تنقضي ثم لانهُ ليس باستطاعته مُواصلةُ عملهِ في حالِ عدمِ تعاونِ حُكومة السودان معهُ رغمَ أن الخارجيةُ السودانية أكدت علي أن تقوم البعثةُ بدونه بُمواصلة عملها كالمُعتادِ حتي يَحينُ وقتُ تعييينُ بديلٍ له.
في سوابقِ الأمم المتحدة مايُؤكدُ إمكانيةُ تبديله بعد مُدة حتي لا تكونَ استجابة فوريةً لطلب البرهان وأيّاً ما كانت حيثياتُ طلبه وموضُوعيتها وهذا علي الرغم من تأكيدات الولايات المتحدة علي دورِ وأهمية فولكر بيرتس في السودان.
طلبُ السيّد البرهانُ لم يدفع به إلي منضدةِ الأمين العام للأمم المُتحدة خبطُ عشواء أو موقفٌ مُثلُ الحربِ التي تدور عبيثيةً مِثلما صرحَ إبانَ اشتعالها وإنما الطلبُ المشفوعُ باليمين الا عودةَ للمبعوثِ هو تخطيطٌ محكمٌ يثقبُ المُستقبلَ لما بعدِ الحرب والتي رغمَ أحَمالها الثقيلةُ علي الجيشِ والمواطنين فهي مُفضيةٌ علي ازاحةِ الدعم السريع بالضربةِ القاضيةِ المُميتةُ مهما ومن كانت الخَسائرُ ثمَ استعادةُ إحكامِ سيطرةِ المُكونِ العسكري علي المشهدِ واعادةِ رسمِ خارطتهِ علي نحوٍ جديدٍ مُستبِد ولذا فإن زحزحةُ فولكر باتهامه بالعجزِ عن القُدرة علي الانتقال الديمقراطي وبسببٍ اخرَ اتهامهُ بمثبوتاتُ انحيازاته الي اطرافَ أخري بحسبِ تعليلِ الطَلب.
الولاياتُ المُتحدةُ الأمريكية رغمَ تَأييِدها تأييدُ غويتريتش لمبعوثه في السُودان إلا أن أمريكا في المشهدِ السياسي الجديد في السودان سوفَ تُجابهُ صعوباتٍ جمةٍ لإستعادة دورها ضمن جهود الوساطة أو الدعم في ظل موقفها السالب في حالة الحرب المستعرة إذ ظلت تلوحُ وتفعلُ بإصدار عقوباتٍ علي طرفي النزاعِ يصلها الردُ من جهةِ البعض علي ذاتِ طريقةِ قواتِ الدفاع الشعبي مُنتصفِ التسعينيّات ” يا أمريكا لمي جدادك..” وهذه المرةِ علي صيغةِ “البلِ ” السائدةُ بأن تقومَ الولايات المتحدة الأمريكية إلي قرارِ عُقوباتها بأن ” تَبلوا وتشرب مويتو” أو كما قال ياسرُ العطا عُضوُ المجلسِ العسكري وصَديقنا عزت الماهري مُستشارُ الدعمِ السريع.
الولاياتُ المُتحدة الأمريكية وهي تعلنُ اكتشافها دعمُ جماعةِ فاغنر الروسية لقواتِ الدعمِ السريع بالسلاح ومُضاداتُ الطيران مقابلَ الذهبِ.
إكتشافٌ أمريكا تأخرَ الإعلانُ عنهُ فدولةُ روسيا رغم انشغالاتها بالحربِ في اوكرانيا إلا أنها تشتغلُ علي كافةِ الأصعدةُ في السودان فمنذُ زيارةِ الرئيسُ البشيرِ قبل سنوات إلي دمشقِ ولقاءِ الرئيس بشار الأسد استمرتِ المباحثاتُ لاحقاً حتي زيارةُ حميدتي إلي روسيا قبل عامٍ ونِصف فلئن خَسرت روسيا بدعم ِ فاغنر لقواتِ حميدتي في الحربِ الدائرةُ اليومَ فهي لن تخسرَ بالجهودِ الدبلوماسية المَبذولُةُ مع قادة اللجنة الأمنية للبشير ذاتها فيما بعد انقضاءِ الحربِ بسيطرةِ القُوات المسلحة السُودانية علي أطرافِ البلاد.
العقوباتُ الأمريكية وطلبُ استبدالُ فولكر كلها ظلالُ سالبة تتركُ أثرها عَقبَ انجلاءِ الحربِ فالسُودانيون أحوجُ مايكونونَ إلي دعمٍ في مُختلف المجالات تستعيدُ به الخرطومٌ عَافيتَها بالبناء والتنميةِ والأمن بدلاً عن إغترارِ قادة المجلس العسكري بالقوة استدامةً لحالةِ الحُكم العسكري يَحرمُ سُودان مابعد الحربِ استحقاقاتهِ في فُرص التمويل الدولي لإعادةِ الإعمار وما تقومُ به الولاياتُ المُتحدةُ الأمريكية نتيجةُ عَسفَ مُتخذي القرار الآنَ استعداءً للمُجتمع الدولي ومُنظماته بحقٍ وبغيرِ حقٍ قد يُطيلُ أمدُ الحربِ الباردة بعد توقفِ حربُ مدينةُ الخرطومِ العبثيةُ التي عَاثَ الجنجويد بها فَساداً وهُم يَجوسونَ خلالَ الديار انتهاكاً للبيوت والأعراض والأُنفسِ والثمرات.