
المكان القاهرة العاشر من ديسمبر 2021 هاتفني الأخ الصديق العميد الركن معاش العوض محمد الحسن الذي كان يقيم للعلاج بالقرب منا في محافظة الجيزة الهرم، ودعاني سيادته لتناول كوب من الشاي على شرف دفعته الفريق أول ابن عوف الذي سيزوره مساءً مواسياً له.
اهتممت جداً بهذه الدعوة فقد كانت بالنسبة لي فرصة طيبة لأسمع الحقائق كاملة من صانعها، وبالفعل ذهبت إلى الأخ العوض قبل وصول سعادة الفريق أول ابن عوف واستأذنته أن يكون حوارنا معه حول حقيقة الانقلاب على الإنقاذ واستقالته السريعة وتعيين البرهان بديلاً له!! وافقني الأخ العوض على ذلك، وبالفعل وصل ابن عوف بصحبة الملحق العسكري بالسفارة السودانية بالقاهرة في الموعد المحدد، وبما أن الأخوين (ابن عوف / العوض) من منسوبي الدفعة 23 الكلية الحربية، بدأ اللقاء كعادة هذه اللقاءات بأخبار منسوبي الدفعة وبعض الطرائف، وشيئاً فشيئاً فرضت السياسة نفسها، وجاءت أسئلتي مباشرة جداً لسعادته، وأخبرته أني كنت من أنصار التغيير للمشير البشير وحكومة الإنقاذ، إلا أنني أود أن أسمع منه حقيقة سيناريو التغيير، بالإضافة إلى معرفة الضرورة التي جعلته يتنازل عن السلطة بهذه السرعة ويراهن على الفريق البرهان بديلاً له.
وبما أن هذه الأسطر هي شهادتي لله والوطن كما سمعتها من سعادة الفريق أول ابن عوف مباشرةً في حق البرهان فسأكتفي بها لأهميتها في هذه العجالة، وسأعود لاحقاً إذا دعت الضرورة لبقية الحقائق!!
وللإجابة على الأسئلة اعتدل الفريق ابن عوف في جلسته وحدّثنا حديث الواثق من نفسه ومن قراراته التي اتخذها إرضاءً لله ثم لضميره وللشعب السوداني، ثم حدّثنا عن سيناريو استقالته التي جاءت تكملةً لنجاح المشروع، وعن الفريق أول البرهان قال: (يا شيخ الكودة: أصدقك القول بأني أعرف البرهان كضابط منذ فترة طويلة، الزول دا يتحلى بشجاعة فائقة ما لاقتني في أحد طيلة مسيرتي العسكرية، وما سمعت بها إلّا في قراءتي لقصص الشجعان مثل عنترة ابن شداد).
وضرب ابن عوف برجله أرضية الغرفة التي نجلس فيها عدة ضربات قوية قائلاً: (البلاط دا يهتز البرهان ما يهتز). وأضاف: (البرهان عنده قُـدرة على الصبر وقوة للتحمُّل عجيبة، وفيه كثيرٌ من الصفات التي تؤهله للرئاسة ولقيادة الوطن في هذه المرحلة الحرجة جعلتني اختاره). وأضاف: (عموماً هو أفضل مني لهذه المهمة ذات المواصفات الخاصة وإن شاء الله ربنا يوفقه وسترون ذلك).
وبعد أن ودّعناه وعدنا أنا والأخ العوض للشقة، سألت العوض عن هذه الصراحة والبساطة التي رأيناها في هذا الرجل، فكان رد العوض: (أنا ما بعرف البرهان معرفة لصيقة فالفرق بيننا كضباط كبير ولم نعمل معاً، ولكني أثق في كل كلمة قالها الفريق ابن عوف، فإنه قد عُرف بيننا كدفعة انه زاهد جداً ويتحرى الحلال والصدق).
هذه الشهادة في حق الفريق أول البرهان ظلت عالقةً في ذهني طيلة هذه الفترة، وكانت دائماً حاضرةً أمامي وأنا أراقب هذا الرجل القامة في قيادته للدولة حتى استوت على جُودِيِّها!! والله أكبر ولله الحمد!!
القاهرة 27 رمضان 1446