منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
مقالات

سامر العمرابي يكتب : تاني قام زول جميل في بلدنا مات.. فوزي المرضي يلحق بمحبوبته في دار الخلود

وأنا في بدايات عملي في قناة الجزيرة وداخل ملعب الهلال يوما ما ناداني الأسد بكل عنفوانه وأنا الذي أتلمس خطاي وقتها وعلاقتي به سطحية وكنت قد تقدمت إلى خطبة إحدى حسان أمدرمان قبل أيام وكنت أعرف بأنه متزوج من عمتها وأن عمها هو كابتن الهلال الراحل قاسم أحمد عثمان وصلته في داخل الملعب وبصرامة قال لي سألوني منك وقلت ليهم ولد كويس لكن عندو عيب واحد!! لم أستطع الرد عليه حينها ثم واصل بعد صمت قصير قلت ليهم مريخابي ثم انفجر ضاحكا تلك الضحكة الناصعة التي تميز بها كل عمره ومن يومها بقينا أصحاب ثم أصبحنا نسايب وعدايل وكنا نلتقي في الملاعب أكثر من البيوت بحكم العمل وسافرنا في بعثات رياضية سويا مع الهلال إلى زنجبار وكنشاسا ولوممباشي فكنت قريبا منه وكان يشملني بالرعاية والاهتمام نقضي ساعات طويلة داخل الفندق نحكي ونضحك ونتبادل المقالب فهو صاحب روح مرحة ويمنحك إحساسا أبويا صادقا وفوق ذلك فهو رياضي روحه عالية.
كنت امازحه بأنك أسد في الهلال ولكنك وديع في البيت أمام رفيقة دربه وحب حياته ( زينات) يغضب ويضحك في آن واحد ثم يرد: أعمل حسابك البت عمه.
فوزي المرضي وبرغم فخامة الإسم وهيبة اللقب(الأسد) إلا أنه طفل صغير وديع حنون ودمعته قريبة وصادقة، وبرغم كل الشهرة وهالة النجومية ولكنه هادئ بسيط وزاهد في هذه الدنيا يعشق الهلال وأمدرمان بيته ومجتمعه وأصدقاء عمره ويقضي بعض وقته في مسيد شيخه وصديقه محمد خير، يحب أسرته الصغيرة والكبيرة بجنون وبينه وإبنيه المهندس مدثر والبانكر أحمد علاقة جميلة لاتعرف القسوة ولا الصوت العالي أدبهم فأحسن تأديبهم وتعليمهم فكتب الله لهم نجاحا وفلاحا ورزقهم بره، أما علاقته بوحيدته الدكتورة الشهيدة آلاء كانت حبا لايوصف واهتماما يفوق الوصف ومحنة نابعه من القلب بل كانت كل قلبه الذي لم يحتمل فراقها الذي جاء بطريقة بشعة لم يتوقعها طيلة حياته بل لم يكن في خياله أنه سيقوم بدفنها قبل أن يلحق بها.. عاش فوزي سبعة عشر عاما الأخيرة من حياته منهكا بعد عملية قلب مفتوح في القاهرة ولكن قلبه ظل كما هو عامرا بحب الناس والهلال وأمدرمان والوسط الرياضي بمختلف ألوانه وظل قويا يحتمل نكبات الحياة وظروفها حلوها ومرها بجلد ويقابل كل ذلك بالتسبيح والاستغفار والدعاء والبسمة الناصعة وبالضحكة المجلجلة لم يهزمه إلا موت آلاء البشع أمام عينيه برصاصة طائشة غادرة.
لم يحتمل قلبه العليل رحيل الطبيبة الشاطرة التي كان يدخرها للمستقبل وينتظر يوم زفافها عروسا.. انفطر قلبه حزنا وكمدا عليها وتقطعت دواخله غبنا وألما لفراقها وظل طيلة أيامه الأخيرة حزينا باكيا سارحا هائما مهموما يحاول أن يقاوم ولكن هيهات كيف يحتمل كل هذه الفجيعة؟؟
كلما أهاتفه مواسيا أجده باكيا مكسورا في أضعف حالاته وهو القوي الصامد طيلة حياته يردد ( آلاء مشت ياسامر) وكنت أغالط احساسي بأن الأسد الجريح لن يستطع العيش بدونها ولن يقوى على نسيان مشهد سقوطها أمامه والرصاصة في قلبها فقد شقت قلبه في ذات اللحظة.
رحل فوزي بعد ثلاثة أسابيع فقط لاحقا بفلذة كبده ودفن في ليلة الجمعة المباركة ونحسب ذلك دليل على حسن الخاتمة وبشريات قبول كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، إِلاَّ وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ القَبْرِ. نسأل الله أن يجمعهما في جنات النعيم.
رحل الأسد في هدوء كما عاش وترك فينا فجيعة وجرحا غائرا وحزنا دفينا ودرسا بليغا في الحياة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 🙏

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى