لماذا يهرب النقاد من تناول موضوع النص – بقلم عيد الناصر
كل نص أدبي أو فني له جانب فني وآخر موضوعي .. وأغلب الظن بأن الكاتب حاول طرح قضية ما من خلال النص الأدبي، سواء كانت قضية مهمة أو بسيطة، ولكن حين يسلط النقاد على الجانب الفني ويتجاهلون الإشارة الى الموضوع، نشعر بأن هناك خللا ما في المعادلة النقدية ومن ثم علينا البحث عن أسباب مثل هذا الموقف في الفضاء الثقافي والاجتماعي والسياسي المحيط بنا ..
رواية “شموس ونوافذ”، على سبيل المثال، نص يطرح قضية انسان يتعرض للظلم والاهانة والاذلال في احدى المستشفيات خلال جائحة كورونا.. هذا مؤشر لوجود خلل في القيم الاخلاقية والانسانية على مستوى الطاقم الطبي والطاقم الاداري ويفترض ان تكون هناك مساءلات من الجهات الرسمية .. الخ مساءلات ربما تؤدي الى تغيير او تعديل بعض القوانين، ولكن حين يمر الناقد على تلك الصرخةً التي يحملها النص الأدبي، رواية أو قصة أو قصيدة أو لوحة تشكيلية، بكل بساطة دون الوقوف عند مضمون (رسالة) النص، ويذهب للحديث عن اللغة والحوار والصور و الشخصيات .. الخ دون إبراز القضية الرئيسية فتلك مشكلة ثقافية، وأدبية، وإجتماعية ، وإنسانية يشارك فيها الجميع بكل أسف وعلى رأسهم النقاد..
الكثير يعتقدون بأن النقد يفترض ان يتناول الجوانب الجمالية في النص، السلبية منها أو الايجابية ولكنهم يتجاهلون خطورة الموضوع، ربما تفادياً لما قد يترتب على ذلك من ضرر على من يثير غبار هذه المواضيع، وخصوصاً إذا كان النص يحمل نقداً بشكل أو بآخر، وهذا بحد ذاته خلل خطير في منظومة النقد ومفاهيمه ..
تصور بأن مهمة الفلاح ان يرمي بالسطل الى عمق بئر الماء بحثاً عن جمالية الايقاع، ولكنه غير ملزم بأن يكون في ذلك السطل اي ماء، كيف سنقوم بسقي الزرع؟ ومن ثم كيف سنعيش بدون زرع؟ ما قيمة رمي السطل في الماء، هل هو للإستماع إلى جمالية صوته وهو يرتطم بوجه الماء، أو صوته وهو يغطس في عمق البئر ..إلخ
أعتقد بأن موضوع النص هو الذي ساهم في حركات التغيير الاجتماعية في العالم، فلماذا يتم تجاوزه من قبل النقاد لدينا؟ على سبيل المثال: حين نقرأ ما أثارته رواية “كوخ العم توم” بعد صدورها عام 1852م، وهي الرواية التي يقال بأنها ساعدت على المطالبة بإلغاء الرق في أمريكا، ويقال بأن الرئيس الأمريكي ابراهام لينكولن حين استقبل الكاتبة في البيت الأبيض قال كلمة صارت مشهورة “إذن هذه السيدة الصغيرة هي المسؤولة عن تلك الحرب الكبيرة ..” في إشارة الى الأثر العظيم الذي أحدثته تلك الرواية في تشكيل وعي شعبي رافض للعبودية وتأجيج النفس لرفض الاستعباد، بل أن البعض يذهب الى أبعد من ذلك بإعتبارها “وضعت الأساس للحرب الأهلية الأمريكية”.
ولهذا أجد بأن النقاد عليهم دور كبير في اثارة الجوانب الجمالية في النص وكذلك عدم تجاوز الموضوع الذي استهدف العمل الفني إثارته كغرض رئيسي ومهم في العمل، وإلا صار الفن والأدب مجرد عبث.