منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
مقالات

كاربينو يكتب….الجنرال حميدتي في 24ديسمبر مواقف صنعت التغيير

*في مثل هذا اليوم من اللحظات التاريخية التي ستظل خالدة في ذاكرة المشهد السياسي وربما ستكون محطة بحث ودراسات في معهد مراكز الدراسات السياسية لأن أحداثه كانت غير متوقعة حتى عند أساطين الساسة فالثورة في هذا اليوم كانت في مفترق طرق وأن الهزه للحراك الثوري كانت في أشد مراحلها وأقصد بذلك أن الثورة قد جمعت كل طاقاتها وحشدت أنصارها ورمت بثقلها نحو التغيير فكان الميدان هو الشارع وكان السلاح هو السلمية وأن أي تراجع في هذه اللحظة ستكون نكبة وإخفاق وضياع لتضحيات عظيمة فالقائد حميدتي هو الركن الأخير الذي كان يرى الثوار بأن أي موقف منه سيحدد نتائج هذه الثورة لان المؤسسات الأخرى في تركيباتها وما جرى عليها من عملية بناء في قيادتها طيلة فترة حكم الانقاذ كان أيضاً هاجس يدفع للريبة ولكن كان لابد من اللجوء الى الجنرال حميدتي فالملايين التي كانت تهتف حرية سلام وعدالة كانت حناجر صدعت وهزت أعمدة البناء للمؤسّسة العسكرية فهنا بدأ التململ داخل الجيش وكان لابد لقيادة الجيش أن يكون لها موقف وطنياً ولو للحظة وهم يعلمون بأنه من الصعب تحييد الجنرال حميدتي عن موقفه الوطني الذي صرح به من قاعدة طيبة العسكرية عند دخول قوات الدعم السريع للخرطوم في 24 ديسمبر 2018م. حيث أكد أن مهامه تقتصر لحماية مؤسسات الدولة وحماية المدنيين وعدم قمع المظاهرات وان هناك أزمة إقتصادية وفساد من قبل نافذين في الدولة مما يجب على رأس النظام حسم اتباعه وأنه من المؤسف ان لا يجد المواطن امواله التي وضعها في البنك.*
*ولكن الأحداث المتسارعة أحدثت إرتباك واضح في كل مؤسسات النظام العسكرية والسياسية وأن كل الأحداث كانت تشير إلى حتمية التغيير فبدأ التفكير يدور حول تغيير يحفظ للنظام الخروج بأقل الخسائر والعودة في أقصر وقت ولكن وجود قوة عسكرية كانت تمتلك من العتاد والعدة ما يجعلها طرف واجب إستشارته وأن أي موقف تتخذه هذه القوة سيكون هو الصانع الحقيقي للمشهد العسكري في التغيير فبعد خطاب طيبة الذي يحمل رسالة حمالة أوجه حيث فهمها الرئيس آنذاك بأن الرجل ليس راض عن الخطوات التي وضعها النظام في معالجة الأزمة الإقتصادية وأن رفضه هذا قد يسبب تصدع خطير داخل المنظومة الأمنية وفحواها للثوار بأنه قادر على الإلتفاف على كل من يقف ضد تطلعات الشعب فهذا الموقف في تلك اللحظة كان خطير على الجنرال حميدتي اولاً وعلى البلاد ثانياً لسبب أن النظام ما زال في الحكم ولم يسلم عتاده وأن بمقدوره الإستمرار ولو بسياسة الأرض المحروقة وهم الذين اقصد النظام يعرفون هذا الرجل جيداً وأن موقفه نابع من روح الثورة وأنه مستعد للدخول في أي مغامرة من أجل الدفاع عن إرادة هذا الشعب وبعد تحليل إستراتيجي سريع لكبار النظام علموا بأن أي صدام مع هذا الرجل ستكون عواقبه وخيمة وخصوصاً وأن السواد الأعظم من الشعب سيقف معه وما يترتب عليه ليس إعتقال رموز النظام فحسب بل ستكون كل السيناريوهات محتملة ومجهولة على كل مؤسساته وأشكاله وكانوا موفقين حينما أتخذوا هذا القرار لأن الرجل القادم من صحاري دارفور وادغالها لن يتردد لحظة بعد تحديد موقفه التاريخي وتكاتفه مع الشعب ولكن هذا الموقف عند النظام المعزول لن يمر مرور الكرام ولابد من السعي لتوجيه ضربة قاضية لهذا الرجل على المدى القصير او المتوسط ولكن إرادة الله وحكمته القاضية بإنتهاء فترة النظام جعلت كل مخالبهم عاجزة عن إصطياده فوجهوا كل مؤامراتهم لتكبيل الدولة وجعل الفترة الانتقالية محفوفة بالمخاطر والمتاعب.*
*ولكن المصير المشترك والاحداث المتعاقبة جعلت هذا الخصم إضعافه خطراً على البلاد وقوته المطلقة خطراً على طموح النظام في العودة فما أغرب هذه الأحداث وأعجب هذه الأقدار وما هو السر الذي يحمله القدر لهذا الرجل ولهذه البلاد وهو يسير بإرادة وقناعات جعلت التغيير ممكن.*
*والصراعات السياسية وطبيعة الاحداث التي برزت ما بعد التغيير من ملفات أمنية واقتصادية وفرص تحقيق السلام فخاض حوار مع القوى المسلحة في جوبا أفضت الى سلام وهذا السلام جعله الضامن الوحيد له في ظل تردد المكون المدني وفقدانه لأي أرضية تمكنه من ضمان أي اتفاق سياسي لهذا الموقف جعل الرجل خصمائه في ميدان النزال العسكري بالأمس هم شركائه اليوم ويربطهم مصير مشترك معه بينما كان آخرون غارقون في كيفية القضاء عليه او تحجيم دوره وأضعاف نفوذه والشارع كان متطلع إلى حلول سياسية سريعة تفضي الى تحقيق مطالب الثورة ونتيجة هذه التباينات والتغلبات جعل من الرجل واقع لابد من التعامل معه وأن إقصائه من القرار بات غير محتمل، والمتابع للمشهد يجد تحالفات تتشكل بطريقة سريعة وتختفي بصورة اسرع والتنظيمات السياسية كانت تنظر للرجل بأنه لا يمتلك تاريخ او نضال ضد النظام السابق وهو الان يمتطي صهوة التغيير جعلهم يطالبون تارة بدمجه وتارة بوصفه الضامن للانتقال كل هذا يثبت لنا شيئ واحد بأن الجنرال معادلة صعبة صنعته صدامات غير متوقعة فالكل كان معتكف في محرابة ينتظر الفرصة للإنقضاض عليه بطريقة تحفظ له عدم اي ارتداد معاكس وهذا ما لا يحدث ولا اظن في المستقبل القريب.*
*فالرجل على الرغم من درايته بأن الجميع حريص على إقصائه إلا أنه ظل يردد بضرورة الوفاق وهذا لا يعجب الكثيرين لأن اي اتفاق في مفهوم خصومه لا يعيد صياغة الدولة السودانية وفق الغطرسة التقليدية التي عانت منها البلاد لعقود اقعدت البلاد كثيراً واضعفت مسيرة تنميته ومزقت نسيجه الاجتماعي ولكن الجنرال يمتلك من القوى والعلاقات الداخلية والخارجية ما سيجعل التغيير ممكن ولكن إقناع النخب المتعطشة للسلطة قد يجعل هذا الميدان أمامه أشد واعنف من ميادين المدافع والنيران، ولكن مع وضع صعوبة إعادة انتاج الدولة بشكلها السابق بمفهومها النمطي منذ الاستقلال ، تشير كل المعطيات الى صعوبته واستحالته فالاتفاق الان هو الأنسب والأسهل إذا كانت هناك أذن صاغية او البديل الشتات وإنسداد الأفق والتمترس حول صغار القضايا قد يضيع اخر فرصة لبناء وبلورة الدولة العدالة الإجتماعية.*
*بقلم:-محمود مجدي موسى الجدي*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى