منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
مقالات

هويدا عثمان تكتب : اصحاح البيئة السياسية

اعجبني جدا واثار شهيتي للكتابةحديث رئيس اللجنة السياسية لجماعة أنصار السنة محمد أبوزيد مصطفى عن أنهم في اللجنة السياسية يمتلكون برنامجاً لتحسين بيئة العمل السياسي مشيراً إلى أن البيئة السياسية السودانية ، بها تلوثات موروثة، تتطلب حملة اصحاح شاملة، تتعلق بالخطاب والسلوك والممارسة فالخيارات والتعبير عنها يفتقر في كثير منه الي المصداقية وتعمد الي إحراق المنافس، وافساد ذات البين السياسي ،كما أن الممارسة يغلب عليها الانتقام والتشفي وتصفية الحسابات الشخصية والحزبية، وتقديم المصالح الضيقة علي حساب استحقاقات الوطن الجامع ، وأن التعامل مع العلاقات الخارجية به اضطراباً يحكي غبش الرؤيا وعمي النظرة الاستراتيجية ، موضحا أن الأيام القادمة ستكشف عن رؤي المبادرة لتسهم في عملية الاصحاح للبيئة السياسية حتي ، تتجاوز بلادنا إدمان الفشل السياسي الذي لازمها منذ الاستقلال داعيا الجميع للمساهمة في هذا المشروع القومي ، حديث أكثر من رائع حيث تضيع الدول حينما تطغى المصالح الشخصية على المصلحة العامة ، هذا معيار ثابت، معني بانحراف الأهداف وتحولها لأهداف مفصلة على قياس أشخاص، تحقيقها لا يؤثر إلا بالسلب على البلد، لأنه في المقابل لا تتحقق على العموم، وعليه تكون أهدافاً فئوية شخصية حزبية ضيقة إلى آخرها من تصنيفات ، لدينا مفاهيم ضائعة، نوردها كشعارات وكمحسنات لفظية فقط تستخدم في عناوين وصلب الأخبار والتصريحات، لكننا لا نؤمن بها، والدليل أن الأفعال لا تواكب الأقوال، بل هي تثبت العكس كلمة المصلحة العامة» يكاد كل وزير ومسؤول وغيرهم ممن يعدون في مصافهم من أصحاب مسؤوليات قد كرروها في تصريحاتهم وأقوالهم مئات المرات. لكن هل كان إيرادها يأتي بنتيجة؟ بل هل كان يستتبع هذا القول عمل يثبت بأن مطلقيها ومستخدميها بالفعل يسعون لتحقيق المصلحة العامة؟! المصلحة العامة أصبحت (كحلاوة قطن) أن أرادوا تقوية مواقفهم والدفاع عن استراتيجاتهم وطرائق عملهم قالوا مصلحة عامة، وإن أرادوا الدفاع عن أنفسهم أمام أي انتقاد اعتبروا النقد تطاولاً على المصلحة العامة وسعياً لضربها ، مثلما تمت المزايدة على الوطن بالوطنية من قبل كثيرين وكأن من ينتقد الفعل الخاطئ هو ضد هذه المصلحة، وكأن من يشير لمواقع الخلل هو ضد المصلحة العامة، وكأن من يريد تصحيح المعوج هو ضد المصلحة العامة ، هؤلاء للأسف هم من يضربون المصلحة العامة في مقتل، حينما يفصلونها بحسب قياسهم، وحينما يعتبرون أن عملهم هو المصلحة العامة بعينها، وأنهم هم عرابو هذه المصلحة، وهم الأوصياء عليها، بينما أفعالهم وتصرفاتهم كلها معنية بالمصلحة الخاصة، والمكاسب المرحلية، وما تحققه اليوم لتضمن به يوم غد ، يكفي لعباً في مقدرات البلد بذريعة المصلحة العامة. يكفي تعطيلاً لكثير من الأمور بذريعة المصلحة العامة. يكفي تغاضياً وتجاوزاً عن المخطئين للبلد بتنوع الأخطاء والتجاوزات بذريعة المصلحة العامة.
تحقيق المصلحة العامة للبلد يأتي عن طريق التجرد من الذات، عن طريق تقديم مصلحة البلد وأهله على المصالح الخاصة. والأهم تأتي من واقع قناعة بأن المصلحة العامة هي أساس كل شيء، ومن لا يعمل لأجلها لا يستحق حتى أن يوردها على لسانه ويدعي أنه يقاتل لأجلها ، كفوا الأذى عن هذا البلد وأهله باستغلال هذه الشعارات، استغلالاً بشعاً بأسلوب «كلمة حق يراد بها باطل ، تمتلئ ساحتنا الوطنية بكثير من الكلام، ولدينا الآن قدرة فائقة على انتقاد أي شيء، وربما كل شيء، صغر أو كبر، لقد أصبحت حياتنا اليومية مشبعة بالهموم والشكوك، وحالة التذمر بلغت حدا يبعث على القلق، والسلبية تكاد تطغى على كل حديث يدور في المناسبات الخاصة و العامة، حتى تراجعت الروح الإيجابية بصورة لم يسبق لها مثيل! ، الكلام يملأ الساحة، وبعضه إن لم يكن جلّه بلا فائدة، ذلك أنه من نوع التعبير غير المنظم ضمن إطار واضح محدد يستند إلى حقائق ثابتة، ويتجه نحو هدف متفق عليه، رغم أنه نابع في معظمه من حرص، وربما وطنية صادقة، غير أن ذلك السيل العارم من المشاعر والانطباعات وردود الأفعال لا يصب في مكان محدد، كي يشكل رأيا عاما قادرا على التعبير عن المصالح العليا للدولة ومواطنيها ومستقبل أجيالها ، عندما تحدثنا من قبل عن ضرورة العمل على تهيئة بيئة سياسية مناسبة من خلال الأحزاب وغيرها، مما يحقق مبدأ توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار؛ لم يعر كثيرون أي اهتمام لتوجه من هذا النوع، وظنوا أنه مجرد كلام نظري غير قابل للتطبيق على أرض الواقع، وفي الحقيقة أن الغاية كانت وما تزال تكمن في تنظيم الحياة السياسية، والحزبية، والبرلمانية، بحيث تتكون حواضن منظمة للأفكار والتوجهات والآراء السياسية، ويصبح للكلام أهمية وفائدة في تشكيل وبناء موقف وطني إيجابي ، الإيجابي هنا لا يعني تجميل الصورة ولا غض النظر عن الأخطاء أو المخاطر، وإنما التعبير السليم عن الانتماء للوطن ومساندته القوية في مواجهة التحديات والضغوط التي يتعرض لها، والتقييم الموضوعي للأداء العام، وانتقاده بشكل صارم إذا لزم الأمر، وتقويمه عن طريق التشريعات، والقوانين، والرقابة، والحوكمة، وذلك هو الفارق الكبير بين الكلام – بمعنى التعبير عن الآراء – عندما يكون عشوائيا مزاجيا بعيدا عن الواقع، وبين أن يكون منظما هادفا، وفق لغة سياسية تليق ببلد يزخر تاريخه السياسي بالأحداث، والتطورات، والتجارب القاسية والمفيدة ، وتستقيم مع مفاهيم الدولة القوية الصامدة في وجه الأزمات، والقادرة على مواصلة برامجها الإصلاحية في المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإدارية، وغيرها ، مرة أخرى نحن بحاجة إلى بيئة سياسية تعيد تنظيم موقفنا من قضايا بلدنا الداخلية والخارجية، وبعضها يتطلب درجات عالية من الفهم والوعي والتحليل .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى