تتجه أنظار كافة المهتمين بكرة القدم العالمية نحو الحدث الكبير الذي تستضيفه دولة قطر (بطولة كأس العالم للعام 2022م)، من واقع ما يمر به العالم من ظروف بالغة التعقيد، في نسخة مغايرة تماماً لكافة البطولات السابقة بكل الاعتبارات، عطفا على المخاوف من حرب كونية بعد مواجهات روسيا وأوكرانيا، لماذا لم يشر شعار (اللوقو) لكأس العالم للسلام والمحبة بدولة قطر لهذا العام؟ بما أن الرياضة في العرف تسمى دبلوماسية الشعوب، هل بالإمكان أن يمهد كأس العالم للسلام العالمي، باعتبار أن منطقة الشرق الأوسط من أكثر البؤر المشتعلة فيها الصراعات والحروب الطاحنة، ألا يمكن أن تكون البطولة في حد ذاتها فرصة للشعوب العربية للوحدة والسلام؟
*ترويحه عالمية:*
أقر الأستاذ يوسف ريحان رئيس المعهد الأفريقي للسلام والتنمية بحدوث تحولات كبيرة على نطاق واسع من العالم، وداخل الحدود القطرية، معتبرا أن ذلك التغير ليس في الاتجاه الايجابي، البعض منها بأيدينا، والبعض الآخر خارج عن إرادتنا، كالمتغيرات المناخية وغيرها، قائلا دعونا بأن لا نفسد فرحة العالم كله والمنطقة العربية بهذا المهرجان الكروي العالمي الضخم نسوق في الاتجاه الإيجابي بعيدا عن الأزمات التي فشلت الجهود في احتوائها، مؤكدا أن كأس العالم الذي تنظمه دولة قطر سيساهم بشكل أو بآخر في إحداث تهدئة وترويحة عالمية يمكن لها أن توفر ظروف نفسية أفضل تقود إلى إحداث السلام والاستقرار الذي افتقدته كثير من دول العالم.
*عجز الدبلوماسية:*
قال ريحان بالتأكيد سيساهم كأس العالم في تجاوز كونه مهرجان رياضي ضخم إلى نواحي أخرى سياحية ثقافية وتفاعلية بين الشعوب من مختلف أنحاء العالم، مضيفا بأن هذه البطولة ستسري فيها الروح الرياضية التي يتبادلها اللاعبون فيما بينهم وستبرز حالات متعددة تعبر عن السلام والمحبة والتنافس الشريف، مبينا أن أهم ما يميزها سيشهد هذه البطولة حضور كبير سواء ميدانيا أو بالمشاهدة من خلف الشاشات، سياسيون وقادة وزعماء دول وسيلحظون الفرق بين سهولة وتلقائية تواصل الشعوب فيما بينهما، رغم الفوارق الظاهرة وبين عجزهم كممثلين للشعوب في تجاوز الأزمات، فضلا عن إنتاجها في الأساس، هنأ دولة قطر الشقيقة بهذا الإنجاز الضخم والإبهار الكبير الذي سهرت عليه وأخرجته وفقا لما خطط له، مشيرا إلى أن هذه تظاهرة كروية عالمية مميزة جعلت هذا التلاقي بين الشعوب رسالة ورمز للسلام والمحبة، ورأى أن دولة قطر يمكن أن تصنع بالدبلوماسية الشعبية الكروية ما عجزت عنه الدبلوماسية الرسمية.
*الفرص والتحدي:*
أكد ريحان أن الأزمات التي تحيط بالعالم بغض النظر عن شكلها ونوعها، لكنها تهدد السلام والاستقرار العالمي، وأردف قائلا: إن منطقة الشرق الأوسط من البؤر الأكثر توترا، ولعل كأس العالم فرصة مواتية ليرسل رسالة للعالم الذي يضج بالحروب، ويكثر فيه القتل والتدمير، بأن الخطر الحقيقي الذي يواجههم هو الموت والمرض والجوع، ودعا إلى ضرورة أن ترسل هذه البطولة رسالة واضحة مفادها أن يكون العالم ساحة لحياة أفضل فيها الأمل والحب والاستعداد للتعايش السلمي بين الجميع، مستطردا بقوله: لا شك أن التحدي لإقامة كأس العالم في دولة قطر الشقيقة المستحيل الذي تحول إلى واقع بإرادتهم القوية، وأياديهم المباركة، تتمتع بالحكمة لتقود الأمة العربية والإسلامية إلى مستقبل جديد بلحمة قوية وأيادي متماسكة متوحدة .
*شهر البطولة:*
أكد البروفيسور أحمد عبد الدايم محمد حسين أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة القاهرة والمحلل السياسي في العلاقات الدولية أن تصميم شعار بطولة كأس العالم بدولة قطر تم منذ فترة قبل نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، مضيفا أن هذه البطولة بمثابة دعوة موجهة من قبل رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بأن يكون شهر البطولة شهر للسلام، قائلا إنه على هذا الأساس يمكننا أن نقول بأن هذا الرجل غير مسيس ولا يعنيه إلا إنجاح رأس البطولات العالمية الممثلة في كأس العالم، مشيرا إلى أن تصاعد وتيرة الحرب الروسية الأوكرانية بالصفعة التي وجهتها روسيا لقمة العشرين، وقتلها لأكثر من (1400) جندي، وتدميرها من المعدات والآلات، بجانب اتهام بولندا لها بانتهاك مجالها الجوي، مشيرا إلى أن هذا سيجعل العالم ينتصب على قدميه خشية تطور الأمور في تحول الأحداث إلى حرب عالمية ثالثة قادمة.
*القوى الناعمة:*
قال عبد الدايم بالتأكيد إن الرياضة تمثل إحدى القوى الناعمة الأساسية في حياة الشعوب، باعتبار أن كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى، وتمثل الأداة الرئيسة للدبلوماسية الشعبية، وأردف بقوله: على مدار كأس العالم تلتقي الشعوب حول كرة القدم، الكل يصوب نظره إلى الشاشات داخل الاستادات الرياضية والكافيهات ليستمتع بمشاهدة نجوم كرة القدم، وتابع بالقول أتوقع لكأس العالم بقطر هذه المرة أن يلعب دورا هاما في خلق بيئة مواتية للدعوة للسلام، وحشد الأطراف المتنازعة في شتى دول العالم لإسكات صوت البنادق، وإخماد الرصاص.
*الشكل المؤقت:*
أوضح عبد الدايم أنه بطبيعة الحال ستستفيد منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي من هذا الحدث الرياضي العالمي بشكل كبير في كيفية التعريف بالمنطقة وشعوبها وثقافاتها وتراثها، مضيفا أن العائد الاقتصادي ليس مقتصرا على دولة قطر، بقدر ما أن الفنادق بقطر لن تستطع تحمل الكم الهائل من المشجعين من كل دول العالم، مستطردا بقوله: إن مصر ودول الخليج سيكونوا أول المستفيدين من هذا الحدث الرياضي العالمي، مؤكدا أن هناك فرصة كبيرة لاستغلال هذا الحدث في إحداث سلام في المناطق المشتعلة سواء في (العراق، اليمن، سوريا، فلسطين، لبنان، تهدئة الوضع في دول الخليج وإيران) حتى ولو بشكل مؤقت لإنجاح البطولة وإعطائها الزخم المطلوب، مرجحا ربما يتحول هذا الشكل المؤقت إلى سلام واستقرار يعم المنطقة إذا أحسنت المفاوضات بين الأطراف المتنازعة في تلك الدول، مبينا أنه إذا تم استغلال فترة كأس العالم في البناء والجلوس والتفاوض لتحول الأمر إلى سلام استراتيجي.
*حملة شرسة:*
اعترف المحلل السياسي في العلاقات الدولية د.محمد اليمني أن العالم يمر بظروف صعبة للغاية، والحرب الروسية الأوكرانية غيرت مفاهيم النظام الدولي، ولها تأثير كبير على اقتصادات الدول سواء الغربية، أو العربية، فضلا عن أزمة الطاقة التي تعتبر من أشد الأزمات في هذا التوقيت، إضافة إلى أزمة الغذاء والحبوب، مبينا أن إقامة كأس العالم بدولة قطر شرف لكل عربي مسلم بإقامة مثل هذا الحدث على أرض عربية مسلمة، مؤكدا أن قطر منذ البداية قابلت حملة شرسة ضدها وهي واقفة بكل قوة وصلابة بوجه هذه الحملات لوحدها.
*تحديات الحدث:*
قال اليمني إن قطر ستبهر العالم أجمع بخصوص كأس العالم من خلال التنظيم الجيد وعلى أعلى المستويات، معتبرا أن لعبة كرة القدم تجمع الشعوب وهي في حد ذاتها لغة لتلك الشعوب، مشيرا إلى أنه بالرغم من ذلك ستظل المشاكل هي هي لن تتغير المشاكل ولن تحلها كرة القدم أو أي حدث مثل كأس العالم، مؤكدا أن الرياضة تعتبر دبلوماسية الشعوب ولكن المتابع الجيد للسياسية الدولية الإقليمية، يرى أن الأمر أصعب من تجمع مثل هذا يلقي بظلاله على الحرب الروسية الأوكرانية ، أو حتى الأزمة العراقية، أو الأزمة السودانية، أو السورية، أو الليبية.