منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
مقالات

د. يوسف الناير يكتب : تفكير القلوب

تمر الدولة السودانية منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا بحالة من الارتباك السياسي بشأن القضايا الأساسية التي تنظم عملية الحكم في ضوء التنوع الذي يتمتع به السودان وتوظيفه بصورة إيجابية لمعالجة الأصول الدستورية والهياكل التنظيمية وفق المكون السكاني وطبيعة الجغرافية وذلك لوضع دستور للبلاد بما يضمن الحقوق العامة والخاصة . وظلت الدولة السودانية خلال عمرها الطويل تحاول أن تتجاوز التحديات التي فرضت عليها محليا واقليميا ودوليا ولم تفلح الحكومات المدنية والعسكرية التي تعاقبت أن تكسر القيود الاستعمارية الفكرية حيث ظلت تلك الحكومات ترهن قرارها السياسي للمحاور الدولية بمتابعة اقليمية الأمر الذي حول الأنظار عن الأهداف والغايات الوطنية المصيرية التي توحد الشعب وتفجر طاقاته بصورة إيجابية ، وقد كرست تلك الحكومات جهودها في تقسيم الثروة والسلطة دون أن تضع منهجا واضحا للتقسيم فوجدت نفسها في وجه عاصفة الصراعات الداخلية هنا وهناك ففقدت التركيز ، ولو انها كرست جهودها في عمل دراسات واستطلاعات علمية بشأن مكونات الدولة السودانية لتمكنت من إيجاد دستور للبلاد حيث إن مهمة الدستور الأساسية تحديد كيفية الحكم ونظام إدارة الدولة ، رئاسي أم برلماني ورسم خريطة لتقسيم الولايات والمجالس التشريعية وكيفية تمثيل تلك المجموعات السكانية في ضوء المعايير التي يحددها الدستور ، وتعتبر قضايا التنوع اللغوي والديني والثقافي من الموضوعات التي تثير الخلافات بين المشرعيين ومن التحديات العظيمة التي لم تحسم في كل البلدان في العالم إلا بواسطة الدستور ، لذا يلاحظ أن المجتمعات والدول التي اهتمت بمعالجة هذه المسائل في الدستور تعافت من التوترات والازمات والصراعات الداخلية ، كما يلاحظ أن المجتمعات والدول التي تعدت على تلك الحقوق تخلفت عن ركب الأمم والشعوب المتقدمة ولاتزال تبحث عن نفسها بسبب عجزها في توظيف امكاناتها المتاحة لمعالجة تلك القضايا الأساسية التي توفر العدالة في مجالات الحياة كافة ، والسودان يأتي في مقدمة تلك المجتمعات الأمم والشعوب التي أعيتها تلك الصراعات والمشاكل بسبب الأنانية وحب الذات والتفكير الغريزي الذي كان القاسم المشترك لكل الحكومات التي تعاقبت في الحكم منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا لاهتمامها بمن يحكم وليس كيف يحكم السودان . فالحكمة تقتضي حسم موضوع الدستور بشكل نهائي ومعلوم أن وضع الدستور يتطلب وجود مؤسسات تشريعية لتولي تلك المهمة ، والمتابع للمشهد السياسي الآن يلاحظ أن العراك الذي يدور بين التكتلات السياسية والحزبية للأسف يتم حول كرسي السلطة وهو ما يؤكد أن مدخل هؤلاء للحكم هو المغنم ، ومثل هذا التفكير يضاعف من صب الزيت على النار ويعمق الخلافات بين السودانيين، فقضية الدستور أولوية وليس من حق أي مجموعة أو كتلة سياسية فرض واقع بعينه على المشرع الأساسي وهو الشعب وإنما على الكتل التي تتصارع حول كرسي السلطة أن تدرك أن مهمتها الأساسية أن توفر مناخا سياسيا صالحا يفضي إلى انتخابات وذلك لتشكيل مؤسسات الدولة للعمل لبناء الأصول الدستورية والهياكل التنظيمية بما يحقق الاستقرار .

دكتور/ يوسف محمد علي الناير
الثلاثاء ٢٢٠٢/١١/٨م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى