منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
مقالات

البرهان رسائل وتحذيرات مهمة من قاعدة حطاب بروفيسور صلاح محمد إبراهيم

اختار الفريق عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة ورئيس المجلس السيادي الانتقالي قاعدة حطاب للعمليات العسكرية بعناية لها دلالات مهمة لتوجيه رسائل لكل القوى السياسية المدنية المتصارعة التي اهدرت اكثر من ثلاثة سنوات في ما اسميته من قبل (اوكازيون المبادرات ) ، لم يرسل البرهان رسائله من القصر الجمهوري، أو من القيادة العامة ، ولكنه ارسله من منطقة العمليات لذلك دلالة المكان لها أهميتها .
قال للقوى المدنية اجلسوا على ورقة بيضاء واتفقوا للخروج بالبلاد من ازمتها الخانقة والمواقف المتحجرة المتصلبة العدمية التي لا طائل أو جدوى منها سوى إضاعة الزمن ، مكان الرسالة يجب أن يؤخذ على محمل الجد ولا اعتقد أنه اختيار تم بطريقة عشوائية، وهو بلغة العسكريين بيان يعبر عن الاستعداد للعمل والفعل إذا لم يتحرك الأخرون ، فالقائد العام للقوات المسلحة عندما يحاطب جنوده في مسرح العمليات يعني تفقد الجاهزية وهي في أوقات السلم كما هو الان في السودان يقصد بها أن القوات المسلحة لن تترك البلاد تنزلق إلى منطقة الخطر ومغامرات السياسيين ، واعتقد أنها رسالة أخيرة من سلطة الأمر الواقع ولابد للقوى السياسية المدنية أن تخرج من حالة الدوران داخل بعض الشعارات المعلبة مثل إعادة الهيكلة والافلات من العقاب والانقلاب ودستور فلان وعلان ومبادرات بكل عنوان وغيرها ، كما أن على بعض القوى السياسية أن تخرج من ترديد مقولة الانقلاب التي تجاوزتها الاحداث وتسببت في مزيد من الانقسامات خاصة أن هناك من قال داخل حزب الأمة وهو قاطرة القوى الممانعة من قوى الحرية والتغيير أن الانقلاب قد انتهى بعودة حمدوك بعد الاتفاق الذي تم بعد قرارات 25 أكتوبر.
يمكن تلخيص خطاب قاعدة حطاب للعمليات العسكرية أن القوات المسلحة لن تسمح بانهيار الدولة ، والتحذير من التدخل في شئونها وعدم التشكيك في ولائها للوطن، وبعدها عن التحزب السياسي وتأكيد أنها مؤسسة قومية وتتعامل مع القوى السياسية بحيادية، ونصيحة للحركة الإسلامية أن تمنح فرصة لغيرها في الحكم.
بعض الفاعلين السياسيين الحاليين يريدون أن يحددوا مستقبل السودان لمئات السنين دون تفويض ، وكل يدعي أنه يمثل الشعب وهو تمثيل مختلف حوله خاصة بعد أن غابت بعض القوة السياسية لعشرات السنوات من المسرح السياسي وظهرت أجيال جديدة لا يمكن قياس نبضها فقط من الشارع . سبق أن كتبت أن على القوى السياسية الحالية أن لا تظن أنها سوف تكتب نهاية التاريخ السياسي للسودان ، فذلك أمر اكبر من قدرات القوى السياسية الحالية وخبرتها ، فهم لن يكتبوا اخر دستور في تاريخ السودان ، ولن يكتبوا اخر قانون للانتخابات في السودان، قدرات القوى السياسية الحالية محدودة بقدر الترتيب فقط لفترة الانتقال ، وهي فترة لا تتطلب اجتهادات كثيرة وكان ينبغي أن تنحصر في معالجة التحضير للانتخابات وتصريف اعمال الحكومة لفترة سنة أن عامين، وعلى من يتحدثون عن التغيير الجذري أن يتذكروا أن جورباتشوف عندما طبق سياسة الجلوسونست ,والبريسترويكا وإعادة البناء لم يعيد هيكلة قوات الدولة الشيوعية وكذلك فعل دينج شياو بنج في الصين عندما طبق سياسة السوق وأعاد هيكلة السياسة الخارجية للصين والانفتاح على العالم.
الخطاب يمثل رسالة لكل القوى المدنية المتصارعة في الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي تتصارع اجنحته العديد حتى داخل البيت، والحركات المسلحة التي ظهرت بينها الخلافات ، وتجمع المهنيين المنقسم على نفسه، والحزب الشيوعي الذي يعيش بأفكار ثورة 1917 في روسيا ( التغيير الجذري) ، وفي ظل هذه الأوضاع السياسية المظلمة غير المسؤولة ، البعض يعلن أن على المكون العسكري أن يحدد تاريخ للخروج من القصر الجمهوري أو يضع المفتاح تحت السجادة ويغادر، ومن المؤكد أن من يقولون ذلك لا يقصدون ذلك بالضبط ولكنه تعبير عن ضيق الناس بما يجري من سيناريوهات اهدار الوقت والأفق السياسي المسدود والتحالفات التي تتغير وتتبدل مع كل صباح، تسليم مفاتيح الدولة عملية معقدة وتشتمل على ملفات سياسية واقتصادية وأمنية وعلاقات دولية متعددة ، لابد أن تتم عملية الانتقال أو عملية التسليم والتسلم بطريقة منظمة وهو نظام متعارف عليها، وفي مقدمتها تحديد الجهة أو الشخص الذي انتقلت اليه المسؤولية ، وهو ما لم تفعله القوى السياسية .
خطاب قاعدة حطاب العسكرية معناه أن القوات المسلحة كاملة الاستعداد بطريقة عملية من مسرح العمليات للتعامل مع الوضع الراهن حتى لا تتوقف عجلة الدولة عن الدوران، وقال البرهان أن الشعب السوداني لا يستحق أن يظل بدون حكومة لمدة ثلاثة سنوات ، ويعني ذلك أن عملية تسليم وتسلم يجب أن تتم بصورة منظمة لحكومة تمضي بالبلاد إلى الأمام على وجه السرعة، وهي عملية تأخرت كثيراً منذ أن اعلن المكون العسكري في 4 يوليو 2022، الخروج من العملية السياسية وتسليم الحكم للمدنيين ، وظل المكون العسكري يبحث عن المدني أو المدنيين الذين يتسلمون السلطة ، وكان هناك خيارات إما أن يعين المكون العسكري من يتسلم السلطة ، بالتعيين من جانبه في حالة عدم وجود تفويض وفي ظل حالة الانقسام السياسي الحادثة ، أو أن يكون لدي المدنيين شخص متفق عليه لاستلام السلطة كما حدث في عام 1985، بعد الانتفاضة حيث تم بسرعة اختيار الدكتور الجزولي دفع الله رئيساً للوزراء، حدث ذلك لأنه كان هناك جيل من المهنيين والسياسيين عركتهم الأيام والخبرة والتدرج في العمل السياسي والنقابي وهو ما افتقدته الفترة الحالية ، وكلن من نتائج ضعف الخبرة بعد ثورة ديسمبر 2018، الخروج بوثيقة سمية دستورية كثيرة العيوب ولم تصمد طويلاً بسبب عدم التوازن في قسمة السلطة خلال المرحلة الانتقالية التي كان يجب أن تكون توافقية دون تشاكس أو خلافات سياسية أو حزبية، لقد رتب العسكريين انفسهم ووفقوا أوضاعهم بسرعة واختاروا من يمثلهم ، وعندما حدث اختلاف بينهم كانت مغادرة بعضم بطريقة منظمة واحترام متبادل، في جانب المدنيين كان من المفروض أن تتم معالجة الخلافات بعد اتفاقية جوبا في أكتوبر 2020، بطريقة تستوعب رغبات القادمين الجدد الذين طالبو بتوسيع المشاركة داخل الحكومة وذلك لم يحدث ، ودخلت البلاد في نفق الخلافات التي انتهت بصدور قرارات 25 أكتوبر.
اليوم بعد خطاب قاعدة حطاب نحن امام رسالة يجب أن لا نتعامل معها بالاستخفاف الذي درجت عليه بعض القوى السياسية، والاعتقاد أن الرسائل التي تأتي من الخارج سوف تؤثر على أي قرار يتطلبه الموقف عندما يتم تهديد الأمن القومي للسودان بسبب صراعات داخلية عدمية، وعلى القوى السياسية كما ذكرت من قبل أن نظرية المجال الحيوي تفرض على السياسيين السودانيين أن يعيدوا قراءة الجغرافيا السياسية لمنطقة القرن والشمال الأفريقي، حنى يدركوا خطورة المخاطر والتبعات التي يمكن أن يتسبب فيها جر السودان إلى حالة الفوضى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى