جرأة قلم دارالسلام علي ولكنه المعلم سيدي الوزير
منذ أكثر من شهر ولجنة المعلمين السودانيين أعلنت إضرابها بالعاصمة والولايات مطالبة بتحسين الأجور. ورفعت اللجنة عبر وقفاتها الاحتجاجية المتكررة أمام مجلس الوزراء ومكاتب التعليم بالولايات، لافتات تطالب بضرورة رفع الحد الأدنى للأجور وتنفيذ قرار مجلس الوزراء المتمثل في تطبيق المعاش بالمثل، وتنفيذ الهيكل الموحد للأجور، وتعديل العلاوات ذات القيمة الثابتة بما يتماشى مع الوضع الاقتصادي الحالي.
واشترطت اللجنة في أحد بياناتها أن يشمل التعديل كل العاملين بالتعليم العام وفقاً لشروط خدمة كل فئة، وكذلك الالتزام الفوري بدفع استحقاقات المعلمين وكافة البدلات التي وصفتها في بيان سابق لها.
وبالرغم من الوضع الاقتصادي المتردي والحاجة الطاحنة التي تزداد وتيرتها كل يوم، يعمل المعلمون في بلادي في ظروف سيئة وبيئات مدرسية غير مهيئة وغير مكتملة، يعملون بكل جد ومثابرة فقط لأداء رسالتهم السامية، ولكن في كل الحقب المتعاقبة ظل المعلم آخر ما يُهتم به، ولا يجازى الإحسان بالإحسان كما يقولون، فهنا تختلف المقولة بأن يجازى الأحسان بالخذلان.
نعم، في كل مرة يعين فيها وزير جديد للتربية والتعليم يظل المعلم يحلم بإنصافه وتقديره والتعليم، ولكن للأسف بعد فترة قصيرة من تعيين الوزير ينكشف الستار ويخذل المعلم بأن لا أحد يهتم لأمره (تخيل)!
أذكر أنني كنت قد أتحدث مع أحد معلمي بلادي وكنت قد هنأته بتكليف وزير من وسطهم أي أنه كان أستاذاً وقلت له (بختكم أخيراً جابو ليكم زول منكم وفيكم وح يشعر بيكم ويحل مشاكلكم).. وقمت كذلك بمباركة الزيادة التي بشرها بهم وزير التربية والتعليم المكلف محمود سر الختم الحوري، إلا إنني تفاجأت بابتسامة عابسة وهو يرد لي قائلاً (انتي عارفة الزيادة كم يا أستاذة) وذكر لي أن أعلى زيادة لاتتجاوز العشرة آلاف جنيه مع العلم أن الزيادة ليست في المرتب الأساسي بل تم إضافتها في العلاوات، ولك أن تتخيلي أن بعض المعلمين رواتبهم (12) ألف جنيه فقط، وهذه خطوة لا تبشر بأن من يدير الأمر حريص على استقرار العام الدراسي ولا على المصلحة العامة لهذه المؤسسة التربوية والتعليمية، فمرتب المعلم لا يسمن ولا يغني عن جوع (والله جد)!
منذ فترة كشفت لجنة المعلمين السودانيين عن جدولها التصعيدي الذي احتوى على وقفات احتجاجية ومواكب وإضراب عن العمل، من المؤسف جداً أن يصل حال التعليم إلى هذا الحد، وكيف لوزارة أن توصل المعلم لحد أن يضرب عن أداء واجبه وتوصيل رسالته، فالعلم أمانة عظيمة تحملها المعلم لذلك يجب أن يوضع المعلم في الخانة الأولى من اهتمامات وأولويات الدولة، فبالتعليم وحده تبنى الأمم والأجيال فلا وجود لأي وزارة أو دولة
كاملة دون تعليم، لذلك لا بد أن يعظم المعلم، كيف لا وقد كاد أن يكون رسولا وهو فعلا رسول التعليم.
نعم، لا أحد يستطيع إهانة المعلم أو التعليم لأنه رسول أقرت به المجتمعات والأمم، ولكن أن يصل الأمر لإضراب مما يعني “طفح الكيل وفات الصبر حده”.
كان الأفضل لوزير التربية والتعليم أن يدافع عن أبناء قبيلته قبل أن يصبح وزيراً عليهم واقتلاع حقوقهم واحترامها وأن يجعل أولى أولويات وزارته أهمية التعليم في التنمية وبناء الأجيال لا أن (يتراقص) في كل المحافل جاهلاً ما جاء لأمره (والله جد)!
من المؤسف جداً أن يصل الحال بالمعلم لدرجة الخروج من حصته للمطالبة بزيادة الأجور وانشغال باله بدلاً من التركيز في غرس زرع تنفع ثماره البلد، كيف لك يا وزير التربية والتعليم أن تغض الطرف عنهم لدرجة الوقوف لساعات طويلة محتجين أمام مجلس الوزراء ومكاتب التعليم بدلاً من الوقوف في طابور صباحي بحرم المدرسة يمنح البعض قوة الجماعة ويستمد آخرون طاقة الإبداع والتميز ويبني شخصيات قادرة على العطاء علماً وتميزاً ونوراً لمستقبل واعد، فالمعلم يجب أن يكرم ويحمل على أكف الراحة، ألا يكفي تعبه في أداء واجبه وهو يتحمل عبء جيل كامل ومشقة رسالته في تخريج أجيال لمستقبل أفضل.
أنا حريصة على استقرار العملية التعليمية ولكن في ظل تجاهل أمر التعليم ليس هنالك خيار آخر ، لذلك أنا مع المعلم في تمسكه بكل المطالب التي تضمنتها مذكرة الأجور ومعهم في مواصلة الضغط والتصعيد، لأنه المعلم ولأننا يجب أن نقف مع من علمنا حرفاً وأن نكون له خُداما.
فحتى مطالبه مطالب معلم ورسول فعلاً، فقد احترم فيها حق الزيادة العادلة بكل تهذيب دون أي أطماع. طالبت المذكرة برفع الأجر الأساسي من (١٢) ألفاً إلى (٦١) ألفاً، ورفع طبيعة العمل من (٥٠℅) إلى (٧٠℅)، ورفع أعباء الرسوم والجبايات الباهظة عن كاهل أولياء أمور الطلاب، وعودة العملية التعليمية لمسارها الصحيح بتوفير الحد الأدنى لمرتب حد الكفاف للمعلم، وترقية وتطوير المهنة بتوفير كل الوسائل والأدوات المعينة على العملية التعليمية وإصحاح البيئة الصحية والتربوية الجيدة التي تساعد على التحصيل العلمي والمعرفي للطلاب، فليس هناك تقدم للأمم إلا بالتعليم.
جرأة أخيرة
إنه المعلم سيدي الوزير !
#جرأة_قلم