منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
التقارير

(السوشيال ميديا).. من يخفي ويضلِّل المحُتوى الثوري؟ وزير الاتصالات والتحوُّل الرقمي المكلف عادل حسن محمد الحسين ينفي أي علاقة لوزارته وهيئة الإتصالات بأي إجراءات تجاه صفحات متعلقة بلجان المقاومة

الخرطوم _ بهاء الدين عيسي

منذ اندلاع ثورة ديسمبر 2018م، حاول كثيرون التصدي لها بشتى الطرق، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي أحد أساليب هذا التصدي، حيث فُصل الإنترنت بعد فض اعتصام القيادة العامة مباشرة، ومن ثم عاد للعمل وعادت معه حسابات مزيَّفة أسهمت في إطلاق الإشاعات ونشر الأخبار المضلِّلة لتحقيق أجندة سياسية وأمنية محدَّدة. وأصبحت مصدر تهديد أمني واجتماعي كبير.
وفي العام 2021م، كشفت حكومة رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك وقتها عن 3 آلاف حساب مزيف، تنشط في بث الأخبار المغرضة، رجح مسؤولون وقتها تورط جهات مناوئة للحكومة الحالية لتنفيذ أجندتها، خصوصاً أن التحوُّل الذي يشهده السودان في ذلك لقي مواجهة من أنصار نظام المعزول عمر البشير وعدد من القوى الإقليمية التي ساهمت في انقلاب 25 أكتوبر 2021م .

في دراسة حديثه تحصلت “التيار” عليها أجراها خبير محتوى يقول في 28 فبراير 2022م، لاحظَ مستخدمو الإنترنت في السودان أن بعض منشورات لجانِ المقاومة في أحياء شتّى قد اختفت من الخط الزمني لصفحاتهم على فيسبوك.
وتُشكل لجان المقاومة ركنَاً أساسياً لثورة ديسمبر 2018م وتُعتبر منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك أمرًا في غاية الأهمية لعملها التنظيمي. خمَّن بعض المستخدمين أن اختفاء المنشورات هو نتيجةُ هجوم إلكتروني من روسيا أو من الشركة الكندية “ديكنز آند ماديسون”’ التي سبق أن وكّلتها الحكومة السودانية في مهام شبيهة بذلك. إلا أن بعض التحليلات الدقيقة تُظهر أن الهجوم قد صدر على الأغلب من دولة جارة للسودان التي تبدي اهتمامًا عميقًا في السياسة الداخلية للأخيرة.
المقاومة الشعبية
ولجان المقاومة لعبت دوراً حاسمًا في تسيير المظاهرات. وتُعتبر هذه اللجان مركز المقاومة في ظل ولادتها، خلال حكم نظام الديكتاتور المعزول عمر البشير، نشأت اللجان في بيئة غير ديموقراطية، ومع ذلك استطاعت المحافظة على ديموقراطيتها داخليًا دون بنية تراتبية من خلال التزامها بانتخاب المسؤولين ديموقراطيًا.
وتواجه الجماعات الداعمة للديموقراطية في السودان سلوكات تضليلية موجهة (CIB) على فيسبوك وتويتر من قبل جماعات محلية مثل الإخوان المسلمون، ومن النظام المخلوع وشبكات خارجية من روسيا وإحدى الدول العربية الداعمة للعسكر.
وبحسب الدراسة فإن السلوكيات التضليلية الموجهة تتمثل في عمل مجموعة من الصفحات أو الناس معًا بهدف تضليل الأشخاص عن هويتهم وطبيعة عملهم وتهدف هذه الهجمات بشكل رئيس للتأثير بالرأي العام عبر نشر معلومات مضلِّلة، لكن الهجوم الأخير كان هدفه تغيير خوارزمية “آخر الأخبار” لإخفاء معلومات عن الخط الزمني لمستخدم فيسبوك.
المستخدمون والمشاهير
وتضيف الدراسة التي حققت حول القضية :”هنا يصعب تحديد طبيعة التداخل من خارجِ فيسبوك”، لكن هنالك أنماطٌ تسهُل ملاحظتها. أولًا، بدأت صفحات جديدة يتابعها ما بين المليون لخمسة عشر مليون حسابٍ، غير مرتبطةٍ بالمؤثرين أو المشاهير بالظهور على صفحة آخر الأخبار للمستخدمين السودانيين في فبراير عام 2022م. إجمالًا، تركز هذه الصفحات على تهييج الخوالج الدينية والعاطفية، الأمر الذي يزيد من أعداد التفاعلات على منشوراتهم.
وحسب الدراسة التي تحصلت (التيار) على نسخة منها يستغل أصحاب هذه الصفحات ميزةَ فيسبوك الجديدة التي تسمح للصفحات بالاندماج وعندما تندمج صفحتان أو أكثر، ينتقل متابعو هذه الصفحات لصفحة جديدة، ويجد المستخدمون أنفسهم متابعين لصفحة لم يشتركوا بها من قبل.
بعد دمج الصفحات بهذه الطريقة، يتابع أصحابها مجموعة من متابعيهم، ويتفاعلون مع منشوراتهم بالإيجاب أو السلب وبالتالي يؤثرون بظهور صفحاتهم للآخرين. كما بيّن “فرانسز هوجين” مؤخرًا، تُثقّل مختلف التفاعلات على شريط تفاعلات فيسبوك بشكل مختلف، ومن خلال التفاعل سلبًا أو التصويت بعدم التأييد على منشورات شخص ما، تضمن الحسابات الكبيرة بشكل أساسي ألا يراه أحد. فعليًّا، تشكل هذه الإجراءات حجبًا يسكت منشورات لجان المقاومة دون معرفتهم.
وتشير الأدلة الأولية بحسب الدراسة إلى أن حسابات لجان المقاومة على فيسبوك قد استهدفت بهذه الطريقة واختفت العديد منها من صفحة آخر الأخبار لعدة أيام حتى تصدى المستخدمون السودانيون للأمر من خلال البحث عن صفحات لجان المقاومة ومشاركة محتوياتها على الرغم من الحجب.
الصفحات المشاركة
وتستعرض الدراسة أمثلة عن بعض الصفحات المشاركة في هذه السلوك:
يُدعى صاحب المجموعة محمد رمضان، رقم حسابه (100005090072733)، وحسابه أصلي ونشط منذ يناير عام 2013م. يقول حساب محمد، إنه من أسيوط (مدينة مصرية). بعض منشوراته عن محمد أبو تريكة ومحمد صلاح –أشهر اللاعبين المصريين– ومعظم المنشورات باللهجة المصرية
يشير هذا التحليل إلى أن هذا الهجوم المخطط في 16 يناير عام 2022م. تظهر الحسابات أن موقعها في مصر على الرغم من إمكانية استخدامها لشبكات خاصة افتراضية (في بي إن) ونشرها المنشورات من مكان مختلف. لكن الحكومة المصرية لها بالفعل أسبابها التي تجعلها مضادة للجان المقاومة السودانية، ذلك لأن اللجان دعت وقتها لإضراب على طول الطريق القاري بين مصر والسودان مطالبين بتوزيع محلي للموارد المنقولة عبر الطريق. كما تدعم مصر الانقلاب العسكري في السودان والذي رفضته لجان المقاومة منذ 25 أكتوبر 2021م.
وتقول الدراسة لن يكون غريبًا على الحكومة المصرية التدخل في الفضاء الرقمي السوداني. في يونيو عام 2019م، أشادت حملة قادتها شركة مصرية بالحكم العسكري عقب احتجاجات قتل خلالها أكثر من مئة مواطن سوداني أثناء مطالبتهم بحكومة مدنية. قادت الحملة شركةٌ يملكها ضابط سابق في الجيش المصري، واستهدفت فيسبوك وتويتر وإنستغرام وتيلغرام عبر كتابة محتوى مناصر للعسكر.
تم حذف هذه الصفحات قبل أشهر، وليس من الواضح ما إذا كانت فيسبوك حذفتها أو تم حذفها من قبل أصحاب الصفحات أنفسهم. تُظهر لقطة الشاشة أدناه المحتويات المحذوفة من ملف “المنشورات المحفوظة” في فيسبوك.
إجراءات صارمة
زادت شركة ميتا مؤخرًا من الإجراءات الصارمة ضد السلوكات التضليلية الموجهة وقد يكون هذا مثالًا على ذلك، لكن من أجل حماية لجان المقاومة بشكل أكبر، يدّعي أعضاء ميتا أن تأكيد اللجان لصفحاتهم من شأنه أن يساعد أركان الثورة السودانية هذه من هجمات مماثلة في المستقبل.
من جهته نفى وزير الاتصالات والتحوُّل الرقمي المكلف عادل حسن محمد الحسين علاقة وزارته بأي إجراءات تجاه صفحات متعلقة بلجان المقاومة أو أي محتوى ثوري يبث على منصات التواصل الاجتماعي .
ويقول الوزير في أفادة لـ(التيار) إن وزارة الاتصالات وهيئة الاتصالات بريئتان متناولاً دورهما الفني ونوه إلى أن أي إجراءات تجاه صفحات أو محتوى من إختصاص نيابة المعلوماتية وفقاً للقانون .
بينما يعتقد الصحفي الإلكتروني مصعب شريف أن شركات تدخل عبر ثغرات في المنصات أو المواقع سوأ كان وسائل تواصل اجتماعي أو مواقع إلكترونية كذلك بعض الدول مثل جمهورية مصر ألغت الاتصال عبر خدمات الواتساب عند استخدام شرائح البيانات.
ويتابع: “هناك جهات وشركات عالمية تعمل في مجال التهكير والأنظمة الإلكترونية تسخدم أجهزة تقوم بالتشويش على تغطيات النقل المباشر والمحتوى الثوري بحيث أنها تتمكن من الوصول للمستخدمين. ومن خلال تعرُّض المواقع التي أشرف عليها قدَّمنا بلاغات لفيسبوك ولكن لا استجابة .”
أخبار المواكب
ويقول المحامي والناشط السياسي معتز الجعلي، في حديث أدلى به لـ (التيار) إن لجان المقاومة بدأت تعتمد على واتساب في نقل أخبار المصابين والمواكب لأن انتشار أخبار المواكب على فيسبوك أصبح محدوداً أو تم تحديده بالأحرى من قبل جهات محددة، مشيراً إلى أن صفحات ناظم سراج وعدد من المشهورين على وسائل التواصل الاجتماعي تتعرَّض لهجوم سيبراني خطير ما تسبب في قلة التفاعل مع المحتوى الثوري.
ويشدِّد الجعلي إلى أن أي جهة ليس من حقها أن تحجب من أي إنسان أي معلومة لأن حق تلقي المعلومات والأخبار هو أحد حقوق الإنسان وأحد الحقوق الدستورية. ويضيف معتز إنه لا يدري المتورطين في هذا الهجوم بالتحديد ولكنه يرجح أن يكون العسكريون أو فيسبوك أو جهات أخرى لديها المصلحة في تعطيل محتوى الثورة السودانية.
ويشير المحامي والناشط السياسي إلى أن هناك جهات أنشأت صفحات كبيرة بها ملايين المتابعين بمحتوى ديني وثقافي لسحب البساط عن أخبار الثورة السودانية وشغل الشعب السوداني عن المحتوى الثوري، لافتاً إلى أن هذه الجهات قامت بتغيير ضبط خوارزمية فيسبوك لعرض محتوى ثوري أقل.
أما عن الفرضية الثانية فيقول معتز إن فيسبوك من الممكن أن تكون قد باعت ضبط خوارزميتها لهذه الجهات وقامت بدورها بتعديلها.
شل الثورة
ويتابع معتز: إن تلك الاستراتيجية نجحت في شل المحتوى الثوري على وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصاً فيسبوك باعتباره وسيلة التواصل الأولى في السودان. ولاستقصاء مدى تأثير تلك الاستراتيجية قام معتز بإجراء استبيان شمل أكثر من (1600) مستخدم من السودان كلهم أكدوا اختفاء المحتوى الثوري عن صفحاتهم الرئيسة “التايم لاين”.
استيلاء على حسابات
ويضيف معتز الجعلي، إن الصفحات التي مُسحت لن ترجع ثانية ضارباً مثالاً بصفحة “وصف لي” والتي يتابعها أكثر من(300) ألف، متابع. وتحوَّلت الصفحة منذ العام 2019م إلى نشر المحتوى الثوري ولكن مديروها فوجئوا بحذف فيسبوك للصفحة.
ويضيف :”قناة أخرى على تليغرام لاقت نفس المصير فبعد أن أنشأ شباب قناتهم على تليغرام في العام 2019م وظلوا ينشرون فيها كل فعاليات ثورة ديسمبر منذ العام 2019م، اشترتها منهم منظمة بغرض التوثيق لأحداث الثورة، ولكن الأخيرة حذفت كل المحتوى الثوري في القناة بعد شرائها لها بأيام دون إبداء أية أسباب”.
ويرى الجعلي أن الحل الوحيد هو أن يبحث المستخدمون عن الصفحات باستخدام محرِّك بحث فيسبوك ومن ثم الدخول عليها والتعليق على صفحات المحتوى الثوري بـ”لايك” و”شير” لإعادة ضبط خوارزمية فيسبوك.
تجاهل روسي
في إطار استجلاء الحقائق من كافة الجهات ذات الصلة خاطبت (التيار) السفارة الروسية في السودان ووزارة الخارجية مرات عدة عبر إيميلها الرسمي كما اتصلت بها هاتفياً ولكن محاولاتها باءت بالفشل للتحقق من الأمر.
فيسبوك هو الآخر خاطبته (التيار) مرات عديدة إلا أن الأخير لم يرد على طلبات التعليق التي تقدَّمت بها الصحيفة بشأن أسباب اختفاء المحتوى الثوري من ملايين المستخدمين في السودان.
ويقول الأمين العام للمركز السوداني للتربية الإعلامية والمعلوماتية، والمدرب المعتمد من اليونسكو لمكافحة الأخبار المضلِّلة والتحقق من المعلومات محمد المختار محمد: إن هناك شبكات تضليل داخلية وخارجية وذلك موجود -أيضاً- في التقارير الدورية التي تصدرها منصة (فيسبوك )، ويتم ذلك عبر شبكات ضخمة من الصفحات والحسابات ومن خلال فقاعات الترشيح وغرف الصدى، أي أن يجد المستخدم نفسه محصوراً في إطار ضيِّق لا يمكنه من الوصول لأفكار أو معلومات جديدة أي أنك لن تصل لك أفكار سياسية واجتماعية وإنسانية متعلقة بالحراك الثوري بمعنى أنك تكون محصوراً في “فقاعة “من صنع الشبكات المضللة، فالمعلومات والأخبار التي تظهر لك على فيسسبوك هي أشياء قام أصدقاؤك بمشاركتها والأخبار التي تظهر لك هي التي قمت بالإعجاب بها. ويضيف مدرب اليونسكو في هذا تكون قمت بتحديد مصادر معلوماتك حصراً من هذه المصادر وحتى الإعلانات التي تظهر لك فهي تتعلق بأشياء قمت بالبحث عنها أو لها ارتباطات بمنطقتك الجغرافية ، ومن خلال هذه الأشياء يتضح الشبكات لديها إمكانيات كبيرة ويضيف محدثي:” للخروج من الفقاعة وغرف الصدى يتطلب ذلك عمل إعجابات للصفحات المختلفة غير التي تظهر لك بصورة يومية ولا ينحصر في الإطار اليومي”.
/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى