منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
التقارير

تأثير القبيلة على الممارسة السياسية بالسودان

تقرير: عبد القادر جاز

ما زلنا نمارس القبلية في زمان تجاوز فيه الكثيرون النظم القبلية والعشائرية، علما بأنها لا تتناسب مع طبيعة التنوع الثقافي السائد في المجتمعات السودانية، ما الحكم المحتمل مستقبلا لهذه الظاهرة بالسودان ؟ …
الملاحظ أن السودانيين يجيدون إتقان كتابة الاتفاقيات والقوانين بأفضل العبارات، لكنهم لا يجيدون التطبيق على أرض الواقع، أترى أن ذلك عائد إلى نمطية تفكيرهم الذاتي بعيدا عن محيطهم الخارجي، أم أن مرد ذلك لدوافع أخرى نتيجة لتنامي هذه الظاهرة خصما على الدولة السودانية؟
*الأنماط القبلية:*
قال د.أمين إسماعيل مجذوب خبير إدارة التفاوض بمركز الدراسات القومية: كل النخب السودانية متأثرة بالنمط القبلي والإثني والعرقي مما انعكس سلبا على الشخصية السياسية، موضحا أنه منذ الاستقلال تتم مارسة العمل السياسي بنهج غربي تخطيطا
والتحدي التنفيذ على أرض الواقع، وأكد على ضرورة الفصل ما بين المخطط والمنفذ لأي فكرة أو قضية وفقا لما هو مطلوب لكلا الطرفين، معتبرا أن هذه واحدة من إشكاليات النخب السودانية وهي التنفيذ وفقا للرؤية الشخصية، وعدم قدرتها الخروج من هذا النفق، منوها أنه الكل ينظر إلى القبيلة والعشيرة بعيدا عن المصلحة العامة، والأجندة الخارجية تسيطر على مواقفهم مقابل الرعاية والحضانة والدعم، معتبرا أن هذه واحدة من الإشكاليات وعلى سبيل المثال: كل ما اتفق عليه في الفترة الانتقالية لم يتم تنفيذه على أرض الواقع.
*عجز الخطاب والهلاك:*
أشار د.أمين إلى أن الاهتمام بالعشيرة أو الطائفة الدينية مرده إلى عدم القدرة على إنتاج خطاب نخبوي سياسي يخاطب أذهان وعقول الجماهير، وأقر بعجز الساسة عن إنتاج خطاب نهضوي أو برنامج تنموي، بالمقابل التوجه إلى الخطاب العاطفي القبلي، يرى أن ذلك انطبق على الفترة الانتقالية بكل المقاييس باعتبار أن كل طرف أتجه إلى طائفة دينية، أو إدارة أهلية، لمحاولة تقوية صفوفه ومجموعته أو حزبه، ووصف هذا بالكارثة التي حلت بالساحة السياسية السودانية التي لا تقوم على مبدأ الديمقراطية التي ننشدها، وتقود إلى معارضة بناءة وراشدة مساندة للقضايا الوطنية، وأردف بقوله: إن مسالة حريق كل الدروب والأوراق إلا أنا، وهذا يأتي عبر الطائفية، والإدارات الأهلية، والنظام القبلي ما سيورد السودان مورد الهلاك.
*المضمون والخلل:*
أكد الأستاذ عمر أبو علي الطاهر رئيس حزب المؤتمر السوداني بولاية البحر الأحمر أنه في الحقيقة أن الاتفاقيات في بعض الأحيان بها خلل من حيث مضمونها لمعالجة محتوى لأي قضية من القضايا المطروحة، قائلا إن أي اتفاق، أو قاعدة قانونية لابد من أن يراعى فيها السياق ما بين المحتوى والمضمون لمخاطبة أبعاد القضية، مرجحا أن أسباب عدم تنفيذ الاتفاق عدم تطرقه لأبعاد الأزمة، ويشوبه القصور ما سيقود إلى اختراقه من القائمين عليه بعد توقيعه، مؤكدا أن معالجة مثل هذه القضية بالضرورة تتم عبر مخاطبة جذور الأزمة عبر دراسة عميقة مبنية على أسس علمية، واستصحاب أكبر قدر من آراء الشعب خاصة في اتفاق السلام، وأقر أن ذلك قد بُين في بعض الاتفاقيات التي أبرمت وافتقرت وفقا للتفكير الذاتي، ولن تخضع للتداول واستصحاب الرأي الأخر على سبيل المثال: مسار شرق السودان، الذي لم يتم تقييمه من حيث النتائج المتوقعة سواء كانت إيجابيا أو سلبيا، مبينا أن هذه المسألة ستقود إلى معالجة أوجه القصور.
*الإقحام القبلي:*
أكد أبو علي أن من دوافع تجاوز القضايا التي اتفق حولها هو الدافع الذاتي والشجون الضيقة التي تلبي طموحات أشخاص في السلطة والثروة، والسعي لخلق مركز قوى بطريقة غير مشروعة، مضيفا بأن المتتبع للسياسة السودانية منذ الاستقلال يلاحظ تعاقب أنظمة متعددة، وحقب ديمقراطية وأخرى عسكرية هذا الواقع لن يقوم على دستور دائم يلبي طموحات الشعب السوداني تحقيقا للعدالة والمساواة والحكم الراشد، مشيرا إلى أن نتيجة ذلك ظهرت حركات رفض واسعة وثورات على امتداد التاريخ السياسي السوداني، نتيجة طبيعية للرجوع إلى القبيلة وإقحامها في الشأن السياسي، مضيفا إن لجأوا الحركات المناهضة لسياسات المركز للقبيلة بسبب غياب الرؤية والحلول وقصور الأفق السياسي الذي جعل الرجوع للقبيلة أمر حتمي وضروري في الساحة السودانية، مؤكدا أن إقحام القبائل في الشأن السياسي أصبح أمرا غير طبيعي وهذا يضر بالسودان وسيقود إلى خلق فوارق اجتماعية بين مكونات الشعب السوداني، ومهدد للوحدة والسلام والديمقراطية والعدالة والمساواة، ودعا كافة المكونات السياسية أن تعدل من هذا السلوك وأن تمارس العمل السياسي من منطلق سياسي وصراع فكري بعيدا عن القبلية والعنف في هذه المرحلة.
*التكتلات المحورية:*
قال الأستاذ المحامي عبد الحميد عمر إبراهيم أستاذ القانون بجامعة القضارف إن الحكومات المتعاقبة والدكتاتوريات السياسية منذ حقبة الاستقلال ساهمت بشكل كبير في عقلية المواطن السوداني وإلمامه بالتطبيقات السياسية التي عكست اهتمامهم بالبحث عن صيغة دستورية تخرجهم من الإشكاليات السياسية المتكررة والمتشابهة لحد ما في تاريخ السودان الحديث، موضحا أن الظروف السياسية التي أبرمت فيها الاتفاقيات غير مناسبة من حيث المناخ الداخلي والخارجي، مع وجود تكتلات سياسية محورية على مستوى القارة الإفريقية والوطن العربي، كل على حسب مصالحه الاستراتيجية، مبينا أنه وفقا لهذه المؤشرات التي قادت إلى عدم تطبيق الاتفاقيات وانزالها على الواقع.
*الغطاء والحماية:*
أوضح عبد الحميد أن هنالك مسألة تاريخية متعلقة بالإدارة الأهلية وتكوينها إبان فترة الاستعمار مع توسع نفوذها ولم يكن لها أي تأثير قوي وسط الجغرافية السودانية الضخمة، مشيرا في هذا الخصوص إلى أن هناك قبائل ذات تأثير أكبر ووجدت الرعاية والاهتمام من المستعمر، وامتيازات دون غيرها، وعلى النقيض لاحقا شكلت دورا كبيرا في المجال الاقتصادي والأكاديمي، منوها أن أخطر ما يهدد السودان هرولة الساسة لتشكيل حواضن سياسية قبلية لتقوية نفوذ القبائل، وعلى سبيل المثال ما يجري في شرق السودان، ودارفور ليست ببعيدة عن ذلك، مرجحا أن الساسة قد ساروا على نظرية المستعمر المبنية على سياسة فرق تسد، بغطاء وحماية قبلية بحتة.
*التحجيم والإبعاد:*
أقر عبد الحميد أن القبلية واحدة من الأسباب التي أدت إلى حدوث الأزمات السياسية والاقتصادية لما انطوت عليه من جهل وفقر ونزاع مع الأخر، في الوقت الراهن لا تتناسب مع بشكلها الحالي مع ثقافة القرن الواحد والعشرون، وشدد على ضرورة تحجيم دورها وإبعادها من الساحة السياسية حتى يتعافى السودان من هذه الأزمة الطاحنة، ودعا إلى ضرورة أن تلعب القبيلة دورا فاعلا في توحيد السودانوية التي نادى بها الراحل د.جون قرنق دي مابيور بقوله: “إنه يجب علينا أن نعتز بسودانيتنا دون القبيلة ” ويحضرني قوله صلى الله عليه وسلم:(الناس سواسية كأسنان المشط) ومن هذا المنطلق لا فرق ولا مزايا لحد دون الأخر، قائلا هذا ما ظللنا نادي به ومازلنا لأنه أساس الحقوق والواجبات وصولا إلى دولة القانون والمؤسسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى