منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
التقارير

معاوية السقا يكتب الاغنية الوطنية : الضل الوقف ماذاد

لعبت الاغنية الوطنية دورا مهما في تاريخ السودان وارتبطت بالنضال الوطني ضد المستعمر وكانت خير معين في غرز القيم الوطنية في نفس الانسان السوداني والاغنية الوطنية مرت بمراحل عديدة فرضتها المعطيات السياسية ومجريات الاحداث فكان للشعراء والمغنيين كلمتهم في كل مايدور في المسرح السياسي انطلاقا من روح الانتماء للوطن .
عودة الي الوراء
واذا ماعدنا الي الوراء وتوقفنا في مسيرة الاغنية الوطنية التي ارتبطت بجيل الرواد نجد ان هنالك محفزات عديدة الهمت الشعراء ليسطروا اروع ماعندهم للغناء للوطن وتحديدا في حقبة المستعمر فقد انتج شعراء هذ الحقبة ادبا رصينا منافحا للمستعمر البغيض وحاسا الناس للارتباط والتمسك بضرورة ان يخرج هذا المستعمر وقد مثل خليل فرح الذي لجاء الي الدلالات الرمزية في مفرداته راس الرمح في منافحة المستعمر عبر الكلمة والنغم والاغنية الوطنية في تلك الحقبة ارتبطت بالطبقة المستنيرة والافندية من الشعراء فكلما ارتفع وعي الشاعر كبرت همومه اتجاه قضايا الانسان ووعي الفنان والشاعر خليل فرح جعله ان يكون قريبا من نبض الشارع الذي كان يطالب بالصوت العالي بخروج المستعمر .
اختلاف طرق المعالجة
في حقبة الخمسينيات وصلت الاغنية الوطنية زروتها لارتفاع الوعي وسط الشعراء فمثل ذلك بئية خصبة لانتاج المزيد من الاعمال التي تشابهت في مضامينها وان اختلفت طرق المعالجة كل شاعر بحسب رؤيته واسلوبه وبحسب رؤية الباحثين والمؤرخين لتاريخ الاغنية الوطنية لاسيما معاوية حسن ياسين ان بزوخ نجم الاغنية الوطنية بداء مع انطلاقة ثورة 1924 عندما كتب الشاعر عمر البنا قصيدته الشهيرة التي تحرض علي خروج المستعمر مخاطبا فيها الشباب لينتفضوا ضد الانجليز
الغيرة وين يا مسلمين
ما فيش مغيث ما فيش ضمين
أين العبيد حاج الأمين
ود عبد اللطيف الهمام
حمل اللواء قاد الزمام
ببلادنا ناهض للأمام
فكانت هذه القصيدة محفزا لرسلائه من الشعراء ليلتقط القفاظ الشاعر محمد ود الرضي لينظم قصيدة الطير الرحل والتي يوثق من خلالها للحظة خروج الجيش المصري عقب اندلاع ثورة 1924ي السياق ذاته نظم الشاعر محمد ود الرضي إثر اندلاع ثورة 1924م ومغادرة الجيش المصري للسودان وإبان معركة كررى ظهرت خلال تلك الفترة أغنية تمتدح أنصار الإمام المهدي وبطولاتهم
المدفع هدر وفي كرري الضحى
حاشا ما جروا أنصار الإمام مثلهم ندر
دلالات رمزية
ابان حقبة المطالبة بحق تقرير المصير اختلفت صيغ الغناء الوطني ورؤية الشعراء في كيفية التناول فتحول من المباشرة والمفردة المصادمة المحرضة الي رؤية تحمل الكثير من الدلالات الرمزية واستخدام هذه الدلالات هي حيلة نفسية للهروب من بطش المستعمر فالمدارس الرمزية تولدت نتيجة للهروب من المواجهة لان المفردة تحمل الكثير من الدلالات التي تفسر باكثر من معني وفي هذا الاطار برزت اغنية قائد الاسطول للشاعر سيد عبد العزيز التي كان لها مفعول السحر في تحريك وتحريض الشاعر وفي ذات الحقبة واصل الشاعر عمر البنا مسيرته في كتابة الاغنية الوطنية فكانت اغنية لانهض ياشباب التي جمعته بالفنان كرومة غير ان كلمة السر في تلك الحقبة كان للشاعر والفنان خليل فرح الذي اسس لمدرسة خاصة ارتبطت بالغناء للوطن وتميز خليل فرح نبع من كونه فنان مثقف وواعي بابعاد رسالته الفنية اتجاه وطنه فكانت عزة في هواك عزه نحنا الجبال احدي ايقونات الغناء الوطني والقاعدة التي ارتكزت عليها مضامين الغناء
غير ان المؤرخون للغناء الوطني يرون ان اول اغنية يمكن ايطلق عليها صفة وطنية وارتبطت بالحداثة هي نشيد صه ياكنار الذي كتبه الصاغ محمود ابو بكر لتستمر مسيرة الاغنية الوطنية حالة الاستنارة ويصل صوت الكلمة مداه مع مؤتمر الخريجين ليطل علي السطح صوت الشاعر ( عبد الله بشير) بقصيدة رددها معه كل الشعب بعد ان تغني بها الفنان حسن خليفة الأتبراوي يا غريب بلدك يلا لبلدك
سوق معاك ولدك ولملم عددك
انتهت مددك
وعلم السودان يكفى لكفنك
هذه الاغنية كانت بمثابة دوافع حركت الرغبة المشتعلة في نفوس الشعب واوصلته مراحل متقدمة من التعبئة ليشعر الانجليز بخطورة الوضع فكانت ردة فعله بان زج الاتبراوي في السجن محاولة منه لقمع واسكات كل الاصوات المنافحة
سياسة القمع التي مارسها الانجليز لم تثني العطبراوي عن اهدافه لم يكتف بذلك النشيد، بل غنى مجموعة قصائد وطنية شهيرة منها، (لن أحيد)، للشاعر محي الدين فارس والتي يقول أحد أبياتها
أنا لست رعديداً يكبل خطوه ثقلُ الحديد
كما غنى (أنا سوداني) للشاعر محمد عثمان عبد الرحيم، وأمة الأمجاد ويا وطني الحبيب يا أول وآخر، للطيب حسن الطيب ماقدمه العطبراوي من اعمال وطنية كان دافعا لمعظم الشعراء المستنيرين لسلك هذا الطريق ليبرز شاعر في قامة عبيد عبد النور ويكتب واحدة من عيون الغناء الوطني كانت بمثابة الشرارة الاولي التي الهبت حماس الشعراء للمناداة بخروج المستعمر فكانت رائعته
يا أم ضفاير قودي الرسن
واهتفى فليحيا الوطن
وجاء من بعده الشاعر يوسف مصطفى التني بقصيدته في الفؤاد ترعاه العناية بين ضلوعي الوطن العزيز وشارك السياسي خضر حمد بنظم نشيد المؤتمر للعلا للعلا وابعثوا مجدنا الآفلاك واطلبوا لعلاه المزيد للعلا
وكان الشاعر محمد عوض الكريم القرشى من اوائل الشعراء الذين تغنوا للوطن الذين ساندوا قضية الكفاح الوطني، وعندما سمع أثناء زيارة قام بها لمدينة أم روابة بالغاء المعاهدة المصرية الإنجليزية نظم انشودته الوطنية
وطن الجدود نفديك بالأرواح نجود والتي رفض مدير الاذاعة انذاك متولي عيد اذاعتها خوفا من غضبة البريطانيين الا ان تدخل البروفسور عبد الله الطيب واقناعه لمدير الاذاعة ان هذا اللون من الغناء مطلوب في هذه المرحلة لزعزعة المستعمر .
اليوم نرفع راية استقلالنا
في اليوم الأول من يناير 1956م قدم المطرب عبد العزيز محمد داؤود نشيداً للشاعر مبارك المغربي يصور احتفال الشعب بتحرره من الاستعمار،
قم ترى الشعب الفتيا
يملأ الأرض دويا
هاتفاً للمجد هيا نعتلي هام الثريا
كما قدم الفنان سيد خليفة أغنية (يا وطني يابلد أحبابي) ولعل من أشهر هذه الأناشيد التي صيغت معبرة عن فرحة استقلال الوطن ونيله لحريته مانظمه الشاعر عبد الواحد عبد الله، وتغنى به وردي (اليوم نرفع راية استقلالنا)
نخلص من كل ذلك ان الاغنية الوطنية منذ العشرينيات الي نيل السودان لاستقلاله ارتبطت بروح الكفاح والنضال ضد المستعمر واختصرت مضامينها علي تعبئة الشعب والمناداة بالحرية وقد استخدم الشعراء اساليب شتي لطرح قضية يؤمن بها الجميع وتقرر مصير شعب باكمله لذا كان صوت الكلمة داويا هز عرش المستعمر بدليل المضايقات وسياسة البطش التي اتبعها المستعمر لاسكات صوت المبدعين غير ان معظم الشعراء والمغنيين كان دافعهم اكبر وواصلوا مسيرتهم في النضال عبر الكلمة والنغم وكانوا مؤثرين الي حد بعيد لذا خلدت اغنياتهم الي يومنا هذا للانها خرج من واقع مواقف مبدئه صوروا من خلالها احساس ومطالب الشعب .
بعد هذه الحقبة بكل تميزها ظهر جيل جديد عاصرعهود مختلفه في توجهاتها السياسية فكانت حقبة عبود ارض خصبه لظهور لون جديد من الغناء الوطني طراءت عليه الحداثة للمتغيرات الكبيرة التي طراءت علي المجتمع السوداني فسياسات الفريق عبود القمعية كانت خير محفز للكثير من الشعراء ليدلوا بدلوهم ويعبروا عن رفضهم التام لهذه السياسات التي بداءت بمصادرة الحريات الصحفية وتكميم الافواه الي ان انتفض الشعب فكانت ثورة اكتوبر المجيد التي انتجت ادبا رصيدا ظل خالدا سطع من خلاله نجم الفنان محمد وردي والعملاق محمد الامين وغيرهم من الفنانيين والشعراء امثال هاشم صديق وفضل الله محمد ومحمد المكي ابراهيم والفيتوري الذين تباروا في الثوثيق لاحداث هذه الثورة .
فكانت اكتوبر هي الملهم الحقيقي لمعظم الاغنيات الوطنية التي لازالت موجودة الي الان وبعد فترة التحول الديمقراطي انخفض صوت الاغنية الوطنية غير انه عاد لاكثر قوة مع انقلاب نميري باعتبار ان معظم الفنانيين والشعراء يرفضون تماما الانظمة الشمولية وكان بطل هذه الاغنيات الشاعر محجوب شريف .
من المفارغات الغريبة في هذه الحقبة هنالك من ايد حكم نميري وانحاز لنظامه ومحجوب شريف نفسه في ثنائيته مع الفنان محمد وردي ايدا نظام نميري عبر اغنية
ياحارسنا ويافارسنا
قبل ان يقلبا له ظهر المجن وتتحول الاغنية من حارسنا
لا حارسنا ولافارسنا
يالقفلت مدارسنا
راكب هنتر وعامل عنتر
وقد ظهرت هذه الاغنية عقب انقلاب هاشم العطا في حلقة استضاف يها الاذاعي القدير ذنون بشري وردي ومحجوب شريف ليعود نميري الي السلطة وزج بثلاثتهم في سجن كوبر واضيف لهم الفنان محمد الامين
وقد واصل اربعته مسيرة النضال ضد النميري من داخل سجن كوبر فكتب الشاعر محجوب شريف عشرات الاغنيات التي تنتقد نظام نميري وتقلل من شانه ابرزها مساجينك
مساجينك مساجينك
نغرد في زنازينك عصافيرا
مجرحة بي سكاكينك
نغني ونحن في اسرك
وترجف وانت في قصرك
مساجينك
برغمك نحنا مازلنا
بنكبر بي سنابلنا
ونعشق في سلاسلنا
ونسخر من زنازينك
مساجينك
حكايات الهوى الاول
بدايات الغنا الطول نغنيها
حقيقة وليس تتاول
حتهرب من عناوينك
للسودان عواطفنا
وبالسودان مواقفنا
ولمى تهب عواصفنا
ماحيلة قوانينك
مساجينك
وواصل محجوب شريف مسيرت نضاله ضد نظام نميري وكتب وطنا الباسمك كتبنا ورطنا وياشعبا لهبك ثوريتك
الي ان جاءت انتفاضة ابريل فانتج الشعراء ادبا خاص بالمرحلة ابرزها رائعة وردي التي كتبها الشاعر محجوب شريف
بلا وانجلى
بلا وانجلى
حمد الله الف على السلامه
انهّد كتف المقصله
والسجن..
ترباسو انخلع
تحت انفجار الزلزله
والشعب..
بى أسرو اندلع
حرر مساجينو اندلع
قرّر ختام المهزله
يا شارعاً..
سوّا البدع
اذهلت أسماع الملا
كالبحر..
دواى الجلجه
فتحت شبابيكا المدن
للشمسِ
واتشابا الخلا

وقدم كذلك الفنان صلاح مصطفي جددنا يااكتوبر في ابريل غير ان هنالك من انحاز لنميري وتغني لنظامه كالفنان سيد خليفة عندما غني حبيب الشعب يانميري وابان انقلاب هاشم العطا ظهرت الكثير من الطرائف التي تحكي بصدق تبدل مواقف بعض الفنانيين فقرر الثنائي ميرغني المامون واحمد حسن جمعة بانتاج اغنية تمجد انقلاب هاشم العطاء فكانت اغنية
هاشم العطا صلح الخطا
وشال نميري فوق ودقا بي الوطا
وقبل اكتمال تسجيل هذه الاغنية حدثت جلبة بالاذاعة وتسرب خبر عودة نميري الي السلطة فماكان من الثنائي الشهير الا ان غير في كلمات الاغنية لتصير
هاشم العطا لخبط الوطا
وقام نميري عاد وصلح الخطا
بعد كل ذلك العطاء في مسيرة الاغنية الوطنية مرت بمرحلة جمود الي ان تلاشت تماما ولم نعد نسمع لها صوتا وفي كل المناسبات الوطنية تبث الاجهزة الاعلامية ما صنعه الرواد من غناء وطني فماهي الاسباب ياتري التي ادت الي انحسار مد الاغنية الوطنية فمنذ ثلاثين عاما لم تظهر اغنية وطنية واحدة تضاهي ماكتبه الرواد هل تلتشي الحس الوطني لدي الشعراء والمغنيين ام ان هنالك عوامل تسبب في هذا الانحسار .
نظرة الانقاذ
بحسب المراقبون ان الانقاذ عندما جاءت كانت لديها موقف واضح اتجاه الفنون وحاولت بشتي السبل بالغاء وجدان الامة ومكتسباتها عبر ما يعرف بالمشروع الحضاري فنتج عن ذلك ايقاف كل التسجيلات الرسمية وحل لجنتي النصوص والالحان واتاحت الفرص لكل من يتغني باسم النظام في تلك الحقبة وبعد مرور ايام من اندلاع ثورة الانقاذ كتب الاذاعي ذنون بشري اغنية تغني بها كمال ترباس
هبت ثورة الانقاذ
لما الجيش للشعب انحاذ
ثم جاء بعذلك النشيد الذي كتبه عبد الحليم محمد وهو يجسد شعار الانقاذ الذي رفعته
شعارنا العالي بيرفع
والعالم كلو بيسمع
فالناكل من مانزرع
والنلبس ممانصنع
واستمر هذا النشيد يبث بصورة يومية علي حساب الاغنيات العاطفية والوطنية بل طبع حتي في كراسات المرحلة الابتدائية قبل ان تتحول الي الاساس في تلك الحقبة ظهر الكثير من الفنانيين الذين استوعبوا المرحلة ولكن سرعان ماتلاشوا قبل ان يدرك المسؤلون ضرورة تفتح المنابر للمبدعين الحقيقين للتعبير عن انفسهم بعد فشل المشروع الحضاري
تجربة فاشلة
تجربة لم يكتب لها التوفيق خاضها السمؤل خلف الله عبر مهرجان ميلاد الاغنيات الوطنية التي قدمت فيها اكثر من ا40 اغنية لم تخلد اي منها رغم المبالغ الطائلة التي صرفت علي هذا المهرجان ومكمن الفشل في ان معظم هذه الاغنيات افتقدت لعنصر الصدق وكان تفكير المشاركين في الجائزة اكبر من الاحساس بالوطن .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى