التقارير

من أرضٍ جرداء إلى معلمٍ إنساني يسرّ الناظرين.. (واحة سعد بشمبات.)..كل الجمال

كتب :رحمة عبدالمنعم

في زمنٍ تتراجع فيه المساحات العامة، وتضيق فيه صدور المدن من وطأة الإهمال والضغط اليومي، يكتسب العمل الخيري حين يُدار برؤية واعية قيمةً مضاعفة، لأنه لا يعالج الحاجة الآنية فحسب، بل يعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والمكان، ومن هذا المعنى تحديداً، جاءت واحة سعد بابكر في شمبات، لتكون أكثر من مشروع تشجير أو تجميل حضري، بل نموذجاً حياً لكيف يمكن لفكرة مسؤولة أن تحوّل أرضاً جرداء إلى متنفسٍ إنساني نابض بالحياة، وإلى رسالة أمل تقول إن الجمال حين يُقصد، يصبح حقاً عاماً لا ترفاً مؤجلاً.

واحة سعد

في امتداد شمبات مربع (15)، وعلى أرضٍ كانت حتى وقتٍ قريب ميداناً خالياً، جرداء لا تحمل سوى الغبار وانتظار التحوّل، وُلدت واحة سعد بابكر لتكون دليلاً عملياً على أن الإرادة حين تقترن بالرؤية، تستطيع أن تصنع الحياة من الفراغ، ذلك الموقع الذي لم يكن أكثر من مساحة مهملة، تحوّل اليوم إلى حديقة نابضة بالجمال، ومتنفّسٍ حقيقي لأهل المنطقة، بفضل مشروع متكامل نفذته مشاريع سعد الخير التابعة لرجل الأعمال الوطني سعد بابكر أحمد محمد نور.
جاءت فكرة الواحة بتوجيه مباشر من المدير العام الأستاذ سعد بابكر، الذي شدد منذ اللحظة الأولى على ضرورة استثمار المكان كحديقة عامة تخدم المجتمع، وتعيد للحي حقه في الفضاء الأخضر، فكانت النتيجة مشروعاً تجاوز التوقعات، حتى أن أهالي المنطقة أطلقوا عليها تلقائياً اسم (واحة سعد بابكر)، في تعبير صادق عن الامتنان والانتماء.
الواحة اليوم ليست مجرد حديقة، بل لوحة متكاملة العناصر؛ بئر مياه نقية يؤمّن الاستدامة، وأبراج إنارة بمواصفات عالمية تبدد الظلام وتمنح المكان أمانه الليلي، ونجيل ألماني عالي الجودة يكسو الأرض بنعومة لونية مريحة، اختير بعناية ليجمع بين الجمال والتحمّل،أما النخيل، فهو من نوع البرحي، أحد أجود أنواع النخيل عالمياً، والمسجّل في أحد المراكز العالمية المتخصصة بجودة النخيل، ما يمنح المشروع بعداً إنتاجياً مستقبلياً، إذ يمكن الاستفادة من ثماره أو نقل فسائله إلى مواقع أخرى وحدائق إضافية.
وتكتمل الصورة بأماكن الجلوس الفخمة (البينتشات)، التي صُنعت بجودة عالية داخل مصانع الأستاذ سعد بابكر نفسها، في تأكيد واضح على أن المشروع لم يكن عابراً أو محدود الأفق، بل نموذجاً يُراد له أن يُعمّم، حيث أكد القائمون أن هذه البينتشات ستُستخدم لاحقاً بنفس التصميم والمواصفات في حدائق أخرى ومدارس، ضمن رؤية أشمل لتطوير الفضاءات العامة.

تاريخ شمبات

ويكتسب مشروع واحة سعد بابكر بعداً إنسانياً أعمق حين يُقرأ من زاوية الذاكرة والتحوّل الاجتماعي، وهو ما عبّر عنه مدير مشاريع سعد الخير، الدكتور صخر عباس قرافي، الذي استعاد تاريخ شمبات منذ نشأتها الأولى، قائلاً إن المنطقة في سنواته المبكرة لم تكن تعرف الماء ولا الكهرباء، حيث وصل إليها وهو في الخامسة من عمره، وكانت البيوت تُشيّد من الطين وتُسقف بجريد النخيل، بينما تعتمد على عربة البلدية لجلب مياه الشرب مرة كل ثلاثة أيام، وتُنار المنازل بسُرج بدائية تعمل بالجازولين، في وقتٍ كانت تضاء فيه بيوت الميسورين فقط بما كان يُعرف آنذاك بـ«الرتينة».
وأوضح الدكتور صخر أن حلم المدينة الجميلة، المليئة بالخضرة والحياة، ظل حبيس الوجدان لعقود طويلة، قائلاً إن ذلك الحلم عاش مؤجلاً حتى بلغ الثامنة والخمسين من عمره، قبل أن تأتي الحرب وتزيد المشهد قسوة، فتشرّد الناس من بيوتهم ومدنهم، وتحوّلت مساحات العمران إلى خراب، في واحدة من أقسى محطات التاريخ الحديث.
وأضاف أن العودة جاءت سريعة، لكنها كانت محمّلة بالأمل، مشيراً إلى أن الله سخّر لشمبات رجل الخير سعد بابكر، الذي أسعد القلوب، وسقى الأرض والناس بمياه عذبة، وسخّره لفعل الخيرات في زمن عزّ فيه العطاء، حتى من بعض المقتدرين. وقال: «أطعم، وكسا، وغرس، فكانت هذه الواحة إحدى ثمار عطائه لشمبات وأهلها».
وأكد الدكتور صخر أن ما قُدّم للمنطقة يتجاوز كونه مشروعاً خدمياً أو تجميلياً، ليحمل قيمة إنسانية وأخلاقية عميقة، مضيفاً: «لا أقول شكراً لسعد بابكر، لأنه أخي وصديقي، فالشكر يُقال للغرباء حين يقدمون المساعدة، أما له فأقول: أحبك في الله، فالقلوب تفهم لغتها دون حاجة إلى كلمات».
وختم حديثه بالتأكيد على أن صدق المودة والمعادن الحقيقية للناس لا تظهر إلا في أوقات المحن والشدائد، حين تُختبر القلوب قبل الأفعال، مجدداً إشادته بمبادرات سعد الخير التي أعادت الأمل لشمبات، وحوّلت الحلم القديم إلى واقع يُرى ويُعاش.

معايير دقيقة

من جانبه، أوضح المدير التنفيذي لمشاريع سعد الخير، الأستاذ بدرالدين تاج الدين أن المشروع نُفّذ وفق معايير فنية دقيقة، مشيراً إلى أن أبراج الإضاءة المستخدمة ذات مواصفات عالمية، وتعمل بلمبات تصل قوتها إلى 2000 واط، ما يوفر إنارة شاملة وآمنة،كما أكد أن النجيل المستخدم يُعد من أجود الأنواع الألمانية، وأن اختيار النخيل البرحي جاء بعد دراسة فنية تضمن الجودة والإنتاج مستقبلاً.
وأضاف بدرالدين أن الأستاذ سعد بابكر لم يكن مجرد داعم أو ممول، بل كان حاضراً ومتابعاً وموجهاً لكل مرحلة من مراحل التنفيذ، يضع الملاحظات، ويصحح المسار، ويحرص على أدق التفاصيل، من نوعية المواد إلى الشكل النهائي، في نموذج نادر لرجل أعمال يدير العمل الخيري بعقلية القائد لا المتفرج.

إشادات واسعة

وقد حظيت واحة سعد بابكر بإشادات واسعة من سكان شمبات وبحري، الذين رأوا فيها تحولاً حقيقياً للمكان، ورسالة أمل في زمن تتراجع فيه الخدمات العامة، إشادة لم تتوقف عند جمال المشهد، بل امتدت لتثمين الدور المجتمعي للأستاذ سعد بابكر، الذي اختار أن يترك أثراً باقياً في الأرض والناس، وأن يبرهن أن الاستثمار في الإنسان والمكان هو أصدق أشكال الوطنية.
هكذا، تقف واحة سعد بابكر اليوم شاهدة على أن الأرض الجرداء يمكن أن تصبح حياة، وأن الفكرة حين تُدار بإخلاص، تتحول إلى ذاكرة جميلة في وجدان الناس. شمبات تعرف، وبحري تشهد، أن هناك من يصنع الفرق بهدوء… ويزرع الجمال ليبقى وهو سعد بابكر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى