
في الأزمنة المضطربة، لا يُقاس الرجال بكثرة ظهورهم، بل بثباتهم حين يغيب الكثيرون. وشيخ الأمين واحد من أولئك الذين اختبرتهم المحن، فلم تبدّلهم، ومرّت عليهم العواصف، فلم تكسرهم. في زمن الحرب، حين كانت الفوضى سيّدة المشهد، اختار أن يكون في صف الإنسان، لا في معسكر السلاح، وفي دائرة المجتمع، لا في هوامش الصراع.
لم يكن شيخ الأمين يوماً صوتاً عالياً يبحث عن تصفيق، ولا وجهاً يتغذّى على الأزمات. حضوره الاجتماعي ظل قائماً على فكرة بسيطة وعميقة في آن واحد: أن الاستقرار المجتمعي عبادة، وأن خدمة الناس موقف، وأن النجاة بالضمير أهم من النجاة بالجسد. لذلك لم يكن غريباً أن يصبح مستهدفاً، فكل من يمتلك تأثيراً حقيقياً، يُقلق دعاة الفوضى.
خلال الحرب، تعرّض للاستهداف المباشر، لا لشيء سوى أنه لم ينحنِ، ولم يغادر موقعه الأخلاقي. صمد، لا بالسلاح، بل بالحكمة، ولا بالتحريض، بل بالتماسك. وهذا النوع من الصمود نادر، لأنه لا يُرى بسهولة، ولا يُحتفى به سريعاً، لكنه الأعمق أثراً.
وما بعد الحرب، حين تبدّلت أدوات الاستهداف، ظل شيخ الأمين على ذات الخط. لم ينجرّ إلى معارك الكلام، ولم يدخل في سوق الاتهامات، بل واصل عمله الاجتماعي واستثماراته بروح من يرى في البناء رداً عملياً على الهدم. فاختار أن تكون أمواله جسوراً لا متاريس، وأن يكون حضوره إضافة لا استفزازاً.
يمتاز شيخ الأمين بقدرة لافتة على الفصل بين الشخصي والعام. لم يحوّل ما تعرّض له إلى مظلومية صاخبة، ولم يستثمر الألم لتحقيق مكاسب آنية. وهذا في ذاته خُلُق نادر في زمن تسليع المعاناة. ظل ثابتاً، متماسكاً، مؤمناً بأن الزمن كفيل بفرز المواقف، وأن الحقيقة لا تحتاج إلى صراخ.
إن مدح شيخ الأمين ليس انحيازاً لشخص، بل تقدير لقيمة. قيمة الرجل الذي لم تغيّره الحرب، ولم تُفسده الأسئلة، ولم تُغره ردود الأفعال. رجل أدرك أن الوطن يُبنى بالصبر، وأن المجتمع يُحمى بالحكمة، وأن التاريخ لا يكتب أسماء العابرين، بل يسجّل مواقف الثابتين.



