مقالات

عزمي عبد الرازق يكتب : تحدّث كثيراً ولم يقل شيئاً !! .. رئيس الوزراء يهدر فرصة ثمينة

اختار رئيس الوزراء كامل إدريس، والوفد المرافق له إلى نيويورك، أسوأ توقيت ممكن لمخاطبة مجلس الأمن الدولي حول حرب السودان والمصالحة الوطنية، ليقدم إحاطةٌ جاءت في أيام عطلات أعياد الكريسماس ونهاية العام، ولذلك غاب عنها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وحضرها في الغالب نوّاب رؤساء البعثات، ما أفقدها الوزن السياسي المطلوب، وأفرغها من تأثيرها المتوقع. هكذا، ومنذ اللحظة الأولى، نسف سوء التقدير قيمة الإحاطة قبل أن تبدأ.
لم يقف الإخفاق عند التوقيت وحده، بل تمدد إلى تشكيلة الوفد السوداني نفسها، التي بدت ضعيفة، تفتقر للخبرة الدبلوماسية، وغير قادرة على إدارة خطاب في واحدة من أكثر المنصات الدولية حساسية، وظهر ذلك جلياً في أروقة مجلس الأمن وداخل قاعته، حيث تعثّر الوفد في إدارة الرسالة، وفشل في التفاعل مع الملاحظات والردود، وترك الباب مفتوحاً لتساؤل جوهري: هل ما قُدّم إحاطة رسمية؟ أم مبادرة سياسية؟ أم إعادة تدوير لخارطة الطريق التي سبق أن طرحها رئيس مجلس السيادة من ذات المنصة؟
الأكثر إثارة للدهشة أن رئيس الوزراء رفض، قبل الجلسة، الإجابة على سؤال صحفي مباشر حول دور الإمارات في الحرب، ثم تجاهل ذكرها تماماً داخل كلمته، وبهذا، أضاع فرصة تاريخية لتسمية الطرف الأكثر تمويلاً ودعماً للمليشيا التي تمزق البلاد، وهذا التجاهل بالضرورة لا يمكن تفسيره كسهو أو سوء تقدير، بل يبدو موقفاً مقصوداً، يحمل الحرب نفسها المسؤولية، على طريقة خطاب جماعات “صمود” و”تأسيس”، بحيث تختفي الأسماء الحقيقية لتغسل الأيدي من الفاعلين.
الخطاب كذلك لم يطالب بتصنيف قوات الدعم السريع مليشيا إرهابية، رغم سجلها المثقل بالجرائم، مثل تدمير المدن، نهب الممتلكات، تصفية الأسرى، حرق القرى، وإزهاق الأرواح بلا حساب، والاستعانة بالمرتزقة، فتجاوز هذه الحقيقة ليس مجرد قصور سياسي، بل تجاهل لا يمكن تبريره أخلاقياً ولا وطنياً.
وفي ذات الجلسة، تعرّض السودان لإساءات مباشرة من مندوب دولة الإمارات، وكذلك من مندوب الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك، لم يبادر الوفد السوداني بطلب حق الرد، أو حتى تقديم توضيح رسمي يضع الأمور في نصابها، رغم أن هذا حق أصيل وممارسة دبلوماسية معروفة، كما أن الصمت هنا لم يكن حكمة، بل قبولاً بالهزيمة، وتفضيلاً للإهانة على الرد بكرامة. وكان بالإمكان، بل من الواجب، تكليف مندوب السودان الدائم السفير الحارث إدريس بالرد، وهو الدبلوماسي الذي يعرف كيف يتعامل مع هذه الفخاخ باقتدار، لكنه رئيس الوزراء احتفظ بمستشاره الغامض الحفيان خلفه، كما يظهر في هذه الصورة بالبدلة البيضاء الغريبة، وليس السفير الحارث.. جاكت أبيض وقميص أبيض في مجلس الأمن، وهو أمر غير معهود، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين!!
في المحصلة، تحدّث كامل إدريس طويلاً ولم يقل شيئاً، بل أضاع فرصة نادرة لحضور مؤثر، ولتقديم رؤية متماسكة باسم الدولة السودانية، واستبدل ذلك بتخبط في الرسائل، وسوء تقدير في التوقيت، ونتائج سياسية وإعلامية سالبة، والاستعانة بقلة الخبرة، في رحلة كلفت الخزينة العامة الكثير، ولم تجلب للسودانيين، في الداخل والمنافي، حتى “خفي حنين”.
عزمي عبد الرازق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى