
في واحدة من أكثر الوقائع إيلاماً في سجل العلاقة المختلة بين السلطة والعدالة، تبرز قضية سعد بابكر، المدير العام لشركة تاركو للطيران، بوصفها نموذجاً صارخاً لكيف يمكن أن يُسحق الأفراد تحت وطأة النفوذ، وأن تتحول أدوات الدولة من وسائل حماية إلى أدوات بطش.
لم يكن سعد بابكر سياسيًا ولا صاحب طموح خارج إطار عمله، بل رجل أعمال عُرف في الأوساط المهنية بسيرته النظيفة، وانضباطه الإداري، وإدارته لشركة وطنية نجحت في قطاع الطيران،غير أن هذا النجاح نفسه، في زمن اختلطت فيه القوة بالمصالح، صار عبئًا على صاحبه بدل أن يكون مصدر تقدير.
بحسب ما كُشفه الصحفي مهند الشيخ في مقطع فيديو متداول، فإن عبدالرحيم دقلو، نائب قائد قوات الدعم السريع آنذاك، استخدم نفوذه لإصدار أوامر بزج سعد بابكر في السجن، في واقعة لا تستند إلى جريمة حقيقية ولا إلى مسار قانوني سليم، لم يكن الاعتقال إجراءً احترازيًا، بل وسيلة ضغط صريحة، غايتها الإخضاع والابتزاز.
الأخطر في ما جرى لم يكن سجن سعد بابكر فحسب، بل الكيفية التي أُدير بها هذا السجن. فقد أُودع في سجن كوبر داخل زنزانة تضم مجرمين مدانين في قضايا جنائية خطيرة، من بينهم أصحاب المادة 130 المتعلقة بالقتل العمد، وضعٌ كهذا لا يمكن تفسيره إلا بوصفه عقوبة مضاعفة، تستهدف الإذلال النفسي قبل أي شيء آخر، وتتعمد كسر الكرامة الإنسانية لرجل لم تثبت عليه تهمة.
داخل تلك الزنازين، لم يكن سعد بابكر مجرد محتجز، بل إنسان تُرك لمواجهة ظروف قاسية لا تتناسب لا مع وضعه القانوني ولا مع أبسط معايير العدالة،ومع مرور الوقت، بدأت آثار هذا الظلم تظهر بوضوح على صحته، أُصيب بارتفاع ضغط الدم، ثم بالسكري، وتفاقمت حالته الصحية لتشمل أمراض القلب، في علاقة لا تخفى بين القهر النفسي والانهيار الجسدي.
لم يتوقف الأمر عند السجن. فبالتوازي مع الاعتقال، تعرض سعد بابكر لحملات تشويه ممنهجة، سعت إلى تلويث سمعته وضرب صورته في الرأي العام. جرى تقديمه، عمدًا، على غير حقيقته، في محاولة لتبرير ما لا يمكن تبريره، وتحويل الضحية إلى متهم، وهي ممارسة معروفة في سياقات القمع، حين يصبح التشويه امتدادًا طبيعيًا للاعتقال.
ومع ذلك، فإن الحقيقة لم تُدفن. فقد قال القضاء كلمته لاحقًا، وصدر الحكم ببراءة سعد بابكر من كل ما نُسب إليه. براءة لم تكن مجرد قرار قانوني، بل إدانة ضمنية لكل ما سبقها من تجاوزات، وإثباتًا أن ما جرى لم يكن سوى ظلم فادح استُخدمت فيه السلطة خارج أي إطار أخلاقي أو قانوني.
قضية سعد بابكر ليست قصة فردية معزولة، بل مرآة لمرحلة سادت فيها عقلية الإفلات من المحاسبة، وتجرأ فيها بعض المتنفذين وقتها على القانون وهم مطمئنون إلى أن القوة تكفي، وهي تذكير مؤلم بأن العدالة قد تتأخر، لكن في مع الايام تتكشف الحقائق وينتصر الحق على الظلم
سيبقى سعد بابكر، رغم ما تعرض له من سجن ومرض وتشويه، شاهدًا على أن السيرة النظيفة قد تُستهدف، لكنها لا تُمحى، وأن الظلم مهما طال عمره، لا يتحول إلى حق.



