
.
كان شقيقي الخليفة (أيمن) يلح علي في الخروج..
(أحسن نمرق.. ربنا ما أمر بالهلاك)..
وكنت أقول له ما يعزيه ويصبره..
واذكر انه ذات نهار ارسل الي رسالة علي الهاتف فيها بيت المتنبئ الشهير:
(وقفت ومافي الموت شك لواقف
كأنك في جفن الردى وهو نائم)..
وسبحان الله، بعد هذه الرسالة بلحظات رن هاتفي على مكالمة من القيادة!..
قال لي بكلمات قليلة ومفهومة أن مجموعة من القوات الخاصة ستاتي غدا إلى للمسيد وتاخذني مع أسرتي إلى مكان آمن.. وان اسم العملية هي (عين الصقر)!.
وعرفت حينها لماذا كنت في ذلك اليقين..
و(ما ضاقت الا لتفرج)..
بشرت الخليفة واسرتي بالخبر..
ليس لأنني أغادر المسيد..
فقد عدت إليه بعد خمسة أيام..
ولكن لأن الغمة ستنكشف عن سكان امدرمان القديمة ليواجهوا التحديات والمصائب التي تعودوا عليها ويستطيعونها..
أن يعود الناس إلى حياتهم الطبيعية..
ان يعيشوا في أمان..
في ذات اليوم قمت بتوزيع كميات زائدة من الطعام للناس ونصحت الجميع بعدم التحرك مطلقا من بيوتهم إلا في حالات الضرورة القصوى..
عند ظهيرة اليوم التالي فرغت من ترتيب أمر المسيد وترتيبات أسرتي للمغادرة..
وجلست في الانتظار..
كان يوما مختلفا تماما عن كل ما سبقه من أيام فاصوات الرصاص والتدوين والمسيرات لم تتوقف لحظة منذ الفجر..
كان شيئا مرعبا ومتواصلا..
لم يتوقف الدوي حتى حينما دخلت علينا طليعة القوات الخاصة..
لكن دخولهم الى المسيد كان يعني ان حقبة سوداء قد انزاحت عن امدرمان القديمة..
انزاحت الغمة و(عُقب عادت ليالي سهرنا)..
لتبدأ مرحلة جديدة من التحديات والهموم..
من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر..
كان مع القوات الخاصة الشاب المصباح أبوزيد طلحة.. كان يحمل جهازا للتحكم في المسيرات مبتسما بشوشا كما عرفته في الفيديوهات والصور..
كانوا جميعا لطيفون.. رددوا على تفاصيل المهمة الخاصة بهم والتي كنت على علم مسبق بها..
في الخارج كانت تنتظرني واسرتي سيارتان..
الأولى مصفحة من ذلك النوع المسمى (صرصر) والثانية (تاتشر)..
كنت وانا اغادر المسيد لأول مرة منذ قيام الحرب ورغم سعادة اللحظة مسكونا بتلك الذكريات المرة..
وكيف تخطيناها..
في لحظة منها حكايات وقصص لمعاناة ومغالبة لا تنتهي..
*في الحلقة القادمة..*
ماذا دار بيننا والعميد انور الزبير قائد متحرك عزم الرجال؟!.. وسأحدثكم عن زيارة الوالي واللواء الظافر ومساهمتهما المقدرة للمسيد..
#ابعاد_الخبر_نيوز




