استخدم الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ما عُرِف عنه من مهارات في التنشين ودِقة التدوين وهو يخاطب جنرالات الجيش أمس ، ويضع النقاط فوق الحروف، ويسكب كميات كافية من الملح على جراح السودان النازفة جراء الحرب اللعينة..
أحسن البرهان وضع الإجابات النموذجية على كل سؤال يتبادر فى ذهن السودانيين حول موقفه من جهود الرباعية، وإستراتيجية الجيش للتعامل مع المليشيا فى ظل التباس الرؤية جرّاء ما يتردّد عن مبادرات ومحاولات ينشط فيها عملاء الداخل ودوائر الخارج لإعادة المليشيا إلى المشهد مرة أخرى…
ظهر البرهان فى خطابه أمام جنرالات الجيش شفافاً، هاجم الأمارات بضراوة ” لأول مرة” ، وشيع رباعية ” الدجال مسعد بوليس” مستشار ترامب الى مثواها الأخير، وفند السردية المضللة حول سيطرة الإخوان المسلمين على الجيش، وقطع الطريق أمام أي عودة للمليشيا ممثلة فى “حميدتي”، وكلاب صيده من عملاء صمود وتاسيس، ” حمدوك” وأذنابه لحكم السودان مرة أخرى بعد ما اقترفوه من جرائم بحق الشعب السوداني الذى قال إنه لن يقبل عودتهم مرة أخرى ..
لم يخيب البرهان ظن الشعب السوداني يوما ولا أظنه يفعل وهو يظهر بكل هذا الثبات أمام المحاولات المبذولة خارجياً لاختطاف الدولة السودانية ومنحها للأمارات ومرتزقتها جنجويد الدعم السريع وعملاءها فى الداخل من خونة “صمود” و” تأسيس”…
المواقف التى عبر عنها الرئيس البرهان أمس ، تشبه الكرامة، وتتماهى مع قداسة المعركة الوطنية، وتؤسس لمرحلة جديدة فى مواجهة المليشيا وتُوصد الباب أمام ألاعيب التسويات، ومحاولات جر الجيش إلى وحل التفاوض مع الأمارات وكلاب صيدها فى الداخل..
لن أذيع سراً إذا قلت إن الشعب السوداني كان ينتظر الاستماع إلى ما دلقه البرهان من شهد وطني على الأسماع أستطاع عبره أن يكون قائداً حقيقياً ينطق بما يطلبه المواطنون، وما تحتاجه اللحظة من ثوابت مهمة لحفظ عزة الدولة وسيادتها وكرامة الشعب …
المضامين التى عبّر عنها القائد العام لقوات الشعب المسلحة ليست ” نهاية الحديث”، كما يتصور البعض، وإنما جاءت تعبيراً قوياً عن “خطة المواجهة الشاملة” التى تقتضي ترتيبات داخلية وخارجية لكسب معركة القضاء على الجنجويد.
تحتاج مواقف البرهان إلى إستراتيجية وطنية محكمة لتحويلها إلى “برنامج عمل” تقوم به القوى السياسية والحكومة المدنية، والدبلوماسية و الاعلام والقطاعات المختلفة للقضاء المُبرم على المليشيا أولًا ومواجهة العالم بمواقف الدولة المبدئية من حرب الكرامة…
من المهم أن يكون البرهان قد عقلها ـبترتيبها وتدابير الأحلاف الإستراتيجية الخارجية، وتمتين الجبهة الداخلية، وتعزيز لغة التوافق الوطني، وتوحيد صف الحكومة بشقيها المدني والعسكري، وتفعيل آليات المقاومة والإستنفار، وتعزيز كفاءة الأداء التنفيذيـ، قبل أن يتوكل على الله ويعلن مرحلة ” المواجهة المباشرة” دون تلجلج أو مواربة…
نعم لا وقت للحديث بعد ما ذكره البرهان، فقد قال كل شئ، وأزال غبش الرؤية التى اكتنفت المشهد العام ، والتى أوجدت بيئة مناسبة لتوزيع الإتهامات بالخيانة ، هنا وهناك.. القادم للبيان بالعمل خاصّة وأن خطاب البرهان وَحّد الجبهة الداخلية باتجاه الحَسم ، كما لم يحدث من قبل..
المرحلة القادمة ستكون مختلفة عن ما سبق، ننتظر وعي الدولة لرسم خطوط المواجهة تحت مظلة واحدة، وقيادة متجانسة ومتفاهمة ومحددات وطنية وأخلاقية ترسم حدود الجميع فى التعاطي مع الشأن الوطني.. وتعلي من أهمية الحسم العسكري…



