مقالات

اخر الليل – اسحاق احمد فضل الله – مشروع امطار الاماراتي

السيد الذي يشتمنا لأننا لا نكتب عن طغيان أمريكا،
وعن عجز العرب،
وعن الحرب في غربنا.
أستاذ…
أمريكا والناس والشمس والدواب كلهم يعرفون طغيان أمريكا، فما الذي سوف يتبدّل إن نحن كتبنا عن طغيان أمريكا؟
وعجز العرب معروف أكثر من الأنفاس في رئة كل إنسان، فما الذي يتبدّل إن نحن كتبنا عنه؟
والناس تصرخ منذ ستين سنة وتشتم إسرائيل بمنافذ الجسد التسعة، فما الذي انتهى إليه الناس في صحراء الصراخ؟
عفواً… فنحن نهجر هذا ونبحث عن دواء للكساح هذا… ولهذا لا نكتب عن أمريكا والعرب.
أستاذ حامد،
الذي يشتمنا لأننا لا نكتب عن:
(لماذا نعجز ونحن أغنياء؟)
أستاذ… مشروع الجنيد افتتحه البخاري أيام النميري… ولم نحصل على شيء لأنه هُدم.
مشروع الجزيرة المملوك لألف مالك… هُدم، لأنه مملوك لألف مالك.
مشروع سندس، وهو الأضخم… هُدم.
مشروع الكرامة، الذي اشترك فيه مئات الآلاف عمالاً… عجز لأن الإنفاق عليه قاتل.
مشروع القمح (قنيف) الذي نجح جداً… هُدم، لأن إنتاجه من القمح يهدّد سلطان أمريكا في المنطقة.
مشروع “أمطار” الإماراتي… تكشّف عن أنه كان مخزناً لـ(قحت) والدعم السريع.
مشروع الراجحي… طردته (قحت) لأن صاحبه مسلم.
إخراج النفط جعل أمريكا تفصل الجنوب.
إنتاج الذهب جعل الإمارات تشعل الحرب لنزعه منا.
و…
كل مشروع الآن… كل مشروع هو عمارة تُبنى وقنبلة في جدارها.
ولهذا… ما لم يذهب الناس إلى صناعة الحماية… الحماية… الحماية، فلن ينجح مشروع واحد.
(٣)
ونكتب عن روح العالم اليوم لأننا نعيش مع هذه الثعابين في قفص.
ولرسم روح العالم نرسم قانون العالم، مسرح العالم، كتب العالم، سينما العالم…
ونُغلّف الدواء بأوراق الحكايات.
ونكتب يوماً عن مسرحية “الجرّة”…
وفيها: صاحب مزرعة النبيذ يفاجأ بأن الجرة التي يُخمّر فيها العنب بها شق.
ويأتي بعامل ضئيل الحجم ليدخل الجرّة ويخيطها من أسفل إلى أعلى.
والعامل العجوز يخيط الجرّة الفخارية… حتى الفم.
فإذا أراد الخروج وجد أن فم الجرة لا يتسع لخروجه.
وصاحب المزرعة، الذي لا يستطيع تأجيل الحصاد، يُصاب بالجنون. ويظل يصرخ بأنه لا يفهم شيئاً غير الحقيقة، والتي هي: أنه أعطى العامل أجره، ويريد جرّته سليمة.
وفي المسرحية يصبح الخيار: بين قيمة الإنسان وقيمة المال.
ونكتب عن أنه (في العقيدة اليهودية/المسيحية) نحن مخلوقات “يجب… يجب… يجب” أن تُباد.
ونكتب عن أن السوداني في التاريخ هو:
لما جاء أحياء من المماليك بعد مذبحة القلعة ودخلوا السودان، أتاهم واحد من سلاطين وسط السودان…
رجل في ثوب على كتفه وخصره، وحذاء ساذج. وحين عرضوا عليه الكرسي للجلوس… رفض.
وجلس على الأرض.
وفي الحديث سألهم عن سبب زوال ملكهم.
فذكروا سبباً. فسألهم: أليس هذا حراماً؟
قالوا: إنما فعله عبيدنا.
وذكروا سبباً آخر. فلما سألهم: أليس هذا حراماً؟ اعتذروا بأنه… إنما صنع ذلك عبيدنا.
والسلطان ينكت الأرض بعصاه ويردد: عبيدنا… عبيدنا.
ثم يقول للقوم:
“إنما أراكم قوماً أدمنتم عصيان الله، وأنا أخشى أن يصيبنا من الله ما أصابكم، وقد أمهلتكم ثلاثاً لتخرجوا من بلادي.”
بسبب هذه الأخلاق التي لا تقبل العبودية كان لابد للاستعمار من أسلوب آخر…
أسلوب له كل صفات المخدرات: غامض، متسلل، فعّال.
وهذا يبدأ أولاً بتزييف الإسلام… ثم أن يكون هذا التزييف شيئاً يقاتل الناس لبقائه.
وهذا ما صنعته الثقافة الغربية إلى يوم الناس هذا:
ثقافة مهما كانت شجاعة أهلها إلا أنها تظل بلهاء لا تعرف طبيعة العدو… ولا طبيعة الزمن… ولا أسلوب المقاومة.
ونُحدّث عن كيف أن المخطط يجعل من الشيوخ هم المنفّر الأعظم من الإسلام، بينما جسم الإسلام سليم.
وهاك من حكايات الجهات السودانية:
المثقفون كانوا يبدأون “القعدة” في الأتينيه بعد صلاة العشاء في المسجد… وحين يجلسون يصيح أحدهم: كبّ الإثم!
وعبد الخالق، زعيم الشيوعي، يشكو لبابكر كرار من أنه حين يكون للحزب مؤتمر يضطر لإعداد الأباريق والبروش، لأن أعضاء الحزب الشيوعي القادمين من الأقاليم يؤدّون الصلاة.
وعن الأميين تقول الحكاية: إن الشيخ محمد الأمين يدخل جبال النوبة يدعو إلى الإسلام، فيهيج الإنجليز، فالمنطقة كانت مغلقة للكنيسة.
وينتهي النزاع بين محمد الأمين والكنيسة إلى اتفاق هو: الدعوة لكل المواطنين.
ويُجمع المواطنون في ساحة.
ويجعل المفتش قساوسة الكنيسة عن يمينه، ومحمد الأمين عن يساره.
ثم يعلن للناس:
“انتَ تدور دين بتاع محمّد… يجي من هنا.
وانتَ تدور دين بتاع مسيح… يجي من هنا.”
وكأنهم السيل… كل المواطنين تدفّقوا جهة محمد الأمين.
والقسيس “دقّ الدلجة” مغمىً عليه.
لحم الإسلام لم يُنزع عن عظم السودان منذ أيام دخوله.
ولهذا كان أسلوب نزع الإسلام هو: إقامة إسلام “مسيلمة”، نسخة تسمح لصاحبها بكل شيء… وهو يظن أنه مسلم.
والحركة الإسلامية كل ما فعلته هو أنها قامت لإعادة هيكل الإسلام إلى سيرته الأولى.
وكل ما فعلته للحفاظ على هذه العودة أنها أبعدت عقول وفهم وأسلوب الشيوخ.
ولهذا كانت الدفعات الأولى تتكوّن من المثقفين.
الحرب الآن تعيد حرث الدلجة… لإقامة وزراعة الإسلام الحقيقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى