
دور المرأة في صنع القرار وأثره على التنمية الشاملة
مقدمة
تُعتبر قضية مشاركة المرأة في صنع القرار من القضايا المحورية التي تشغل حيزاً واسعاً من النقاشات الفكرية والسياسية في المجتمعات المعاصرة. فالمرأة ليست مجرد عنصر تابع أو داعم للرجل، بل هي شريك أساسي وفاعل في مختلف ميادين الحياة. ومن ثمّ فإن تمكينها من المشاركة في صياغة السياسات العامة وإدارة المؤسسات يُعد شرطاً ضرورياً لتحقيق التنمية المستدامة، وضمان عدالة القرارات وتوازنها.
المرأة نصف المجتمع وصاحبة رؤية متكاملة
تشير المؤشرات الديموغرافية إلى أن المرأة تمثل نصف المجتمع عدداً وأكثر من ذلك أثراً، فهي المربية، والمعلمة، والعاملة، والقائدة. ومن غير المنطقي أن يُتخذ القرار السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي من دون أن يكون للمرأة حضور فيه. إن تغييب المرأة عن مواقع صنع القرار يعني تغييب نصف المجتمع، وبالتالي إضعاف جودة القرار، وإفقاده التنوع والشمولية التي يحتاجها لمواجهة التحديات المعقدة.
إسهام المرأة في إثراء القرارات
تميز المرأة يكمن في قدرتها على النظر إلى الأمور من زوايا إنسانية وأخلاقية، مما يمنح القرارات بعداً أكثر توازناً وعدلاً. فعندما تكون المرأة جزءاً من دوائر صنع القرار، فإن ذلك يضمن إدخال قضايا محورية إلى جدول الاهتمام، مثل قضايا التعليم، الصحة، العدالة الاجتماعية، حماية الأسرة، والتنمية المجتمعية. وهذا التنوع في الرؤى يجعل القرار أكثر تعبيراً عن احتياجات مختلف شرائح المجتمع.
تجارب عالمية ملهمة
لقد أثبتت العديد من التجارب الدولية أن مشاركة المرأة في السلطة التنفيذية والتشريعية تعود بنتائج إيجابية ملموسة. ففي بعض الدول الإسكندنافية، التي تتصدر مؤشرات التنمية البشرية والشفافية، نجد أن تمكين المرأة من الوصول إلى البرلمان والوزارات ومجالس الإدارة كان عاملاً رئيسياً في تلك النجاحات. بل إن بعض الدراسات أكدت أن المؤسسات التي تضم نساء في مواقع القيادة تتسم بقدرة أكبر على إدارة الأزمات والتخطيط بعيد المدى.
التحديات والمعوقات
رغم النجاحات المتحققة، ما زالت المرأة تواجه تحديات كبيرة في المجتمعات النامية، تتمثل في القيود الثقافية والاجتماعية، وضعف التشريعات الداعمة، إضافة إلى الممارسات التي تحد من وصولها إلى المواقع القيادية. ومن هنا، يصبح لزاماً على الحكومات والمؤسسات تبني سياسات واضحة لرفع نسبة تمثيل المرأة في مراكز صنع القرار، وتوفير برامج تدريب وتأهيل تُعزز من جاهزيتها وقدراتها القيادية.
دور المرأة وصلة التنمية المستدامة
لا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية ما لم تكن شاملة وعادلة. والعدالة تقتضي أن تكون المرأة شريكاً كاملاً في صياغة مستقبل المجتمع. كما أن أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة تؤكد بوضوح على أهمية المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً باعتبار ذلك أساساً لأي تقدم شامل.
خاتمة
إن أهمية دور المرأة في صنع القرار تتجاوز كونها مطلباً حقوقياً، لتصبح ضرورة استراتيجية لبناء مجتمع قوي ومتماسك. فالمجتمع الذي يُقصي المرأة يخسر نصف إمكاناته البشرية والفكرية، بينما المجتمع الذي يُمكّنها من القيادة يكسب طاقات جديدة تضمن له استمرارية التنمية واستقرارها. ومن هذا المنطلق، فإن دعم مشاركة المرأة وتمهيد الطريق لها للوصول إلى مواقع صنع القرار ليس مجرد التزام أخلاقي، بل هو استثمار وطني يعود نفعه على الأسرة والمجتمع والدولة بأكملها.
بقلم ✏️
مي الفاضل