
“رانيا حسن”؛ ممرضة سودانية تعمل في المملكة العربية السعودية، وضعها القدر أمام امتحان عسير: إجراءات قضائية نتيجة خطأ طبي حكمت عليها بغرامة واجبة الدفع تجاوزت 800 ألف ريال سعودي. مبلغ مهول كان من الممكن أن ينهي حياتها العملية ويربك وضعها الأسري والاجتماعي.
في الحال، نهض الشعب السوداني العظيم، وبدأ الرقم الكبير يتهاوى.. وفي أقل من 24 ساعة، سجل نظام الكمبيوتر الرقم “صفر”، معلنًا استيفاء المبلغ المطلوب، وفك رقبة السيدة السودانية من حبل الدَّين المهول.
ثلاث زوايا للنظر:
الزاوية الأولى:
إرادة الشعب السوداني، عندما يعزم ويتوكل ويقرر ويعمل، تتحقق النتائج المذهلة – بإذن الله – وبأسرع مما يتصور أحد.
لكن: لماذا ينتظر شعب السودان أن تمطر السماء حلولًا لأزماته السياسية التي أسالت دماء الوطن، وحولت أهله الأعزاء إلى نازحين ولاجئين يتسولون العالم طلبًا للإغاثة الإنسانية لإنقاذ الجوعى في أرجاء السودان؟
بمثل الروح التي بلا تنظيم أو سلطات أو تعليمات جمعت هذا المبلغ الكبير في أقل من يوم، وتوحدت في هدف واحد؛ هو إنقاذ سيدة سودانية من ذل السجن وسوء المنقلب.. ألا يمكن أن تتحد إرادة الشعب السوداني لإنقاذ ملايين النساء والأطفال الذين يرزحون تحت سوط الذل والقهر والعيش الضنك؟
الذي فعله المتبرعون في قضية “رانيا” لم يأتِ عبر بيان سياسي لحزب، أو تحت قيادة ناظر قبيلة، أو شيخ طريقة صوفية، أو حتى سفارة أو حكومة.. وحده الشعب حدد هدفه، وعرف الوسيلة لتحقيقه، ثم انطلق بسرعة دون انتظار إشارة، وأحرز الهدف في شباك المحنة وانتصر عليها في الدقيقة الأولى من المباراة.
فلماذا لا يستلهم الشعب مثل هذه الروح في التعامل مع واقعه الدامي الراهن؟
بكل أسف، المشهد محيِّر ومربك. فبدلًا من وحدة الهدف، تحول الشعب إلى فريقين يتباريان في “اللا هدف”.. فريق ضد فريق، وحملات تلاسن وتلاعن وتراهن على لا شيء. ملايين الأطفال خارج العملية التعليمية منذ صباح السبت 15 أبريل 2023، بعضهم تحول إلى فاقد تربوي بضياع الأمل في اللحاق بقطار التعليم، بينما الشعب مشغول حتى النخاع بمعركة “كيزان – قحاتة”، والساسة ينفخون في الأزمة وهم آخر من يصطلي بنارها.
الزاوية الثانية:
حتمية التوسع في استخدام النظم الحديثة لإدارة الدولة.
النظم الإلكترونية التي تدير بها المملكة العربية السعودية أعمالها توفر سهولة كبيرة في حياة الناس، بل وترقي من قيم الخير، كما حدث في قصة “رانيا”. فقد لعب النظام القضائي الحديث دور البطولة؛ إذ يستطيع أي فرد الدخول إليه والمساهمة بما يستطيع في دفع الغرامة، وتظهر نتائج المساهمات بصورة فورية، مما يشجع ويزيد حماس المتبرعين وهم يرون الرقم الكبير يتناقص بسرعة.
الزاوية الثالثة:
أهمية وجود المؤشرات في كل الأعمال.
أكبر محفز لرفع حماس المتبرعين هو قدرتهم على رؤية “المؤشر” الذي يدل على التقدم في استيفاء مبلغ الغرامة.
نحتاج دائمًا لتحديد هدف، ثم وضع مؤشرات لبلوغه، وتوفير آليات متابعة تحدد التقدم أو التأخر في السير نحو الهدف. نحتاج إلى خطة استراتيجية للدولة، ومؤشرات أداء تحدد التقدم في التنفيذ، ثم أجهزة متابعة ورصد.
خذوا العبرة من قصة “رانيا”.
#حديث_المدينة الخميس 21 أغسطس 2025