مقالات

النور مساعد يكتب : يوغندا تعود إلى قلب الخرطوم: اختبار للعلاقة التاريخية بين الشعبين في زمن التحول

في مشهد يحمل الكثير من الدلالات الرمزية والسياسية، قام الملحق العسكري اليوغندي برفع علم بلاده فوق مقر السفارة اليوغندية بمنطقة بري في قلب العاصمة السودانية الخرطوم، بعد استلامها بصورة فعلية. هذه الخطوة لا يمكن قراءتها بمعزل عن عمق العلاقة بين الشعبين السوداني واليوغندي، والتي ظلت تمتد لعقود من التعاون والتنسيق، رغم ما مرّ به البلدان من تحولات سياسية وأمنية.

عودة الوفد اليوغندي لتفقد ممتلكات بلاده بالخرطوم، وعلى رأسها منزل السفير بحي المنشية، تأتي في وقت أصبحت فيه المدينة تشهد تحسناً أمنياً ملحوظاً بعد أن بسطت القوات المسلحة السودانية سيطرتها على الجزء الأكبر من العاصمة، وأعادت شيئاً من الاستقرار الذي افتقدته خلال الشهور الماضية من الصراع مع ميليشيا الدعم السريع.

وفي خطوة لافتة تعكس حجم الانتهاكات التي طالت البعثات الأجنبية، توجه الوفد اليوغندي إلى قسم شرطة الرياض لتدوين بلاغ جنائي ضد قائد ميليشيا الدعم السريع بموجب المادة 174 من القانون الجنائي السوداني، بتهمة سرقة ممتلكات السفارة، بما في ذلك خمس سيارات دبلوماسية وأثاثات مبنى السفارة والمنزل الرسمي للسفير. وهو تحرك غير مسبوق من دولة إفريقية تجاه طرف مسلح غير حكومي داخل السودان، ويعكس في جوهره استعادة لهيبة العمل الدبلوماسي، ورسالة واضحة بأن الفوضى لن تعني الصمت عن الاعتداءات.

الموقف اليوغندي، وإن بدا إجراءً قانونياً، إلا أنه يحمل بين طياته رسائل سياسية متعددة، أولها التأكيد على أن يوغندا لا تزال تعتبر الخرطوم شريكاً أساسياً في المعادلة الإقليمية، وأن حماية العلاقات بين البلدين تتطلب حضوراً فعلياً على الأرض، لا سيما في ظل تحركات دولية وإقليمية تعيد رسم خريطة النفوذ في السودان.

وإذا كانت عودة البعثة اليوغندية لسفارتها بالخرطوم تشكل اختباراً للأوضاع الجديدة في العاصمة، فإنها في الوقت نفسه تمثل تذكيراً بعمق العلاقة بين الشعبين، وهي علاقة قادرة على الصمود حتى في أشد لحظات الاضطراب. الخرطوم اليوم، وهي تبدأ في التعافي تحت راية القوات المسلحة السودانية، تستعيد شيئاً من عافيتها، وتفتح ذراعيها من جديد لحلفائها التاريخيين في القارة الإفريقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى