دوزنات .. دوزنات .. دوزنات إيهاب الأمين
*تطربني جداً المطربة مكارم بشير والتي استطاعت بأدائها المميز وصوتها الجميل وطريقتها العذبة أن تدخل قلوب الجماهير وتنال إعجابهم ، لكن طال الزمن أو قصر فإن الإعجاب سينزوي والصوت ستغيب ملامحه الجميلة ولن يستمر هذا النجاح الذي حققته المطربة مكارم لسبب بسيط هو أن مكارم عجزت عن تقديم أغنية واحدة تصل إلى الناس وتلفت الانتباه ، صحيح أنها تؤدي أغنيات الفنانين الكبار بطريقة رائعة وتفردت في أداء ألحان الفنان الراحل سيد خليفة لكن يبقى أن سيد خليفة هو صاحب هذا الإرث ويرتبط باسمه ولن يبقى لمكارم بشير غير أن يقول الناس إنها كانت تؤدي أغنيات سيد خليفة بصورة جيدة، ولكنها لو اجتهدت في البحث عن كلمات رصينة وألحان مميزة فإنها تكون قد سجلت اسمها بأحرف من نور في سفر الأغنيات السودانية ، خاصة وأنها قد نالت ثقة الشاعر الكبير الأستاذ هاشم صديق بأدائها الجميل لأغنية النهاية ، فما الذي يمنعها من أن تختار منه قصائد أخرى وتبحث عن ملحن يمتلك أدواته ليلبسها لحناً جميلاً يتناسب معها.
*حفظ التأريخ أسماء الفنانين الكبار ليس فقط لجمال أصواتهم وتميز أدائهم ولكن لأنهم قدموا أعمالاً جميلة ظلت خالدة عبر السنوات ، صحيح أن ترديد مطرب مبتدئ لأغنيات الفنانين الكبار المعروفة تفرضها الظروف والضرورة على المطرب في بداياته ليتعرف عليه الجمهور لكنها قطعاً لا تصلح للاعتماد عليها ، فإنتاج الأغاني الجديدة هي التي تكون شخصية الفنان الحقيقي وهي التي ستجعله يرتبط بالجمهور مهما حدث ومهما كانت متغيرات الزمن ، فكم من فنان صوته اختل بسبب عوامل العمر أو المرض لكنه بقى في قلوب الناس مصدراً لإسعادهم بأغنياته ، ولدينا تجارب وحكايات بهذا الشأن فقد كنت أناقش عمنا الفنان بادي محمد الطيب قلت له لماذا تكتفي بأغنيات الحقيبة وهي لن تجعلك فناناً تنافس الكبار باعتبار أن الناس عند ما يذكرونك سيقولون إنك كنت تردد أغنيات الحقيبة بطريقة مميزة فقط لا غير ، وكان رده غريباً وليس مقبولاً بالنسبة لي فقد قال إنه لم يكتفِ بأغنيات الحقيبة بل تغنى بأغنيات أحمد المصطفى وعثمان حسين وغيرهم ، ولم أرد أن أطيل معه النقاش لكنني مؤمن بأن صوته يفوق الفنانين الذين ذكرهم في الروعة والجمال والتطريب .
*وهنالك من يقلد فناناً بعينه فلا يستطيع الفكاك منه ، وهذا مشكلته أكبر لأنه حتى لو قام بعمل أغنية خاصة لن تخرج من إحساس الفنان الذي يقلده وستكون مسخاً شائهاً ليس له اتجاه ، ولي مع هؤلاء نقاشات كثيرة في حلقاتي الإذاعية والتلفزيونية ومن بين هؤلاء المطرب محمد زمراوي الذي لا يستطيع الخروج من عباءة الفنان الراحل أحمد الجابري فلو تغنى بأغنية لفنان آخر ستجد الجابري (متوهطاً) الأغنية ، ولا أنسى حلقة أجريتها مع مطرب من مدينة المناقل اسمه حسين حكمة يقلد الفنان أحمد المصطفى اجتهدت معه ليغني لفنانين آخرين في خطوة تليها خطوات ليغني أعماله الخاصة لكن أحمد المصطفى ظل في صوته وفي إحساسه حيث لا فكاك..
*إن الفنان الحقيقي هو الذي ينتج أغنيات رصينة كبيرة ويصبر عليها لأنه من المعروف أن الأغنية الكبيرة تحتاج أن يستمع إليها المرء أكثر من مرة ليطرب لها ومن ثم يحبها على عكس الأغنيات الخفيفة والضحلة التي قد تطرب الجمهور سريعاً لكنها سرعان ما تفقد مكانتها ويزول الإعجاب بها وتهوي إلى حيث لا قرار ، فالأغنيات الضعيفة مثل فقاعة الصابون تصعد عالياً لوهلة ثم تتلاشى في الأفق فلا تترك أثراً ولا ذكرى.
* وهنا يطل علينا اسم مطربة اسمها هالة عمر تغنى أغنيات متهافتة تعتمد على اللحن الخفيف ولا ترتكز على كلمات فكلماتها رديئة وضعيفة ومخجلة لكن خفة اللحن وما يحوي من لطف يوصل الأغنية بسرعة ويعطي المطربة شيئاً من النجومية وزيادة في (العدادات) ستتلاشى كل هذه الأشياء بنفس السرعة التي جاءت بها وستذهب هالة عمر إلى مدرج النسيان وستضيع جماهيريتها ونجوميتها المزعومة ما لم تصحح وضعها على عجل وتتعامل مع شعراء حقيقيين يقدمون لها نصوصاً غنائية جيدة وبعدها تبحث عن ألحان مناسبة لتخرج من الدوامة التي أدخلت فيها نفسها.
*وقد يتفق معي كثيرون أن هنالك فنانين كبار لم تكن أصواتهم بنفس تميز أغانيهم لكنهم دخلوا القلوب ووجدوا الحب والاحترام ودخلوا التاريخ من خلال الأغنيات الجميلة التي أنتجوها وعرفهم بها الناس ، فكانوا واستمروا عنواناً للعطاء وأصبحوا أسماء خالدة استحقت محبة الجماهير.