فيديو ادعاء سيطرة المليشيا على المصنع يتصدر “التايم لاين “.. (ويتا)… المسرح الأخير لأوهام الجنجويد
تقرير :رحمة عبدالمنعم
في السودان، حيث الحروب تحوّل كل شارع إلى حكاية، وكل مصنع إلى جبهة، يُعيد التاريخ كتابة نفسه بلحظات تمزج بين المأساة والفكاهة السوداء، واحدة من هذه اللحظات خُلدت في مصنع ويتا للدقيق بمدينة بحري، الذي بات رمزاً لمعركة حاسمة بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، حيث امتزجت الحقيقة بالكاميرا والرصاصة.
القصة تبدأ من فيديو أرادت به مليشيا الدعم السريع نفي هزيمتها، لكنها انتهت بتوثيق مأساة ساخرة ،في ذلك المشهد، لم تكن الكلمات مجرد عبارات مكررة، بل كانت جُملة مبتورة بصوت مرتزق يُدعى بيتر، ختمها قناص الجيش برصاصة قاتلة أكملت الحكاية بطريقة أكثر إقناعاً.
الوهم تحت المجهر
عندما وردت أنباء صحفية عن وصول الجيش إلى شارع الإنقاذ في بحري وسيطرته على مصنع ويتا، هرعت مليشيا الدعم السريع إلى نفي تلك الأنباء بكل الطرق، غرفة عملياتهم، التي باتت معروفة بتخبطها، قررت هذه المرة استخدام الكاميرا لتصوير “دليل ميداني” على بقائهم في المصنع.
ظهر في الفيديو ثلاثة من عناصر المليشيا يتحدثون بثقة زائفة.،قائد المجموعة بدأ حديثه بمحاولة إقناع المشاهدين بأنهم ما زالوا “متواجدين وبقوة”، كانت كلماته أشبه بنسخة مشوهة من بيانات النصر، خاصة عندما قال: “وللتأكيد على كلامي، أقدم لكم قائدنا بيتر!”
هنا، تقدّم بيتر إلى الكاميرا، وفي عينيه نظرة رجل يعتقد أنه يملك زمام الأمور ،لكن، في مسرحية عبثية كتبت نهايتها بندقية، لم يكن بيتر يعلم أن القناص الذي يراقب المشهد من بعيد هو الكاتب والمخرج لهذه الرواية.
الرصاصة التي أنهت الحكاية
بدأ بيتر حديثه بثقة زائدة، محاولاً رسم صورة مسيطرة للمليشيا. لكن، في لحظة لم تكن بالحسبان، قطع حديثه صوت رصاصة انطلقت من بعيد، لتخترق رأسه وتسقطه أرضاً أمام الكاميرا، المشهد كان مباشراً وصادماً: قائد مرتزقة يهوى بلا استئذان، ليترك رفاقه في حالة ذهول وارتباك.
الفيديو الذي كان يُفترض أن يكون أداة دعائية تحول في لحظة واحدة إلى دليل فاضح على وصول الجيش إلى المصنع وسيطرته عليه، لم يكن القناص مجرد منفذ للأوامر، بل كان رساماً للحقيقة بلغة الرصاص، في وقت عجزت فيه المليشيا عن إخفاء ضعفها.
غباء أم مغامرة؟
ما يثير التساؤلات هو كيف سمحت المليشيا لنفسها بالوقوع في هذا الفخ الإعلامي؟ تصوير فيديو في منطقة قتال يعجّ بقناصة الجيش ليس إلا استعراضاً يفتقر إلى أبسط قواعد الأمان، هل كان ذلك نتيجة الغرور أم سوء تقدير؟.
بيتر، الذي كان يُفترض أن يكون بطل الرواية، انتهى كضحية سذاجة قادته إلى الهلاك أمام الكاميرا، لكن العبث لا ينتهي هنا؛ عناصر المليشيا، بدلاً من الاعتراف بالهزيمة، اكتفوا بالانسحاب من المشهد دون أي محاولة لإنقاذ ما تبقى من روايتهم المزعومة.
درس في الصمت والرصاص
بينما اختارت المليشيا الصراخ بأكاذيبها، التزم الجيش الصمت. لم يكن بحاجة إلى تصوير مقاطع أو إصدار بيانات مطولة؛ لأن الحقيقة على الأرض كانت أبلغ من أي بيان، رصاصة واحدة، أصابت الهدف بدقة، كانت كفيلة بإسكات كل تلك الأصوات
القناص الذي أنهى حياة بيتر لم يُسقط مجرد قائد مرتزق، بل أسقط أيضاً مصداقية المليشيا ودعايتها ،وربما، في مكان ما، جلس ذلك القناص يشاهد الفيديو بعد انتشاره، متأملاً كيف تحولت رصاصته إلى مادة تُثير السخرية والفخر في آن واحد.
ما بعد شارع الإنقاذ
مصنع ويتا، الذي كان يوماً رمزاً للصناعة، أصبح الآن شاهداً على إرادة لا تُقهر. السيطرة على المصنع لم تكن مجرد خطوة عسكرية، بل إعلاناً واضحاً بأن الجيش قادر على إعادة صياغة المعركة لصالحه مهما حاولت المليشيا تغيير الحقائق.
هذا المشهد لم يكن مجرد انتصار ميداني، بل درس في كيفية إسقاط الوهم بسلاح بسيط ولكنه بالغ الأثر: الحقيقة، والحقيقة دائماً تقف مع من يملك الجرأة ليدافع عنها، حتى لو كان الثمن رصاصة تُطلق من مسافة بعيدة .
عبرة في دراما الحرب:
إن حادثة مصنع ويتا تلخص كثيراً مما يحدث في السودان اليوم، في زمن أصبحت فيه الكاميرا أداة للتزييف، أثبت الجيش أن بعض الحقائق لا يمكن أن تُطمس ،وبينما تواصل مليشيا الدعم السريع نشر أكاذيبها، يعلم الجميع أن الحقيقة قد وُثقت بالفعل، ليس بالكلمات، بل بالدماء
وفي النهاية، يبقى مصنع ويتا، وشارع الإنقاذ، وشجاعة القناص الذي أسقط بيتر، علامات فارقة في معركة تُكتب تفاصيلها بأحرف الصدق والإرادة.