في خطوة تكشف بوضوح تواطؤ داخلي وخارجي، دعا إبراهيم الميرغني، القيادي البارز في قوى تنسيقية”تقدم “، إلى “استرداد الشرعية المسروقة” في السودان ، ورغم أن هذه الدعوة كانت تبدو للوهلة الأولى خطوة سياسية تهدف إلى إعادة الأمل في أوقات الأزمة، الا ان التحركات التي تتبعها تنسيقية تقدم، ويعبر عنها ابراهيم الميرغني، تكشف عن نوايا خفية تتجاوز الأبعاد السياسية العادية، حيث بات واضحًا أن هذه القوى تعمل ضمن خطة إماراتية مدروسة تستهدف تقويض الحكومة الشرعية في بورتسودان واستمرار دعم مليشيا الدعم السريع التي تسببت في تدمير البلاد، وتشير مجمل تطورات العلاقة بين المليشيا وتقدم الى ان الطرفين قد اشهرا الان علاقة الزواج العرفي التى ظلت تربطهما منذ لحظة التخطيط للحرب وحتى اليوم.
الدور الإماراتي
ومنذ بداية الحرب في السودان، لعبت الإمارات دورًا محوريًا في دعم مليشيا الدعم السريع، سواء من خلال تزويدها بالأسلحة و تقديم الدعم اللوجستي المباشر، العلاقات بين الإمارات ومليشيات الدعم السريع، باتت معروفة للجميع، حيث قدمت الإمارات للجنجويد دعمًا غير محدود، بدءًا من الأسلحة وحتى المساعدات اللوجستية، وما يمكن اعتباره تواطؤًا غير خفي، هو أن الإمارات تعمل على خلق بيئة سياسية خاضعة لسيطرتها، وذلك عبر دعم قوى تنسيقية”تقدم ” التي تلتقي مصالحها مع مصالحها الاستراتيجية في السودان.
المحلل السياسي والخبير في الشؤون الإقليمية، د. أحمد يوسف، يقول: “من المؤكد أن الإمارات لم تقتصر على دعم مليشيا الدعم السريع بالأسلحة والمال فقط، بل إنها قامت بتوجيه هذه المليشيا لتكون الأداة الأساسية في تحقيق أهدافها في السودان، الإمارات لا تخفي دعمها لمليشيا تقتل وتدمر، بل تدفع بقوة نحو تصعيد الصراع، وتحاول خلق الظروف التي تسمح بترسيخ نفوذها عبر هذه القوى المسلحة.
واضاف يوسف :هذا الدعم الإماراتي أصبح جزءًا من المخطط الأكبر للهيمنة على السودان، حيث تسعى الإمارات إلى السيطرة على الموارد الاستراتيجية في السودان، مثل الموانئ والموارد الطبيعية في البحر الأحمر، وهو ما يجعل دورها في الحرب السودانية ذا أهمية استراتيجية كبيرة.
تنسيقية تقدم
وما يجعل تصريحات إبراهيم الميرغني أكثر إثارة للشكوك، هو أنه ليس مجرد شخص منفصل عن الأحداث التي تجري على الأرض، بل هو جزء من “تنسيقية تقدم” التي اجتمعت مؤخرًا مع عبد الرحيم دقلو،نائب قائد مليشيا الدعم السريع، في العاصمة الكينية نيروبي ،هذا اللقاء بين قيادات من “تنسيقية تقدم” وعبد الرحيم دقلو لم يكن مجرد لقاء عابر، بل هو جزء من تنسيق مشبوه يهدف إلى تشكيل “حكومة منفى” تحت مسمى “حل سياسي” مزعوم
الصحفي والناشط السياسي، عادل الطيب، يشير قائلاً: “للكرامة” “ما يحدث الآن هو تواطؤ علني بين قيادات في “تنسيقية تقدم” وعبد الرحيم دقلو، تحت إشراف إماراتي مباشر،الإمارات تدرك تمامًا أن مليشيا الدعم السريع فشلت عسكريًا في تحقيق أهدافها في الميدان، ولذلك فإنها تركز على الحلول السياسية البديلة، التي تضمن بقاء هذه المليشيا في السلطة عبر تشكيل حكومة منفى تكون بمثابة غطاء سياسي لبقاء الفوضى.
ويضيف : ما لا يمكن تجاهله هو أن هذا التشكيل الحكومي المزمع يتزامن مع إصرار الإمارات على تعزيز سلطتها في السودان، رغم أن الحكومة السودانية الشرعية في بورتسودان تسعى إلى استعادة الأمن والاستقرار في البلاد ،هذه الخطوة تأتي بعد أن فشلت مليشيا الدعم السريع عسكريًا في تحقيق أهدافها الميدانية ضد القوات المسلحة السودانية، مما دفع الإمارات إلى استخدام أدوات سياسية لضمان أن تظل مليشيا الدعم السريع جزءًا من المعادلة السياسية السودانية..
إضعاف الحكومة
إن فكرة تشكيل حكومة منفى، التي يروج لها إبراهيم الميرغني و”تنسيقية تقدم”، ليست مجرد دعوة لخلق حالة من التوازن السياسي ، بل هي أداة في يد الإمارات لمحاولة إعادة صياغة المشهد السوداني بما يتماشى مع مصالحها ،الحكومة الإماراتية تعمل على تحفيز قوى سياسية داخلية في السودان، على رأسها “تنسيقية تقدم”، لتوفير غطاء سياسي لمليشيا الدعم السريع بعد أن فقدت المليشيا قوتها العسكرية،ومن خلال هذا التواطؤ، تسعى الإمارات إلى خلق توازن سياسي جديد يضمن لها التأثير في قرارات السودان المستقبلية.
ويقول المحلل السياسي د. يوسف زين العابدين في تصريحاته” للكرامة”: “إصرار الإمارات على دعم هذه المليشيا رغم الفشل العسكري لها في الميدان يعكس أن الهدف من ذلك هو إطالة أمد الحرب وتدمير الدولة السودانية،حكومة منفى هي مجرد غطاء سياسي للمضي في المخطط الإماراتي لتقويض الشرعية السودانية وتمكين مليشيا الدعم السريع من الحفاظ على نفوذها في البلاد.
الخيانة الوطنية
بالتوازي مع الدعم الإماراتي للمليشيا، يبدو أن قوى “تنسيقية تقدم” بقيادة إبراهيم الميرغني، التي تستمر في الدعوة لتشكيل حكومة منفى، هي أداة تنفيذية أخرى في يد الإمارات لتنفيذ مخططها الإقليمي، إذ يبدو أن الميرغني وحلفاءه لا يدركون حجم الخيانة التي يرتكبونها بحق الشعب السوداني، حيث يساهمون في تمكين مليشيا الدعم السريع التي تواصل قتل السودانيين وتدمير وطنهم
الناشط السياسي عبد الله عثمان يعلّق قائلاً:” للكرامة” “قوى “تنسيقية تقدم” بما فيهم إبراهيم الميرغني، يقدمون أنفسهم كأدوات لتنفيذ مشروع إماراتي في السودان، إن دعمهم لمليشيا الدعم السريع وتبنيهم لمقترحات تشكيل حكومة منفى يعني أنهم يعملون ضد مصالح السودان ويمهدون الطريق لبقاء المليشيا في السلطة تحت غطاء سياسي
تدمير السودان
وتؤكد التحركات الأخيرة التي يقوم بها الميرغني و”تنسيقية تقدم” أن هناك توافقًا واضحًا بين هذه القوى والمليشيا المدعومة إماراتيًا. لا يمكن فصل الدعم الإماراتي الواضح للمليشيا، وأسلحتها، وعلاقاتها مع “تنسيقية تقدم” عن المساعي الإماراتية الهادفة إلى إضعاف الحكومة الشرعية في بورتسودان ،في الوقت الذي يواصل فيه السودان دفع ثمن الحرب والدمار، نجد أن بعض القوى السياسية تساهم بشكل غير مباشر في تنفيذ المخطط الإماراتي، الذي لا يخدم سوى مصالح خارجية على حساب حياة السودانيين وأمن بلادهم.
هذه الحقيقة الصارخة تتطلب من الشعب السوداني أن يتنبه لما يحيكه هؤلاء السياسيون من وراء ستار، إذ إن مصلحة السودان هي في استعادة السلام، لا في دعم مليشيا دمرت وطنًا.