للحقيقة لسان – رحمة عبدالمنعم – دوائر الزمان ودموع الحرب
كانت الحياة تضج بالألفة والرخاء، وكان أولئك الذين أغدقت عليهم الدنيا بنعيمها يحيون في عالم يُخيّل إليهم أنه لا يتغير ،رأيتهم يومًا يتصدرون المجالس، يحيط بهم وهج الثراء، وهم يتحدثون عن استثماراتهم وأملاكهم، كأنما الدنيا جُعلت لهم وحدهم ،لكن الحرب، تلك الريح العاتية، اجتاحت حياتهم كما تجتاح النار الحقول، فبدلت أحوالهم وغيّرت ملامح أيامهم
لقد عرفنا فيهم أثرياء كانوا يملكون المال والجاه، يتحكمون في مسار الأمور، وكان الكرم عنوانًا لتعاملاتهم، لكن الحرب، بعنفها وتبدل أحوالها، سلبتهم ما كانوا يظنونه ثابتًا، رأيناهم اليوم يقفون على أطلال ما فقدوا، بعيون تفيض بالحسرة وقلوب مثقلة بالأسى،كأنما هي رسالة من السماء، تقول لنا إن الدنيا دار امتحان، لا أمان لها ولا ثبات
في هذه الدنيا، تدور الدوائر، فتُعطي من تشاء وتَسلب من تشاء ،كم من ملياردير كان يملك كل شيء، فأصبح بسبب الحرب لا يملك شيئًا ،وكم من شخص ظن أن المال حصنه الحصين، فإذا به يرى هذا الحصن ينهار أمام أعينه، إنها حكمة الله، يرسلها لنا في أوجاع الحرب، لنتذكر أن ما بين الغنى والفقر، والأمن والخوف، مجرد لحظة
ورغم قسوة المشهد، فإن من يتأمل في تبدل الأحوال يجد فيها دعوة للإصلاح الداخلي ،ليس الغنى في المال، بل في الأخلاق والإيمان، ومن يتزود منهما، فلن يخشى الفقر أبدًا، إن ما تفعله الحروب بنا هو امتحان لصبرنا، لكنها أيضًا فرصة للبدء من جديد؛ لترميم ما تهدم داخلنا قبل ما تهدمه النيران حولنا
وكم تمنيت أن تكون هذه الحرب درسًا لنا جميعًا، أن نبتعد عن الغرور والأنانية، وأن نتعلم معنى العطاء الحقيقي ،لا مما أفاض من أموالنا، بل من قلوبنا ،فما أجمل أن تكون غنيًا بالنقاء، وإن كنت فقيرًا بالمال ،وما أعظم أن ترى في كل تبدل حكمةً تُقربك من الله، فتدرك أن السعادة الحقيقية ليست في ركام الدنيا، بل في سلام الروح ورضا الخالق
رسالتي إلى من بدلت الحرب أحوالهم: هذه الدنيا ليست دارًا للخلود، هي اختبار لإيماننا وصبرنا ،ما ذهب قد يعود، وما فقد قد يُعوَّض، لكن الأهم أن نتعظ من دروسها، إذا كانت الحرب قد سلبت المال، فلا تدعها تسلب منك الأمل، وإذا ضاقت الدنيا، فتذكر أن السعة قد تأتي بعد الضيق
لنتذكر جميعًا، في هذه الأيام العصيبة، أن الدنيا مهما أعطتنا، فهي ليست إلا أمانة مستردة، وأن دوران الأيام يعيد ترتيب كل شيء، فلا نغتر بالنعيم ولا نجزع من المحنة، فما الدنيا إلا رحلة قصيرة، وأهم ما فيها أن نخرج منها برضا الله، لا بالثراء الذي يتبدد في لحظة.