منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
مقالات

يوسف عبد المنان يكتب :هل تدفن قرارات كرتكيلا ؟

1️⃣
القرارات الأخيرة التي اتخذها وزير ديوان الحكم الاتحادي المهندس محمد كرتكيلا لم تأتي من تلقاء الوزير، الذي لايعدو دوره كمخرج فقط، لمسرحية من ورائها نخب متنفذه في مسرح الحكم، وآخرين من وراء ستار، لايمكن رؤيتهم لعامة الشعب، هؤلاء جميعاً يتربصون بالحكم الاتحادي، أو الفيدرالي أو الأقليمي وكل من الأنظمة الثلاثة تعني كف يد المركز عن التدخل في شئون الولايات، وفرض وصايته على تلك الولايات، وتجريدها من كل السلطات، ومركزة السلطة في العاصمة، وبيد عصبة متنفذة، تعتبر نفسها وصياً على خيارات الناس، وتحتكر المال، ومنذ سقوط نظام الإنقاذ، الذي جاء بالحكم اتحادي بين القبض والبسط، مرت التجربة بعثرات واشراقات، ولكن كان هناك حكم فيدرالي نالت فيه الولايات علي قدر من الاستقلالية النسبية، ولكن ظل المركز قابضاً على المال، مقتراً استقلالية الولايات. ولكن منذ 2019م بدأ التراجع عن الحكم الفيدرالي وتم إلغاء دساتير الولايات، وإلغاء منصب المحافظ أو المعتمد، واستبدلوا بالضباط الإداريين، مما أضعف السلطة في الولايات، وبدأت مرحلة السيولة التنفيذية، وتم إلغاء قانون الحكم الاتحادي، وبات الولاة يستمدون صلاحياتهم من قانون الطوارئ، ولجنة أمن الولاية، واخيرا جاءت كارثة تعيين الضباط الإداريين التي أضعفت الولايات، وتفشي الفساد المالي والأخلاقي، وأصبحت شخصية الوالي باهته، واخيراً قررت الحكومة المركزية إصدار القرارات الشائهة، بتقليص الوزارات إلى ثلاثة فقط لاغير !! اختلطت فيها المهام والإختصاصات بطريقة معيبة جدا، حيث ادمجت الوزارات الاقتصادية في الخدمية، وصار وزير التعليم في الولايات مسؤولاً عن توزيع الأراضي!! بدلا من توزيع الكتاب المدرسي، وحفر آبار مياه الشرب والصرف الصحى. وادمجت الماليه في الزراعة والثروة الحيوانية !! واختلط حابل الخدمات بنابل الاقتصاد. وكل ذلك تحت ذرائع مثل خفض المصروفات الحكوميه بسبب الحرب، وهي ذريعة بائسة مثل قميص عثمان، الذي رفعه الرئيس المصري جمال عبد الناصر ومن بعده السادات، لاصوت يعلو فوق صوت المعركة. والان تستخدم ذريعة الحرب للقضاء على الحكم الاتحادي، بأن يصبح الولاة مجرد موظفين في خدمة المركز وتعود السيطرة القديمة حينما كان تصديق قيام طاحونة في كالوقي يتم بتصديق من وزير التجارة الاتحادي في الخرطوم!! وقيام روضة أطفال في سنكات من سلطات الحكومة المركزية في الخرطوم.!!
.
2️⃣
ليس مستغربا أن يسعى المركز لإعادة عقارب الساعة للوراء وإلغاء الولايات نفسها، ولكن أين هي حركات الكفاح المسلح التي ظلت تدعي وترفع شعارات الحكم الفيدرالي، *بل أين حزب كرتكيلا أو حركته التي جاءت به من البدو إلى قصر التأمينات الاجتماعية المنيف في بورتسودان؟!!*، وهي التي وقفت ألف أحمر في مفاوضات جوبا، وطالبت بإقليم إلى جبال النوبة، وإقليم للنيل الأزرق، وتعين أو اختيار حكام لتلك الأقاليم من أبنائها، لإدارة تلك الأقاليم، ولكن بكل أسف في أول اختبار حقيقي لفحص الشعارات البراقة سقطت الحركة الشعبية في امتحان الضمير، واكتفت بأكل نصف التفاحة وترك النصف الاخر. أسست حركة مالك عقار لحكم فيدرالي وجد الرضا من أهل النيل الأزرق، ووحدت حكومة الجنرال أحمد العمدة – كما يتحدث بذلك أهل النيل الأزرق – سكان الإقليم في حكومة بها كل مكونات الإقليم، دون إقصاء لقبيلة أو شخص على أساس الانتماء السياسي السابق، وحققت قدر من الحكم الإقليمي في انتظار الحكم الإقليمي الحقيقي، بانتخاب الحاكم من الشعب، وانتخابات المحافظين ولجان الأحياء، وحتى ذلك الحين، ماشأن كرتكيلا أو الذين من وراء كرتكيلا بعدد الوزارات في الدمازين؟ ولكن حزب كرتكيلا اكتفي من إقليم جبال النوبة بنائب والي فقط، وترك بقية السلطة لحكومة بلا طعم وبلا رائحة، ورغم تقديرنا ودعمنا للوالي الذي صمد في كادقلي وعاش ظروف صعبة مع أهلها، ولكن الوالي الذي لايشعر بقيمة رموز الإقليم ولايحترم من سبقوه لمنصب الوالي، وظل يسجن نفسه في مساحة ضيقة، لن ينقذ جبال النوبة من الحصار الذي فرض عليها، وذات الأمر تكرر في غرب كردفان حيث أسندت الحركة لابن المنطقة آدم كرشوم منصب نائب الوالي، ولكنه ملأ المقعد الذي شغر، ولو كان كرتكيلا وصناع القرار يقدرون جهد الرجال لأنصف كرشوم الذي يقود الآن بنفسه ترتيبات إعادة تحرير غرب كردفان التي ماكان لها أن تسقط أغلب محلياتها لو كانت بها سلطة حقيقية من مستوى الحاكم، وحتى المحليات، ولكن الولاية تُركت في السهله، وجاء المركز بولاة ضعاف فاسدين أكلوا أخضرها ويابسها، ومما يسجل في دفتر حسنات كرشوم انه يخوض في بورتسودان معركة استرداد حقوق الولاية على المركز، بما تجاوز ال300 تريلون جنيه سوداني، هى متأخرات نصيبها من البترول، ولكن الحكومة المركزية لاتطيق الولاة الأقوياء، وتريد والي ضلول وضعيف ومطيع لها، تُملي عليه ماتريد،
وإذا الأمر كذلك في النيل الأزرق وجبال النوبة، فكيف يحكم مني اركو مناوي إقليم دارفور؟ وهل لكرتكيلا سلطة على حكومة الإقليم توجهها حيثما أراد المركز، الذي لو كان حريصاً على خفض نفقات الحكم لقيد السفريات الخارجية وأوقف الصرف البزخي والاحتفالات في زمن الحرب، ولحدد سقفاً لسكن الوزراء في الفنادق، واتخذ إجراءات بناءً على تقارير الأمن الاقتصادي، عن الفساد في الدولة. ولكن الحكومة سلطتها على الولايات المسكينه فقط

3️⃣
فجعت البلاد في بحر الأسبوع المنصرم برحيل أحد فرسان القوات المسلحة، ورمز اجتماعي كبير، وانسان أسعد الدنيا بجمال خصاله، ونثر الفرح في المجالس، وأعطى من ماله حتى نفدت خزائن شركاته، إنه الراحل يوسف سعيد المشهور (بالكو) في مجالس السودان وهو رجل بلا خصومات، وانسان بلا أحقاد، وقيادي انسان يهرع لعلاج المرضى، ويواسي جراح المكلوم، وبرحيل يوسف سعيد بقاهرة المعز غاب نجم كبير،
واشتد علينا الحزن.
وصيفنا قصر ليله، ونهاره امتد.
وكما يقول الراحل الفكي بقادي حينما تفجع بطن من بطون الحوازمة في رحيل أو فقدان أحد رموزها بأن( عجالهم رضعن) وعندما ترضع العجول لبن أمهاتها لاتجد عرب البادية مايسد رمقها وبرحيل الكو الحوازمة (عجالهم رضعن) غاب الكو ازرق طويل الباع، وانفض سامر لقاءات الأحبة، وأصحاب الحاجات، وبيته بالخرطوم اثنين مشرع الباب، تدخله في الصباح وتخرج في المساء، وزوجته الصابر الانسانة إقبال سومي تصنع الكسرة والعصيدة والفول والكبسة بنفسها لضيوف لاينقطع سيلهم، ولا يخلو مجلس الكو من قادمٍ من اطراف المدن، والأحياء الفقيرة، يبث شكواه ويعود مبتسماً لأسرته. كان يوسف سعيد الكو أجواداً كريماً، يقضي سحابة يومه في حل مشاكل الآخرين، لايستنكف أن يأتيه من يطلب جنسية أو رقم وطني أو جواز سفر أو يبحث عن علاج ودواء، أو طالب يرغب في فرصة تعليم، أو طالبة تريد تأشيرة لتجتمع شمل أسرتها. وكل وقت يوسف الكو في خدمة الناس، وقضاء حوائجهم في صمت، وصبر، وعرف بالعلاقات الرأسية بالسلطة منذ عهد مايو، وحكومة الصادق المهدي وانتهاء بعهد الإنقاذ الذي صار فيه قريباً من دنافع على نافع، ومن الرئيس البشير، الذي رفعه لرتبة الفريق تقديراً وتكريماً لخدمته الطويلة الممتازة، حينما تخرج ابنه الوحيد المعز من كلية الطيران في الأردن وحضر والده يوم تخرجه وابنه يطير في الفضاء ذرف الدموع فرحاً بثمرة غرسه يوم الحصاد.
كان يوسف الكو باراً بأهله في منطقته، ومسقط رأسه مدينة الكويك شمال شرق كادقلي، فأطلق اسم الكويك على شركته التي تعمل في مجال التصدير والاستيراد، وبعلاقاته الواسعة شيد مدرسة ثانوية في مسقط رأسه، وكان ليوسف افضال علي أبناء جميع السودان وكردفان خاصة، وجبال النوبة على وجه الدقة.
رحل الكو في القاهرة وتركنا في صقيع الحياة الصعبة، وبقيت ذكريات الكو في مجالس الإنس لايمل الناس سماعها. وتبكي الكو مقل الرجال قبل النساء..
*رحل أسد الجبال المنو الخصيم متورع..*
*بقدل بالمكارم وبالنصر مدرع..*
*وادي تيسي الساقي البلد مترع..*
رحل يوسف الكو ورحلت معه قيم وأخلاق ومروءة، ورقة احساس، وومضة خاطر، ولتبكي رزاز على أب بكى عليه الرجال قبل النساء.
حقا الموت يختار الأخيار.
*[إنا لله وإنا إليه راجعون]*
✒️ يوسف عبدالمنان.
30توفمبر 2024م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى