صحيفة كولومبية تكشف تفاصيل مقتل جنود متقاعدين في ظروف غامضة بالسودان … مرتزقة كولومبيين بالسودان..المهمة الغامضة
تقرير :رحمة عبدالمنعم
أثار مقتل ثلاثة جنود كولومبيين متقاعدين وإصابة أربعة آخرين في السودان جدلاً واسعاً حول تورط شركات عسكرية خاصة في النزاعات المسلحة الإفريقية ،صحيفة “سيمانا” الكولومبية نشرت تقريراً مفصلاً يوضح ظروف مقتل الجنود، الذين يُعتقد أنهم كانوا يعملون لصالح مليشيات الدعم السريع، وسط غموض يلف تفاصيل مهمتهم والجهة التي كلفتهم بها
تفاصيل الحادثة
وكشفت صحيفة “سيمانا” الكولومبية في تقرير لها عن مقتل عدد من الجنود الكولومبيين المتقاعدين في كمين على طريق صحراوي بين السودان وليبيا، وأفادت الصحيفة بأن الجنود قُتلوا برصاص قوات مشتركة تابعة لحركات دارفور، وسط ظروف غامضة تسببت في حالة من القلق لعائلاتهم التي تعاني نقص المعلومات
وذكرت الصحيفة أن هؤلاء الجنود تم تجنيدهم قبل شهر من قبل شركة خاصة متخصصة في استقدام أصحاب الخبرة العسكرية لتنفيذ مهام سرية خارج كولومبيا ،وأفادت مصادر بأن المجموعة كانت تعمل في مهمة سرية داخل السودان الذي يشهد حرباً، حين انتشرت أنباء عن مقتل ثلاثة وإصابة أربعة آخرين
أحد أقارب العريف دييغو إديسون هيرنانديز، الذي وردت أنباء عن مقتله، أوضح لـ”سيمانا” أن العائلة أُبلغت بوفاته دون تفاصيل واضحة. وقال: كان مشغلاً للطائرات بدون طيار وأخبرني أنه وصل إلى السودان عبر دبي، لكنه لم يوضح طبيعة مهامه هناك. المعلومات المقدمة من الشركة ضعيفة جداً ولا نعرف ما إذا كان متورطاً في عمليات قتالية أو مهام أخرى
وأشار قريب هيرنانديز إلى أن حالته ليست الوحيدة، إذ أفادت تقارير بمقتل جنديين آخرين وإصابة أربعة بينهم ضابط وأضاف: تلقينا معلومات تفيد بأنهم تعرضوا لهجوم بقنبلة أوقعت قتلى وجرحى. قلقنا الآن يتمثل في كيفية استعادة جثة قريبنا، ونأمل أن تساعدنا الحكومة في ذلك
الصحيفة أشارت إلى أن عائلات الجنود تواجه ظروفاً صعبة بسبب نقص المعلومات، مما يزيد من حالة عدم اليقين التي يعيشونها
شبكات دولية
ويقول الصحفي محمد عبد الجليل، المختص في شؤون النزاعات المسلحةلـ”الكرامة”:
“ما حدث مع الجنود الكولومبيين ليس معزولاً؛ مليشيات الدعم السريع منذ سنوات تعتمد على مقاتلين أجانب لتعزيز قواتها،هؤلاء المرتزقة يُجندون عادة من دول تعاني من مشاكل اقتصادية، مثل كولومبيا، حيث يُقدم لهم وعود بمبالغ مالية كبيرة”
وأوضح عبد الجليل أن شركات التوظيف الخاصة أصبحت وسيلة سهلة لتأمين هذه الخدمات، مستغلة ضعف الرقابة الدولية وعدم مساءلة الأطراف المتورطة في مثل هذه العمليات وأضاف:تجنيد الجنود السابقين في النزاعات الأفريقية يزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية والسياسية، ويُحوّل هذه الحروب إلى مصدر دخل لشبكات دولية تستفيد من استمرار الحرب”
الشركات العسكرية
ويرى المحامي والخبير القانوني طارق الزين أن الحادثة تعكس الجانب المظلم للشركات العسكرية الخاصة، التي تعمل خارج نطاق القوانين الدولية وقال الزين لـ”الكرامة”:توظيف المرتزقة عبر شركات خاصة يُعد انتهاكاً للقوانين الدولية، خاصة أن هؤلاء الأفراد يُزج بهم في صراعات لا تربطهم بها أي علاقة وطنية أو أخلاقية ،في حالة الجنود الكولومبيين، يبدو أن الشركة التي جندتهم لم تلتزم بتقديم معلومات واضحة عن طبيعة المهام، مما يُعتبر تضليلاً لعائلاتهم
وأضاف الزين أن المجتمع الدولي يجب أن يتدخل لضبط نشاط هذه الشركات التي تعمل غالباً تحت غطاء السرية، مما يجعل محاسبتها أمراً معقداً. وأشار إلى أن السودان أصبح ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، مع تزايد وجود المرتزقة الذين يعززون من عسكرة الصراع
التداعيات الأمنية
الباحث في الشؤون الإفريقية إسماعيل فضل الله أشار إلى أن الحادثة تكشف عن خطورة تدويل الحرب في السودان. وقال:وجود مرتزقة أجانب، مثل الكولومبيين، يُشير إلى أن الحرب في السودان لم تعد محلياً فقط، لأن مليشيات الجنجويد أصبحت تستعين بخبرات دولية لتحقيق مكاسب ميدانية، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي.”
وأضاف فضل الله لـ”الكرامة”أن تجنيد المرتزقة لا يخدم سوى إطالة أمد الحرب، مشيراً إلى أن شركات التوظيف الخاصة أصبحت طرفاً خفياً في معظم الحروب الأفريقية. وأكد:
“كلما تدخلت أطراف أجنبية في حرب داخلية، زادت الصعوبات في التوصل إلى حلول سياسية، لأن اللاعبين الدوليين غالباً ما تكون لهم أجندات لا تتفق مع مصلحة الشعب السوداني
عائلات الجنود
عائلات الجنود الكولومبيين الضحايا تواجه مأساة إنسانية صعبة ،قلقهم الأكبر يتمثل في كيفية إعادة جثامين أحبائهم، وقال أحد اقارب الجندي هيرنانديز الذي وردات أنباء عن مقتله : الشركة التي جندته لم تقدم لنا أي معلومات دقيقة، لا نعرف كيف يمكننا استعادة جثمانه، نعيش حالة من الغموض والقلق، ونناشد الحكومة الكولومبية التدخل ومساعدتنا في هذا الوضع المأساوي.
لذلك حادثة مقتل الجنود الكولومبيين في السودان تسلط الضوء على الدور الخطير للشركات العسكرية الخاصة في إشعال الصراعات وتدويلها، ومع استمرار الحرب في السودان، يبدو أن الوضع يتجه نحو مزيد من التعقيد، مما يتطلب تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي لضبط أنشطة المرتزقة وضمان حماية المدنيين المتأثرين