تفتح مشاركة السودان في منتدى التعاون الصيني الأفريقي خلال الفترة من 4 – 6 سبتمبر الجاري الباب على مصراعيه على العلاقات الصينية السودانية الممتدة والمتأرجحة بين المصالح الاقتصادية المشتركة وبين الهموم والإشكاليات الاستثمارية ومواقف الصين تجاه الأخيرة، فيحمد للصين بأنها من أوائل الدول التي مدت يديها للسودان وساعدته في استخراج النفط في تسعينيات القرن الماضي عبر اتفاقيات ثنائية بين الحكومتين وغيرها من اتفاقيات التعاون الثنائية التي وقعها الجانبان في الأعوام الماضية.
وتعتبر الصين من أكبر المستثمرين في السودان، حيث تعمل 130 شركة صينية في قطاعات البنية التحتية كالنقل والكهرباء والإنتاج كالزراعة، ولديها حصة سوقية تزيد على 50 بالمئة في الأعمال المتعاقد عليها.
وبحسب احصائيات رسمية فإن حجم التبادل التجاري بين الخرطوم وبكين وصل إلى 11 مليار دولار قبل انفصال الجنوب.
وأُنشأ منتدى التعاون الصيني الأفريقي في عام 2000 وصندوق التنمية الصيني الأفريقي في عام 2006، تعمقت العلاقات الاقتصادية بين الصين وأفريقيا بشكل كبير. على مدى العقدين الماضيين.
ويبحث منتدى التعاون الصيني الأفريقي هذا العام فرص ومجالات التعاون المشترك بين الدول الإفريقية والصين، وستتضمن أعمال المنتدى أربعة اجتماعات رفيعة المستوى حول حوكمة الدولة، والتصنيع والتحديث الزراعي، والسلام والأمن، فضلاً عن التعاون عالي الجودة في إطار مبادرة الحزام والطريق. ويتضمن جدول أعمال القمة المؤتمر الثامن لرواد الأعمال الصينيين والأفارقة، وستعتمد القمة أيضاً وثيقتين ختاميتين، إحداهما إعلان والأخرى خطة عمل، لبناء توافق كبير بين الجانبين ورسم مسار لتنفيذ التعاون الصيني – الإفريقي عالي الجودة في الأعوام الثلاثة المقبلة.
ويشارك السودان في المنتدى بوفد عالي المستوى برئاسة رئيس مجلس السيادة، الفريق عبد الفتاح البرهان
وبحسب إعلام وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي السودانية، عقدت الثلاثاء ببكين أولى جلسات المؤتمر الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصينى الأفريقي، ويشارك وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، د. جبريل إبراهيم، ووزير الخارجية المكلف حسين عوض علي، ضمن وزراء المالية والخارجية الأفارقة والصينيين في المؤتمر الوزاري الذي يعنى بالتحضير لأعمال قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي التي تنعقد ببكين في السادس من سبتمبر الجاري.
ووفقا لوكالة شينخوا الصينية للأنباء فإن السودان يتوقع عودة الشركات الصينية للاستثمار بالبلاد وإجراء الأعمال التجارية في الوقت المناسب والمشاركة بنشاط في إعادة إعمار البلاد بعد الحرب.
وكشف وزير النفط والطاقة السوداني، محي الدين النعيم سعيد، في مقابلة مع وكالة أنباء الصين الجديدة نشرته اليوم عن عزم بلاده لانشاء خطوط نقل بين الولايات خاصة في منطقة دارفور لتوسيع تغطية الشبكة الكهربائية الوطنية.
وقال النعيم إن “قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك) 2024 تشكل منصة مهمة للصين وأفريقيا لتنفيذ تعاون عملي وفعال وبناء مجتمع رفيع المستوى بمصير مشترك.”
وأوضح أن قمة التعاون بين الصين وأفريقيا من المتوقع أن تواصل توسيع الاستثمارات الثنائية والتجارة في القطاعات التقليدية، بما في ذلك البنية التحتية والزراعة.
وأكد الوزير السوداني رغبة بلاده في بناء شراكة مع الصين في مجالات النفط والكهرباء.
ويرى الخبير الاقتصادي، د. محمد الناير أن الصين تهتم بأفريقيا اهتماما كبيرا وتعد أن القارة الأفريقية من أهم القارات التي تتمتع بموارد طبيعية ضخمة.
وقال “الصين تؤمن على أن السودان هو أبرز دولة في هذه القارة وليس الصين وحدها التي ترى ذلك”
وتابع الناير في حديثه مع (المحقق) أن هنالك صراعا يمتد بين الصين وروسيا من جهة وهو تكتل بيركس وهو قوة اقتصادية ناهضة ومن جهة أخرى هنالك الغرب ممثل في أمريكا أوروبا.
ولكن الناير يرى بأن ما يؤكد نجاح النموذج الصيني في أفريقيا أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، فالصين حتى هذه اللحظة على حد تعبيره لم تعلن أي تدخل في الشأن الداخلي لأي دولة، بل دائما تجري اتفاقيات تجارية تبنى على المصالح المشتركة دون التدخل في الشأن الداخلي وهذا ما يميز الصين دون غيرها وما جعلها تدخل أفريقيا من خلال استثمارات وتبادل تجاري وتعاون مشاركة.
وكشف أن الصين لديها مشروع كبير وضخم لا تتنازل عنه، وهو مشروع طريق الحرير وترغب في تنفيذ هذا المشروع الذي سيغير مسار حجم التجارة على مستوى العالم.
واشار إلى أنه رغم الظروف التي يمر بها السودان من حروب وغيرها سيكون هنالك اهتمام كبير جدا بالسودان في هذا المنتدى، وتوقع الناير توقيع اتفاقيات للاستثمار في الولايات الآمنة خاصة أن الصين نواياها الآن ليس النفط فقط، ولكن هنالك مجالات أخرى تشمل المعادن والإنتاج الزراعي وهذه المجالات متاحة الآن في عدد من الولايات المستقرة.
وأكد على أنه لن تكون هنالك عوائق في إبرام اتفاقيات على الاستثمار سواء كان إحياء الاستثمار في قطاع النفط مرة اخرى أو قطاع التعدين أو الزراعة أو غيرها من المجالات الأخرى، خاصة وأن السودان هو محور أساسي في قطاع الحرير وسينال اهتماما كبيرا جدا في هذا الاتجاه.
أما بشأن المديونيات السابقة للصين على الحكومة السودانية فإن الناير يرى أن هذه المديونية لن تكون حجر عثرة ولن تقف عائقا أمام الصين، فالصين تعرف كيف بإمكانها جدولة هذه المديونيات مع السودان بالإضافة إلى إمكانية دخولها في استثمارات جديدة يمكن تعويض هذه المديونيات بصورة مبرمجة، فإذا تمت أي استثمارات في مجال النفط أو المعادن مبنية على قيمة الانتاج، يمكن للسودان سداد المديونيات من نصيبه.
وتوقع الناير عودة الاستثمارات الصينية بقوة للسودان لما له من مزايا وموارد وموقع استراتيجي رابط بين الدول العربية والقارة الأفريقية، فضلاً عن وجوده على ساحل البحر الأحمر بما يؤكد أهمية السودان جغرافيا واستراتيجيا.
بدوره أكد الصحفي المتخصص في الشؤون الصينية، محمد عبد العزيز أن العلاقات الاقتصادية بين الصين وإفريقيا تشهد تطوراً متسارعاً في السنوات الأخيرة، وأوضح عبد العزيز سعي الصين إلى تعميق التكامل الاقتصادي مع الدول الأفريقية من خلال مبادرة الحزام والطريق.
وأشار في حديثه مع (المحقق) أن هذه المبادرة أدت إلى زيادة الاستثمارات الصينية في البنية التحتية الأفريقية، وتعزيز التجارة البينية، وتوسيع التعاون في مجالات الطاقة والتعدين. وتجاوز حجم التجارة الثنائية العام الماضي 282 مليار دولار.
ونبه إلى أن النمو المتسارع في التجارة الثنائية والتكامل الاقتصادي بين الصين وإفريقيا بات واقعاً ملموساً.”
وقال عبد العزيز إن مشاركة السودان في منتدى التعاون الصيني الأفريقي تهدف لتعزيز العلاقات بين البلدين في ظل ظروف عصيبة يمر بها السودان، فضلاً عن أنها مناورة استراتيجية وتلويح بالتحول لمعسكر الصين وروسيا في ظل عدم توفر الدعم اللازم لإنهاء الحرب.
وتابع إن “السودان يتطلع لدعم صيني اقتصادي وإبرام اتفاقات تمويلية،
إلا أنه كشف عن صعوبات تتعلق بموقف الصين من ديون السودان وعدم إحراز تقدم في هذا الملف منذ الحكومة السودانية السابقة خاصة بعد انتهاء أجل عقود النفط وعدم تجديدها،
وأشار إلى أن الجانب الثاني يتعلق بتعقيدات الصراع خاصة بالنسبة للاستثمارات الصينية النفطية، فضلاً عن صعوبات تقنية تتعلق بزيادة الإنتاج والتوسع في الاكتشافات النفطية.
غير أن عبد العزيز يوافق الناير في أن الذهب هو كرت السودان الرابح في هذا الشأن