عمر باسان يكتب – حميدتي ومستنقع الجزيرة
كيف لنا أن نقرأ تصريحات قائد المليشيا الإرهابية المتمردة “حميدتي”، إلى “سودان تريبون” مؤخرا، والتي قال فيها إن قواته التي تحركت نحو ولاية الجزيرة، وعاثت في الأرض فسادا، ونهبا وسرقة واغتصابا، أنها تحركت بدون علمه ومشورته، وأنها قوات متفلتة؟ هل يشير ذلك إلى وجود فجوة كبيرة بين قيادة المليشيا وقواتها على الميدان؟ أم بسبب غيابه شخصيا وفقدانه السيطرة على قواته؟ وذلك كما ذهب البعض، ومنوا أنفسهم بأن تكون تلك بداية النهاية للمليشيا المتمردة، في ظل ما تعانيه من انقسامات، وضعف في مواردها المالية، أو تراجع لمن يقف وراءها من القوى الإقليمية والدولية!! .. هذه رؤية من وجهة نظري يغلب على كثير منها الأمنيات أكثر من أن يصدقها الواقع على الأرض.
يمكننا قراءة تصريحات قائد المليشيا الإرهابية المتمردة بصورة مغايرة تماما لذلك، فقائد المليشيا لا يتحدث اعتباطا، كما يُنظر إليه في كثير من الأحيان، فمن حوله الكثير من المستشارين وأصحاب الخبرات من الداخل والخارج، الذين يقدمون له النصح، ويزينون له أفعاله وأقواله، كما حدث من صبية (قحت) أو (تقدم) في ثوبها الجديد، في أديس أبابا، وهو يخاطبهم من علٍ، وهم يضحكون لضحكاته، ونكاته السمجة، التي كانت محل سخريتهم في يوم من الأيام، وكان عدوهم الأول أيام الاعتصام، قبل أن تتغير المعادلة، وتنتفخ جيوبهم وأوداجهم من المال الحرام.
فمن كنا نظن أنه مجرد راعي إبل استطاع أن يحقق انتصارات سياسية وعسكرية مقدرة على جهاز الدولة الحالي، وأن يعطل كل أجهزة الاستشعار لديها، بل وأن يخترق بعضها. ويعود ذلك إما بسبب سوء تقدير منها لحجم قواته، وطبيعة نواياه وتطلعاته، أو عدم إدراكها لحجم علاقاته الدولية، وتقاطع أجندتها مع من يضمر الشر للبلاد وأهلها، بل وطبيعة تحالفاته الداخلية مع (قحت) وأعوانها، وانعكاساتها على المشهد السياسي، وكيف استطاع قائد المليشيا أن يستغلها لتحقيق أهدافه، رغم أنهم يظنون العكس للأسف الشديد، أو عبر شرائه لذمم الكثيرين، من المدنيين والعسكريين على حد سواء كما تتحدث مجالس المدينة، أو عبر تحركاته العسكرية على الأرض وإعادة تموضعها على الأرض قبل الحرب، التي لم تجد من يوقفها عند حدها..
الرجل يدرك ما يقول، وليس كما يراه البعض، ولديه من المستشارين من الداخل والخارج الذين يعينوه على تحقيق الأجندة الموضوعة، والتي تتجاوز بطبيعة الأحوال قدرات حميدتي وإمكاناته.
وعندما يتحدث قائد المليشيا عن أن قواته وصلت إلى ولاية الجزيرة دون مشورة معه، وبدون توجيهات منه، فلا يعني هذا أنها قوات متفلتة كما يريد أن يذهب إليه عقل البسطاء، أو أنه فقد السيطرة عليها كما يدعي، بل أعتقد جازما، أنه لا يريد دفع التكلفة العالية الأخلاقية والسياسية، جراء هذه الخطوة الحمقاء في دخول ولاية الجزيرة.
إن مَنْ زيَّن لقائد المليشيا المتمردة، وهو في مخبئه، سهولة احتلال ولاية الجزيرة، ليمتد حكمه ونطاق سيطرة قواته، من دارفور غربا إلى وسط البلاد، وذلك عبر شرائه بعض القادة العسكريين والمدنيين، في ظل وجود حاضنة سياسية واجتماعية ممثلة في (قحت) وأعوانها، ستسهل له الأمر في ظل تقدم قواته على الأرض، فات عليهم أنه لم ولن يكون لهم أية حاضنة، لا اجتماعية ولا سياسية داخل ولاية الجزيرة ولا غيرها. فلا وجود لحاضنة تدين بولائها لصالح هؤلاء الأوباش من المليشيا المتمردة وأعوانهم، إلا من بعض ضعاف النفوس الذين لا يعتد بهم أمثال كيكل وهباني وغيرهم.
وهؤلاء الخبراء والمستشارين فات عليهم أيضا بشكل كبير قراءة ردة الفعل القوية، في أن يتحول الغضب الشعبي المتراكم الي فعل منظم، يتجاوز حتى الجيش وقيادته، بأن يبدأ الناس في تنظيم أنفسهم عبر المقاومة الشعبية، وهم يرون ويعايشون الانتهاكات البشعة للمليشيا الإرهابية المتمردة في ولاية الجزيرة، لتضاف إلى سجلها الإجرامي في دارفور وغيرها.