منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
مقالات

الفاتح داؤد يكتب،،، أزمة الإنتقال،،، واقعية سلك،وهواجس العسكر

مهما حاول خالد سلك الهروب من الحقيقة المرة،التي يعلمها القاصي والداني أن لجنة البشير الأمنية هي التي أكملت حلقات التغيير الذي أطاح بالنظام، وبالتالي أصبحت رقما صعبا لايمكن تجاوزه ضمن اي ترتيبات سياسية خاصة بتدابيرالانتقال.التي كانت ولازالت في حاجة الي وجود مكون عسكري قوي وقادر علي تأسيس حالة أمن واستقرار، يجنب البلاد الانزلاق الي مستنقع العنف ،الذي يصاحب عادة عملية التغيير جراء السيولة الامنية،وهشاشة الاوضاع السياسية, كمايعني وجود مكون عسكري ضمن معادلة الانتقال، تحقيق قدر من التوازن والأحساس بالأمان ، وسط الكيانات السياسية والمجتمعية التي لم تنطوي تحت مظلة تحالف قوي الحرية والتغيير، الذي انفرد باحتكار تمثيل المكون المدني في شراكة” الأمر الواقع” السياسية،ولكنه لم يحظي بثقة اطياف مجتمعية وسياسية واسعة .
ورغم ذلك ظلت هواجس الانتقال تكتنف مواقفه السياسية، اذ لازالت تيارات واسعة من القوي المدنية تخشي من تكرار سيناريوهات اقليمية مشابهة،قد تلهم عسكر السودان لقلب الطاولة السياسية والانفراد بالسلطة ،وهي مخاوف قد تبدو مشروعة في ظل حالة الانسداد والاحتقان والاستقطاب ،التي ذادت بعد إجراءات” 25″اكتوبر ،فضلا عن سقوط السودان في معادلة المحاور الإقليمية، التي بداءها النظام السابق وانخرط في تفاصيلها ببراغماتية.
ورغم احتفاء هذه المحاور بسقوط حكم الإسلاميين في السودان ، الا ان سجلها السياسي واستراتيجيها الامنية ،تبدو غير متصالحة مع تطلعات الشعوب التي تنشد الحكم الديمقراطي، وذلك خشية من ان تشكل هذه المشاريع مستقبلا ، مصدر تهديد لعروشها القمعية، التي يذخر سجلها بنمازج وحشية، لاتبالي في إسقاطها علي الحالة السودانية، من خلال صناعة حالة من الفوضى والاضطرابات السياسية والامنية ، عبر اذرعها الإعلامية عملاء استخباراتها لإجهاض المشروع الديمقراطي الوليد،
خاصة ان هذا المحاور تمتع بشبكة من التحالفات الدولية المؤثرة في القرار السياسي والاقتصادي،بما يمكنها من التاثير علي المواقف الدولية ،ودوائر صناعة القرار وتقاطعات المصالح العالمية،وتتطلع ايضا الي صناعة انظمة قمعية قادرة علي احتواء حركة الشعوب التحريرية ،والتأثير في النخب السياسية، من خلال توظيف قدراتها المادية و الياتها الدبلوماسية في دعم وكلاءها الجدد، ولعل النموزج المصري والحالة الليبية يشكلان مثالا صارخا لهذا التوجه الجديد .حيث انفقت محاور الثورة المضادة، مليارات الدولارات لتقويض التجربتين .حيث اطاح الجيش المصري بالاولي،عبر انقلاب عسكري متعدد الواجهات ،فيما دفعوا ليبيا الي السقوط في مستنقع حرب أهلية دامية،الا ان السؤال الذي يطرح نفسه هل تمثل الحالة المصرية نموزجا ملهما يمكن تعميمه على بلدان أخرى مثل السودان ؟ خاصة وأن كل مؤشرات النسخة االمصرية تبدو ماثلة للعيان ، لأسباب بنيوية وسياسية،واخطاء وبلاهة استراتجية ،مهدت الطريق لسيطرة العسكر علي كل مفاصل السلطة دون حتي اللجوء إلي خيار الانقلابات التقليدية .
وقد كان بوسع السودانيون استلهام النموزج التونسي، الذي تأسس علي التوافق والتنازلات المتبادلة ، لولا إصرار الحرية والتغيير علي اقصاء الخصوم ،و احتكار العملية السياسية برمتها، وعدم الاكتراث حتي للأصوات العقلانية داخل التحالف ،وقد دفع هذا السلوك البلاد الي الانقسام والاستقطاب ، مما أفسح المجال لسيطرة المكون العسكري علي المشهد السياسي برمته ، بعد ان نجح بذكاء يحسد عليه في استثمار تناقضات وخلافات القوي المدنية .
وهنا لابد من تأكيد حقيقة تاريخية إن الجيش السوداني ظل علي الدوام يستمد شرعيته من التاريخ، اذ ظل منذ استقلال البلاد مطلع خمسينيات القرن الماضي ، يمثل صمام امان البلاد باعتباره المؤسسة القومية الوحيدة التى حازت علي ثقة جميع السودانيين،
رغم ان هذا الجيش ظل ضحية لتجاذبات النخب السياسية، و ظل يتحمل عبء الدفاع عن اخطاءهم حفاظا علي كيان الدولة السودانية، وكثيرا ما انحاز الي إرادة الشعب في مواقف مشهودة ممثلة في ثورات” نوفمبر واكتوبر وابريل ثم ديسمبر”
والان يبدو اكثر استعدادا للتوافق مع المكون المدني، لتحقيق انتقال سياسي سلس يجنب البلاد السيناريوهات المشابهة.
لان ذات هذا الجيش هو من أشرف علي كل تفاصيل التغيير الأخير (اللجنة الأمنية،)التي تتكون من مختلف المؤسسات الأمنية من الجيش والشرطة والأمن والدعم السريع، وهي مجموعات متعددة المهام، متجانسة التكوين، من الصعب احتواء جميع عناصرها وتوظيفها ضد الثورة ، لذالك عمل محور الثورة المضادة علي اختراقها ،و دفعها للانفراد بالسلطة وهزيمة مشروع الانتقال . ولكن وضح جليا ان المؤسسة العسكرية ،لاتملك مشروع حكم جاهز حتي تندفع خلفه.وان السلوك السياسي للجنرلات يؤكد ان عسكر السودان قد استوعبوا دروس التاريخ وتجارب الاقليم، وقراؤ جيد ماقد يترتب علي الانقلاب من تكاليف باهظة الثمن ،كما ادركوا بحسهم الإستراتيجي والسياسي ان الحالة السودانية ،لاتشجع على ميلاد مغامرة أخرى تؤدي الي تورط الجيش في السلطة. لانه من الصعب تسويق مشروع انقلاب سياسي في هذا العصر،لاسباب داخلية وخارجية أولها ان الشعب الذي قدم تضحيات عظيمة لانجاز هذه الثورة، لن يتسامح مع هكذا توجه ،وقد يدفع ذلك الي مزيد من التضحيات لحماية مكتسباته، لان ديسمبر في الاصل كانت ثورة اجتماعية شاملة،شكلت حالة وعي جديد بالحقوق من الصعب التراجع عنها ،وبل ورسمت حدا فاصلا بين تطلعات الشعب والنزعات الانقلابية ،لذالك انخرط العسكريين منذ بدايتها في حوار مارثوني مع القوى المدنية، لإيجاد صفقة سياسية مرضية للطرفين ، وفق ترتيبات دستورية تأمن لكل طرف لعب دور محدد في إدارة المرحلة الانتقالية، بشراكة مقبولة قوامها التزامات وضمانات وتعهدات ،تعزز الثقة و تبدد المخاوف ، بينما في المقابل كان مطلوب من المدنيون التحلي بالواقعية السياسية والمرونة في إدارة المرحلة الانتقالية . ولعل من اكثر الملفات ألتي كانت ولا زالت تؤرق مضاجع العسكر ،ان هنالك ثمة خطوط حمراء لايرغبون في المساس بها من قبل السلطة المدنية. خاصة الحديث عن هيكلة المؤسسة العسكرية التي لا يرغب العسكر تدخل المدنيين في تفاصيلها لأسباب فنية ونفسية ، فضلا عن تخوفهم من المساس بالامتيازات المادية والأدبية التي حصلت عليها المؤسسة العسكرية تاريخيا ،على غرار أوضاع الجيوش في العالم الثالث ، ثم ضمان عدم مسألة قياداتهم عن التجاوزات التي ارتكبتها من قبل هذه الاجهزة ابان مراحل الثورة،
كما يأمل العسكر تأمين السلطة الانتقالية على الاتفاقيات الدولية التي وقعتها القوات المسلحة مع بعض الحلفاءونظرائها ابان النظام السابق ، ولكن السؤال هل استوعبت القوي المدنية هذه الهواجس ووضعتها في عين الاعتبار وهي تستعد الإنخراط في حوار جديد، ضمن حزمة تنازلات متبادلة ، اذ تاكد كل المؤشرات أن هنالك ثمة تسوية تلوح في الافق ، قد تسمح للقيادات العسكرية السيطرة علي الجيش ، وعلي مفاصل الدولة العميقة ،الي حين ميلاد سلطة منتخبة بتفويض شعبي ،وفي موازة ذلك قد تمنح المدنيين الحق في ادارة الفترة الانتقالية وتهئية البلاد للانتقال الديمقراطي ، خاصة ان قطاعا واسعا من القوي السياسية تعتقد أن اطالة امد الفترة الانتقال يعني تضاءل فرص التحول ، وهو ما سيفتح الابواب للخارج في لعب دور محوري ، للاستثمار في الازمة، لتمكين عناصر مشروعه السياسي. لذالك فإن قوى الحرية والتغيير مطالبة أكثر من غيرها، ان تترفع قليلا عن الصغائر وتتحلي بقدر من الواقعية والنضج السياسي، حتي تتمكن من تحصين الثورة من الإختراق الخارجي ، والتعامل مع العسكر بحكم شراكة الأمر الواقع، وليس بعقلية المحصاصات والمناكفات ،وذلك لإيجاد قواسم مشتركة للعبور بالبلاد وفق مشروع وطني يجمع عليه كل السودانيين ، علي نحو يتجنب أخطاء التاريخ ويفضي الي خروج العسكر من المشهد السياسي بأقل الخسائر …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى