منصة عطاءات السودان tender.sd عطاءات السودان
التقارير

مياه بورتسودان وتبرع الحباب والبنى عامر..أكثر من زاوية

كتب:صديق رمضان

كثيراً ماكنت أوجّه سِهام النقد ناحية أهلي في دارفور من خلال مجموعات تطبيق “الواتس اب” حينما يتم التطرق إلى تواضع الخدمات بالاقليم، وعندما يتعمد البعض الهروب من مواجهة الحقيقة بتعليق معاناة المواطن على مشجب الحكومات واللجوء إلى فزاعة التهميش.

كنت أقول لهم أتفق معكم أن من واجب الحكومات المحترمة توفير الخدمات للمواطن، ولكن ماذا إن لم تكن محترمة، هل معنى ذلك أن نلعن الظلام بدلاً من إيقاد شمعة الأمل التي تتمثل في استنفار الجهد الشعبي وأن يترك المجتمع الحكومة وراء ظهره ويسعى لتغيير واقع حياته بيده،كنت دائم السؤال عن المساهمة الشخصية التي قدمها كل واحد منّا لتوفير جرعة ماء للعطشي ومقعد في فصل للتلاميذ ودواء للمرضى وغيرها من خدمات بدارفور كان بمقدورنا أن نُسهم من حُر مالنا في تحويلها إلى واقع، كنت اذكرهم بتجربة أستاذنا المحترم ومدير التلفزيون السابق “لقمان أحمد” الذي نذر نفسه لتطوير منطقته “الملم” التي جعل منها جاذبة تتمتع بالمقومات المطلوبة بفضل جهده واستغلاله علاقاته الشخصية لمساعدة أهله.

وفي هذا الإطار فإن أهل مدينة نيالا ادركوا أخيراً أن إنتظار الحكومة لحل أزمة مياه الشرب المستعصية يعد إهداراً للوقت فكان أعلنوا في الأيام الماضية عن نفير شعبي بمشاركة كل مكونات المدينة للاسهام مادياً لحل الأزمة ، وهو بلا شك إتجاه سليم كان ينبغي أن يذهب ناحيته أهلي بدارفور منذ عقود مثلما فعل مواطني الجزيرة، سنار، نهر النيل والشمالية وبحر أبيض فالسماء لاتمُطر ذهباً.

ففي الجزيرة مسقط رأسي وموطني وباعتراف مختلف الحكومات فإن ٨٧٪ من مشاريع البني التحتية في الكهرباء، التعليم، المياه والصحة تعود إلى الجهد الشعبي، وهذه حقيقة أشاد بها كل الولاة الذين تعاقبوا على الولاية ومنهم محمد طاهر ايلا، ففي الجزيرة حينما يتم فرض مبلغ محدد على كل أسرة فإن الأمر يكون واجب السداد دون تأخير وتنظير لأن المجتمع يعرف أن المبلغ سيتم توجيهه لأحد مشاريع القرية او الحي او المدينة، وثقافة الجهد الشعبي باتت راسخة توارثتها الأجيال في الجزيرة وماتزال شاخصة بحمد الله، وهذا الأمر ينسحب كما أشرت على عدد من ولايات البلاد التي تجاوز سكانها الحكومات وبات اعتمادهم على مواردهم الذاتية من أجل أن يصنعوا واقع مرضٍ لهم تتوفر فيه أدنى مقومات الحياة الكريمة.

لذا فقد نظرت إلى تبرع الحباب والبنى عامر أمس لنفير مياه بورتسودان من زوايا عديدة،منها أن الشرق لايختلف كثيراً عن دارفور في تواضع البني التحتية عطفاً على ضعف المجهود الشعبي في المشاريع الخدمية، و ماحدث أمس يعد مؤشر إيجابي يصب في قناة إشاعة ثقافة النفير والاعتماد على الذات وتفعيل دور المجتمع ليكون أكثر إيجابية ومُبادرة في احداث تغيير حقيقي في الحياة، لذا هنا نُشيد بالوالي “على عبدالله ادروب” الذي أدرك أهمية أن يلتقط المجتمع زمام المُبادرة وأن يتقدم على الحكومة بخطوات وهذا فهم متقدم يُحسب له، والقائد الحقيقي هو من يسهم في وضع بصمته ليس على صعيد الحجر بل في نفوس البشر.

والزاوية الأخرى التي قرأت عبرها ماحدث أمس أن طبيعة تركيبة الشرق عشائرية وهذا أمر طبيعي رغم أنه لايتسق مع التطور الذي شهدته الحياة ولكن هو واقع علينا الإقرار به والتعاطي معه تحديداً في الوقت الراهن، وهذا يعني وجود تنافس وتسابق وتدافع بين القبائل وأيضاً هذا حتى وإن كان لنا فيه رأي فإنه لايخرج عن مألوفات الأشياء في عدد من الدول، ولكن علينا الإستفادة من هذا التنافس وتوجيهه نحو خدمة المجتمع، فإن تبرع الحباب والبنى عامر بمبلغ من المال من أجل مشروع المياه فهذا أمر طبيعي لأنه واجبهم ،فذات الشئ يمكن أن تقدم عليه القبائل والمكونات الأخرى لأن أبواب التبرع مُشرعه أمام الجميع.

ولكم أن تتخيلوا كم سيكون العائد إذا أعلن ناظر الهدندوة عن نفير لدعم مشروع المياه ببورتسودان، بالتأكيد ستكون المحصلة مبلغاً كبيراً، وذات الشئ سيحدث اذا دعا ناظر الامرار منسوبي قبيلته للتبرع بالمال لمشروع المياه،وينسحب هذا على الرشايدة، البشاريين، العبابدة،العموديات المستقلة، الشماليين، مكونات غرب السودان، الهنود، الشوام وكل من يقطن بورتسودان.

وحدوث هذا بكل تأكيد يعني أن المجتمع يملك القُدرة الكافية على خلق واقع جديد، فمياه الشرب إذا توفرت فإنها ليست للحكومة بل للمواطن البسيط، وحل أزمة المياه تعني عودة الحياة للصناعة بالولاية وكذلك الزراعة بل الأهم من كل ذلك الاستقرار النفسي للمواطن الذي يدفعه للإنتاج بعيداً عن هاجس شُح المياه ومايترتب على ذلك.

اذا فإن التبرع لمشروع مياه الشرب عمل خيري ولاعلافة له بالسياسة التي لم تورث الشرق غير التباعد والتنافر والفقر وضنك الحياة، ومشروع المياه من شأنه إعادة مجتمع البحر الأحمر لماضي اسلافه في التكاتف والتعاضد، وهو شمعة على الجميع أن يحافظ عليها من رياح التقاطعات والخلافات، هو أمل يجب أن يظل باقياً في النفوس ومتقداً، وبكل تأكيد كل من يشارك في هذا المشروع سيحصد ثمار فعله هذا يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، ومعلوم أن المياه من أعظم أنواع الصدقات لأن في كل كبد رطب أجر والله جعل من الماء كل شئ حي.

أتمنى أن يتواصل تنافس القبائل في مشروع المياه لأنه تنافس حميد، والمطلوب من الوالي المزيد من بث الثقة بأن الأموال ستكون في ايدٍ أمينة وأن يجلس مع كل مكونات الولاية لتُساهم في هذا المشروع الذي إن أكتفي به فقط فسيدخله التاريخ من أوسع أبوابه ويخلد إسمه مع العظماء.

ونقول للبني عامر والحباب أن تبرعكم مقبول بالتأكيد ولكن الستة مليار جنيه مبلغ أقل بكثير من إمكانياتكم ليست المادية بل الأخلاقية فأنتم قوم جُبلتم على الكرم والسخاء والايثار والانفاق،
وأتمنى أن نكون حضوراً في نفير المكونات الأخرى وعلى رأسها الهدندوة وهم قوم أصحاب مكارم وكرم وكذلك الامرار قبيلة صديقي العزيز وأخي الأكبر الحكيم علي محمود، ونفير كل المكونات الأخرى.

أخيراً.. أعلن عن تبرعي بمائة الف جنيه دعما لنفير مياه الشرب ببورتسودان التي لها ولأهلها دين علينا، وتبرعي يمكن ادراجه مع تبرعات نفير قبيلة الإعلاميين الاعزاء بالولاية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى