مقالات

يوسف عبد المنان يكتب : استقالة الاعيسر

أن جُرّد وزير الإعلام خالد الأعيسر من صفته كمتحدث باسم الحكومة، واكتُفي بإبقائه وزيراً للإعلام والثقافة بلا لسان رسمي، توالت عليه النصائح من أصدقاء كثر وناصحين مشفقين بضرورة تقديم استقالته، وترك المنصب، والعودة إلى لندن… أو إلى بارا إذا كُتب لها التحرير من الجنجويد قبل يوم القيامة.
لكن الأعيسر بقي في موقعه وزيراً بلا مهام حقيقية، حتى جاء ما أوجعه كسوداني ومواطن – قبل أن يكون وزيراً – وهو ما حدث لمواطن آخر، هو المصباح أبو زيد، الذي ارتكب في نظر جلاديه جريمة الدفاع عن شعبه، بمحاربة من اغتصب ونهب وشرد الملايين. انتهى المطاف بالمصباح – قائد فيلق البراءون – في السجون المصرية، داخل معتقلات ورثتها مصر من عهد الفرعون صلاح نصر، بينما التزمت حكومتنا صمتاً مريباً يرقى إلى الاصطفاف مع القاتل لمعاقبة جثة المقتولين.
هنا، انتصر الأعيسر لمهنته كصحفي، ولضميره كمثقف، فكتب تغريدات صادقة طارت بها وسائل الإعلام. ولئلا يقف موقفاً مناقضاً للحكومة، نشرها بصفته مواطناً أُرغم على قول الحق في زمن الصمت والخوف. ثم أتبع تغريداته بمقالة قصيرة، أمس، وضع فيها الجميع أمام حقيقة واحدة: البلاد مقبلة على تحولات غير متفق عليها حتى داخل الحكومة نفسها، فضلاً عن الشارع الذي يرفض تقسيم السودان، ويقاوم عودة الجنجويد للحكم، ويرفض بيع المكونات التي قاتلت ونافحت، في سوق النخاسة الدولية، بثمن بخس.
وقد تكشف أن خارطة الطريق التي طرحها مندوب السودان في نيويورك، لم تُعرض أصلاً للتوافق بين مكونات الحكومة، لا سيما بين الحركات المسلحة من جهة، والكتلة الديمقراطية من جهة أخرى، رغم أنها تحظى برضا قوى الحرية والتغيير – مجموعة حمدوك – إن كانت تعيدهم إلى السلطة وتبعد خصومهم.
وسط هذا الضباب والغبار الكثيف، لن يخسر الأعيسر شيئاً إذا قدّم استقالته الآن، وحمل حقائبه، وعاد إلى المملكة المتحدة. فالأعيسر لم يأتِ من هناك بسبب البطالة؛ بل هو صحفي مشرِق الحضور، تبحث عنه القنوات والوكالات، وما يحققه من نشاطه الإعلامي يفوق – ربما بثلاثة أضعاف – راتب الوزير في دولة لا تحترم أهل العطاء والمواقف. وإلا، لما أقدمت على تجريد ناطق باسمها من صفته السياسية، ليصبح وزيراً بلا لسان، تماماً كـ وردة بلا عطر.
وأيهما أفضل: وزير وناطق، أم وزير بلا لسان؟!
قديماً، سُئل أبو الفرج جمال الدين ابن أبي الحسن، المعروف بابن الجوزية، في بغداد: “أيهما أفضل، أن نسبّح الله كثيراً أم نستغفره؟” فقال: “الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور”.

وفي حالة الأعيسر، فالاستقالة أحوج وأوجب من البقاء في موقع لا يزيده إلا النكد والرهق وقلة الحيلة وازدراء النفس… بلا سبب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى