
تتفاقم الأوضاع الإنسانية للسودانيين العالقين في سلطنة عمان بعد أن ضاقت بهم السبل، وفشل كثيرون منهم في إيجاد فرص عمل بسبب اصطدامهم بتعقيدات قوانين العمل ومتطلبات الإقامة، ما اضطرهم إلى صرف كامل مدخراتهم، حيث يواجه العالقون مشاكل كبيرة متعلقة بمخالفة قوانين الإقامة، والتعسُّر في سداد الإيجارات، وفواتير الماء، والكهرباء، والإنترنت، مما جعلهم عرضةً لشبح الطرد من الشقق والمساكن، يأتي ذلك في وقت يعجز فيه مرضى الفشل الكلوي في الحصول على أموال تعينهم على عملية الغسيل الدوري، فيما يواجه المخالفون لقانون الإقامة خطر الحبس والسجن في حال انتهاء فترة السماح المحددة لتوفيق الأوضاع والتي تنتهي في الثلاثين من يوليو الجاري.
حافة التشرد:
ووفقاً لشهود عيان تحدثوا للكرامة من سلطنة عمان، فإن الكثير من السودانيين يقفون اليوم على حافة التشرد، ويقاسون ظروفاً مأساوية، وأوضاعاً كارثية، فقد ضاق الحال ببعض الأسر والعائلات فالتزمت التسول على منصات التواصل الاجتماعي لسد رمق الفاقة والجوع والمسغبة، هذا فضلاً عن مناشدات من قبل بعض الأسر من أجل إيجاد مكان لتستقر فيه يأوي أفرادها من كبار السن ممن يعانون من أمراض مزمنة كالضغط والسكري، ويبدو واقع الأسر المتعففة أسوأ بكثير، رغم ما يلوح على سيماهم من صبر وجلد يحسبه الجاهل مظهراً للنعمة والغنى، ولكن المبادرات الإنسانية التي أطلقها عدد من الخيريين من أبناء الجالية السودانية المقيمين بسلطنة عمان، كشفت الكثير من المآسي والحكايات التي يشيب لها الرأس.
مبادرات إنسانية:
لقد فرض الواقع القاسي الذي تكابده مئات الأسر والعائلات السودانية في سلطنة عمان، تحرك بعض المبادرات الإنسانية من أجل التدخل لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، على شاكلة مبادرة “ريال الجمعة” التي أطلقتها دكتورة رندا، حيث تضطلع المبادرة بمهمة جمع ريال عُماني كل أسبوع لدعم مرضى غسيل الكلى من السودانيين العالقين، حيث يتم إيداع المبالغ في حساب المستشفيات التي تستقبل سودانيين من مرضى الفشل الكلوي، وبجانب مبادرة ” ريال الجمعة” نشطت مبادرة ” تكاتف” التي يديرها الأستاذ مزمل محمد نصر من أجل توفير خضروات يتم توزيعها مجاناً على الأسر السودانية المتعففة، وهنالك العديد من المبادرات الداعمة للسودانيين العالقين في سلطنة عمان مثل مبادرة “الصندوق الخيري” للأستاذ خالد سلمان، ومبادرة ” سودانيون من أجل الوطن” للأستاذ محمد عبد الله، ومبادرة شباب من أجل الجالية، للدكتور مبارك، ومبادرة “النفرة السودانية” وغيرها من المبادرات التي وإن عكست تعاضد وتكافل السودانيين في السلطنة، أنها كشفت في الوقت نفسه حجم المعاناة والأزمة التي يقاسونها، والتي تزداد تعقيداً مع اقتراب نهاية مهلة توفيق الأوضاع في 30 يوليو الجاري، حيث سيواجه كل من لم ينجح في تصحيح وضعه القانوني خطر الاعتقال والترحيل، بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن.
جهود متعاظمة:
وتقول دكتورة سارة عبد العزيز مشرف مبادرة “العودة الطوعية” إن مئات الأسر تنتظر حلولاً هجرية لتغادر سلطنة عمان بعد أن ضاقت بهم الأوضاع وفشلوا في إيجاد عمل أو توفيق أوضاعهم رغم أن من بينهم تخصصات علمية مرموقة مقارنة بالجاليات الموجودة في السلطنة، مبينة أن المشكلة التي تواجه الأسر أن معظمهم دخلوا الدولة عن طريق الزيارة حيث إن التأشيرة غير مفتوحة للسودانيين، وعندما أرادوا العودة الطوعية إلى السودان وجدوا كل المنافذ مغلقة تماماً براً وجواً حيث تم إغلاق تأشيرة العودة عبر البر وارتفاع التذكرة عبر الناقل الوطني إلى (170) ريال، وكشفت دكتورة سارة في إفادتها للكرامة عن نجاح اتصالات قامت بها مبادرة العودة الطوعية مع شركة الخطوط الجوية السودانية في تأمين تذاكر سفر بأسعار مخفضة من مسقط إلى بورتسودان عبر ” سودانير” مشيدة في هذا الصدد بالمواقف الوطنية والإنسانية النبيلة التي قدمها كابتن مازن العوض مدير الخطوط الجوية السودانية، منوهة إلى المخاطبات التي قامت المبادرة لكل من منظومة الدفاع ، اتحاد أصحاب العمل، ومكتب نائب رئيس مجلس السيادة ووزير المالية والتخطيط الاقتصادي دكتور جبريل إبراهيم رئيس مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية السودانية الذي تجاوب مع المبادرة ويبذل قصارى جهده لإيجاد حلول جذرية تساهم في العودة الطوعية للسودانيين العالقين في سلطنة عمان.
خاتمة مهمة:
على كُلٍّ: تضع “الكرامة” واقع السودانيين العالقين في سلطنة عمان أمام أجهزة الدولة المختلفة، وفي مقدمتها رئيس مجلس السيادة، ورئيس الوزراء، وتؤكد أن الخطر الداهم يتطلب تحركاً عاجلاً، لإطلاق حملة إجلاء إنساني شامل للسودانيين في سلطنة عمان، حفاظاً على كرامتهم وصوناً لأرواحهم من أزمة جديدة لا تقل عن مآسي الحرب تطلُّ برأسها في الأفق.