
كشفت مصادر عسكرية وميدانية وصحفية عن القصة الكاملة لمحاولة مليشيا الدعم السريع ضرب مدينة بابنوسة الاستراتيجية، وكيف نجح الجيش السوداني الوطني في قلب الطاولة عبر خطة عسكرية استباقية وضربات جوية استراتيجية.
خطة المليشيا: تشتيت الجيش وعزل بابنوسة
أفادت المعلومات المتوفرة بأن جميع التحركات الميدانية لـ مليشيا الدعم السريع في الأيام الماضية كانت تسير في خط واحد، وهو التجهيز لهجوم ضخم على مدينة بابنوسة بهدف إسقاط الفرقة 22 مشاة وعزل المدينة بالكامل. وكانت فكرة المليشيا تقوم على تشتيت الجيش السوداني الوطني عبر فتح محاور قتال متعددة في شمال كردفان وغرب كردفان وجنوب كردفان، وذلك بهدف سحب القوات بعيداً عن بابنوسة، وتثبيت الجيش في دفاعاته، ومنع أي تقدم كان يمكن أن يخلخل خطتهم، وهو ما ذكره الصحفي إبراهيم السيدح، بحسب الباحث المصري محمد وازن الباحث في الدراسات السياسية والاستراتيجية.
“القرار الاستباقي” يقلب الطاولة في شمال كردفان
لكن ما حدث كان عكس كل توقعات المليشيا، حيث اتخذ الجيش السوداني الوطني “قراراً استباقياً من العيار الثقيل”، وقام بفتح محور شمال غرب الأبيض، وتحديداً في مناطق أم سيالة وأبو سنون ومحيط بارا. ونجح الجيش في هذا المحور بكسر الهجمة الأساسية لـ المليشيا، وتوجيه ضربة قاصمة لقوة تمركزها الأساسية التي كانت تعتمد عليها كـ “قاعدة انطلاق” لعملياتها.
إرباك المليشيا وتقدم الجيش نحو دارفور
الضربة الاستباقية للجيش أحدثت إرباكاً كاملاً في صفوف مليشيا الدعم السريع، ما دفعها إلى الاستنجاد بقوات من جبرة الشيخ، أم بادر، المزروب، الخوي، سودري، وأم صميمة، وذلك بهدف حماية المدخل الشمالي الشرقي لغرب كردفان. لكن الجيش واصل خطته المتدرجة، وكشف الانفتاح الغربي عن حجم الاستنزاف الذي تعرضت له المليشيا. وقد تقدمت القوات غرباً وتجاوزت جبل أبو سنون، الطينة الشرقية، الطينة الغربية، أبو حراز، وحتى أم صميمة. وهذا التقدم دفع المليشيا إلى جلب قوات من آخر حدود دارفور ومن منطقة المثلث، مما شكل استنزافاً إضافياً لقواتها.
انفراج على بابنوسة وخسارة 13 قائداً ميدانياً
وفي محور جنوب كردفان، سارت الأمور في نفس الاتجاه، حيث سيطر الجيش على برنو، وتحركت قوات فرقة أبو جبيهة ولواء الدلنج نحو هبيلا، مما شكل ضغطاً كبيراً على محور الدبيبات والمناطق التي تربط غرب كردفان بجنوبها. هذا الضغط أجبر المليشيا على سحب قوات من الفولة، أبو زبد، السنوط، وكدام، وكانت النتيجة المباشرة هي تحقيق انفراج كامل على قوات الفرقة 22 في بابنوسة بعد أن كانت محاصرة.
خلال هذه العمليات، استخدم الجيش السوداني الوطني إحدى أقوى أدواته في الحرب، وهي الضربات الاستباقية بطائراته المسيّرة الاستراتيجية، ما أدى إلى هجمات متزامنة على الحشود. وكان الاستنزاف واضحاً، حيث فقدت المليشيا مئات الأفراد وأكثر من 13 قائداً ميدانياً، من بينهم حبيب الراجي (مسؤول عمليات قطاع غرب الأبيض وبارا) وأحمد يعقوب الماهري الذي كان أحد العناصر المتواجدة في القصر الجمهوري خلال حرب الخرطوم.
المشهد النهائي: تشتت المليشيا ونجاة بابنوسة
وفي الوقت الذي كانت فيه مليشيا الدعم السريع تتراجع، كان الجيش يغلق دائرة العمليات في محور أب قعود – أم صميمة على بعد حوالي 60 كم من الأبيض، بفضل هجمات مدفعية كثيفة، بهدف السيطرة على المواقع الاستراتيجية غرب الأبيض والتقدم نحو غرب كردفان وامتداداً لدارفور. ويشير المشهد الحالي لأي مراقب ميداني إلى أن المليشيا في حالة تشتت، والجيش السوداني الوطني في حالة تقدم محسوب، وقد خرجت بابنوسة تماماً من دائرة الخطر التي خُطط لها.


