مقالات

مسارب الضي – د محمد تبيدي – رسالة في بريد والي الخرطوم

سيدي الوالي،
عمودي السابق كانه كـ”بندق في بحر”، فالإمداد الكهربائي لم يستقر، وما لبث أن لحقه الإمداد المائي إلى ذات المصير، وكأن الخرطوم تعيش في ليل بلا فجر وعطش بلا نهاية.

إن معاناة المواطنين لم تعد كلمات على الورق، بل هي صبر يتكسر مع كل ساعة انقطاع.
الأحياء غارقة في الظلام، أصوات المولدات تتصارخ في الأزقة، المرضى في المستشفيات يواجهون مصيرهم بجهد المتطوعين، والطلاب في قاعات الدروس بلا هواء.

أما المياه، فحدث ولا حرج؛ صهاريج خاوية، حنفيات يابسة، وأمهات يحملن الدلاء مسافات طويلة بحثاً عن جرعة ماء لأطفالهن. حتى قطرة الماء باتت سلعة نادرة، وكأن الخرطوم مدينة عطشى على شاطئ النيل.

﴿كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾

اجزاء كبيرة من المحليات كاملة خارج الخدمة، ومعها القطاع الصناعي. والخدمات فقط في كرري، وأم درمان، وأجزاء من أمبدة، وبحري، وشرق النيل، وجبل أولياء، وحتى قلب الخرطوم؛ الانقطاع سيد الموقف، والعجز هو العنوان.

وماذا لو عاد جميع سكان العاصمة كما تدعوهم للعودة بعد تحرير الخرطوم من دنس مليشيا آل دقلو المتمردة، ليجدوا أن الخرطوم لم تتحرر بعد من العطش والظلام؟

إن عودة المواطنين مسؤولية كبيرة، ولا يمكن أن تتم إلا بخطة طوارئ عاجلة، تعيد تشغيل المحطات، وتضمن إمداداً ثابتاً للماء والكهرباء، حتى لا تتحول العودة إلى أزمة أكبر، وحتى لا يكون التحرير شكلياً بلا حياة.

أخاطبكم اليوم باسم كادحين كرري، وأم درمان، وأجزاء أمبدة، وبحري، وشرق النيل، وجبل أولياء، والخرطوم؛ هذه المحليات تناديكم: أعيدوا الماء إلى مجاريه والنور إلى بيته، قبل أن تدعو الناس إلى عودة قد تكون أصعب من النزوح نفسه.

كما أن المسؤولية لا تقف عند أبواب الولاية وحدها، فالحكومة المركزية شريك أصيل في توفير الموارد، وضمان الإمدادات، ووضع خطط عاجلة. الخرطوم عاصمة الوطن كله، وأزمتها ليست محلية بل قومية، وحلها يتطلب تنسيقاً وعملاً مشتركاً على أعلى المستويات.

سيدي الوالي،
نحن لا ننكر ما تبذلونه من جهد، ولا نغفل الظروف العصيبة التي ورثتموها، لكننا أبناء هذه الأرض، نحبها بحلوها ومرّها، ونحمل في قلوبنا أملاً بأن نرى الخرطوم كما تليق بتاريخها ومكانتها.

لسنا هنا لنُصَفّي حسابات أو نزايد، ولسنا منصة لمدح أو ذم على هوى السياسيين، بل نحن أبناء ولاية نريد لها الإصلاح والنهوض. وكل كلمة نكتبها ليست طعناً في الجهد، بل إضاءة لطريق يُصلح الحال ويُعجّل بالفرج.

وحتى لا يأتي من يزايد أو يحرف المقصد، أقولها بوضوح: ما يجيني قحاطي “سجم رماد” يقول لي صدقت أو كذبت، فهذا والينا، وهذه بلدنا، ونحبها بحلوها ومرّها، لكننا نريد الإصلاح، ونريد أن نرى الخرطوم واقفة شامخة أمام شعبها والعالم.

وما ضاق صدرٌ من نقدٍ نوجههُ
إلا ووسعته النياتُ والإصلاحُ

وأنا سأكتب للوطن حتى أنفاسي الأخيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى