مجريات الأحداث وتصاعدها بمصنع الجنيد تفرض الخوض مُجدداً في رؤية طرحناها من قبل تتعلق بإعادة النظر في علاقة مصنع الجنيد بشركة السكر السودانية ووزارتي المالية والصناعة،فالراهن بكل تجلياته واسقاطاته وافرازاته يُحتم التفكير بعُمق بعيداً عن العاطفة وقريباً من المنطق مع أهمية النظرة المُستقبلية.
والحقيقة المُجردة تؤكد أن شيخ المصانع وصل إلى أسوأ مراحله، ومؤشر التدهور بدأ في التصاعد مُنذ العام 2017 إلى أن وصل أعلى مستوياته هذا الموسم بضعف الصيانة لعدم توفر قطع الغيار عطفاً على العجز في انتظام أجور العاملين مروراً بتأخير بداية موسم الانتاج.
ليصل إلى قمته بالفشل الزريع في عدم الايفاء بارباح المزارعين الذين دفعوا ثمن الفشل الإداري والعجز الحكومي باهظاً ليتعرضوا لظلم كبير لايحتاج إلى تبيان، وطبيعي أن تثُر ثائرتهم فهم مثلهم وأفراد المجتمع لديهم التزامات حياتية عليهم الايفاء بها.
وعدم صرف المزارعين لارباحهم لاينحصر تأثيره عليهم فقط بل يلقى بظلال سالبة على مُجمل الحركة التجارية والإنسانية بالمنطقة، ولا زلت أذكر كيف كان صرف المزارعين بمثابة العيد لكل أهل الجنيد.
وحتى لانغرق في الماضي ونأسف على الحاضر لابد من التفكير في المستقبل، فإذا كان الواقع بمصنع الجنيد بهذا السوء فكيف سيكون غداً، بالتأكيد سيتلاشى ويكون أثر بعد عين وماضٍ يُسرد، وحتى لايحدث ذلك لابد من التفكير الموضوعي الذي يقود إلى تغيير الحال او فلنقل إنقاذ مايمكن انقاذه.
لذا لازلت عند قناعتي بضرورة تحرير مصنع الجنيد من سطوة شركة السكر _ مع كامل احترامنا لها _، والبحث عن صيغة شراكة جديدة مباشرة مع وزارة المالية تسهم في منح مجلس إدارة المصنع الذي يتم تكوينه من المزارعين وممثلين للعاملين والوزارة الصلاحيات الكاملة في الحصول على تمويل من المصارف والتعامل الخارجي المُباشر مع شركات الآليات ومدخلات الإنتاج بدون وسطاء وسماسرة وابرام شراكات مع مستثمرين.
وبما أنه لايلوح في الأفق مايشي بحدوث تحسن اقتصادى يفضي إلى توجيه الحكومة موارد لتأهيل مصنع الجنيد، فإن المنطق يحتم الدخول في تجربة جديدة تمنح المصنع المرونة والصلاحيات التي تكفل له التطور بعيداً عن السيطرة الكاملة للحكومة، وانا على ثقة تامة من نجاح مزارعي الجنيد إذا تحملوا مسؤولية المصنع الكاملة ليس لوجود كفاءات بينهم وحسب بل لأنهم أصحاب وجعة، والجمرة بتحرق الواطيها.