التقارير

محمد البشير حنبكة يكتب : تحالف استراتيجي

جاءت زيارة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، إلى تركيا في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتقاطع المعركة العسكرية مع معركة السياسة، وتتقدم لغة المصالح الاستراتيجية على خطابات المجاملة. لم تكن الزيارة بروتوكولية، ولا مجرد محطة دبلوماسية عابرة، بل تحركاً محسوباً بدقة في لحظة تتطلب إعادة ترتيب أوراق الإقليم والتحالفات الدولية.
عاد البرهان من أنقرة بما يمكن وصفه بتحالف نوعي، يحمل في مضمونه رسائل متعددة الاتجاهات، أولها أن السودان لم يعد وحيداً في معركة الكرامة، وثانيها أن الجيش السوداني، وهو يخوض حربه الوجودية دفاعاً عن الدولة، بات يمتلك ظهيراً سياسياً واستراتيجياً قادراً على إسناد الميدان، لا الاكتفاء ببيانات التعاطف.
تركيا، بما تملكه من ثقل سياسي وخبرة عسكرية وصناعات دفاعية متقدمة، تمثل شريكاً قادراً على إحداث فارق حقيقي في موازين القوى، سواء على مستوى التدريب، أو تبادل الخبرات، أو الدعم الفني واللوجستي، فضلاً عن الحضور السياسي المؤثر في الإقليم. ومن هنا، فإن عودة البرهان بتحالف واضح المعالم تعني أن معركة الكرامة دخلت مرحلة جديدة، تتجاوز الصمود والدفاع إلى التخطيط للحسم وإنهاء التمرد.
التحالف الجديد لا يُقرأ فقط من زاوية السلاح والميدان، بل من زاوية السياسة والاقتصاد أيضاً. فاستقرار السودان يعني فتح أبواب التعاون والاستثمار، وإعادة إدماج الدولة في محيطها الإقليمي والدولي من موقع الندية لا الاستجداء. وهي رسالة مهمة لشعب صبر طويلاً، ودفع فاتورة الحرب من أمنه ومعاشه واستقراره.
ما يميز هذه الزيارة أن نتائجها لم تُسوق كشعارات، بل ظهرت في نبرة الخطاب بعد العودة، وفي وضوح الرسائل، وفي الثقة التي باتت تُقرأ في مواقف القيادة العسكرية. فالقوات المسلحة، وهي تخوض معركة الكرامة، لم تعد تعتمد فقط على إرادة المقاتلين وبسالة الجنود، بل على شبكة تحالفات تعزز قدرتها على الاستمرار والحسم.
الشعب السوداني، الذي صبر وتحمل، يدرك أن هذه التحركات الخارجية ليست ترفاً سياسياً، بل جزء أصيل من معركة السيادة. وكل تحالف يُبنى على احترام الدولة ووحدتها، وعلى دعم جيشها الوطني، هو مكسب مباشر للشارع، ورسالة بأن النصر لم يعد أمنية، بل مساراً واضح المعالم.
إن زيارة البرهان إلى تركيا، وما أعقبها من عودة بتحالف استراتيجي، تمثل نقطة تحول في مسار معركة الكرامة، وتؤكد أن السودان، برغم الجراح، لا يزال قادراً على صناعة موقعه، وفرض خياراته، والانتصار بإرادة جيشه وصبر شعبه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى