مآلات الاتفاق الإطاري بعد إعلان المبادرة المصرية لحل الأزمة السودانية! إمام محمد إمام
مما لا ريب فيه، أن الاتفاق الإطاري، جاء بعد ولادة متعثرة، كادت الأم والجنين يلقيان حتفهما فيها، ومرَّ بثلاث مراحل، أولها إتكأ على مشروع دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المستورد، فكانت تلكم عصاه التي له فيها مآرب أخرى! فأُزيحت عنه عصا إتكاءته! فلجأت في بادئ الأمر رُباعية الحرية والتغيير المركزي، إلى الاستناد على الإعلان السياسي، فوضعت معظم المنظومات السياسية، والقوى الحزبية، أصابعهم في آذانهم، فتدافعت زُمراً وفُرادى إلى منازل السفراء، بحثاً عن رضا المكون العسكري ومصالحته، والتوافق معه على حلول مستوردة، من قوى أجنبية، فتمخض عن تلكم الاجتماعات التي قادتها اللجنة الثلاثية، ثم اللجنة الرباعية -عرباً وعجماً- إلى مولودٍ (الاتفاق الإطاري) إقصائيٍ مشوهٍ، منبوذٍ إلا من والديه وأهليه! سرعان ما أنكر نسبه إليه حزب البعث بقيادة السنهوري! وواجه ذاكم الاتفاق الإطاري، معارضة قوية منذ إعلانه في 5 ديسمبر (كانون الأول) 2022، باعتباره اتفاقاً إقصائياً، غريب الوجه واللسان، من قوى حزبية ومنظومات سياسية متعددة، بينما اعتبره أهل اليسار، وبعض ما عُرف بالقوى الثورية، أنه شرعنة لما يسمونه انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وإذعان للإملاءات الخارجية في الشأن السياسي السوداني، بصورة غير مسبوقة. فاضطر بعض هؤلاء الانسحاب من منظومة الأربع من مكوِّن قوى الحرية والتغيير المركزي، على الرغم من مشاركتهم في المفاوضات التي أفضت أخيراً إلى الاتفاق الإطاري، كحزب البعث (جماعة السنهوري) والبعض الآخر انفض مبكراً عن تلكم المنظومة لمسوغاتٍ شتى، وحيثياتٍ عدةٍ، من بينها الحزب الشيوعي الذي رفض الانقلاب، بدعاوى انحراف رفقائهم بالثورة، ومداهنتهم للمكون العسكري في كثيرٍ من أمهات قضايا الوطن والمواطن! أما الآخرون فحشدوا أهليهم ومناصريهم تحت مظلةٍ جامعةٍ باسم “نداء أهل السودان للتوافق الوطني” برئاسة الشيخ الطيب الجد ود بدر، شيخ مشايخ الحركة الصوفية في السودان في راهن هذا الزمان، وسيروا مع التيارات الإسلامية، وغضابى المؤتمر الشعبي وجماعة أنصار السنة، وغيرهم كُثر من الغاضبين من سوء الحال، وكآبة المآل، مواكب الكرامة الداعية لمعارضة التدخل الأجنبي في الشأن السوداني. وركزوا مواكبهم على تدخل المبعوث الأممي فولكر بيريتس (فولكر بالألماني تعني المحظوظ) السافر في الشأن السياسي السوداني الراهن، وانحيازه المنكور لمنظومةٍ سياسيةٍ دون المنظومات السياسية والحزبية الأخرى، والذي حسب نفسه مبعوث العناية الإلهية لحل المعضلة السودانية، فشنت الأخيرة عليه هجوماً لاذعاً في المواكب الهادرة، والمسيرات الاحتجاجية الصارخة، وأوغرت صدور الحاكمين والكثير من المحكومين عليه، وانداحت الاحتجاجات عليه خاصة، وعلى التدخل الأجنبي عامة، في الشأن السوداني الراهن، في الوسائط الصحافية والإعلامية -التقليدية والحديثة-.
ومن الضروري، الإشارة إلى أن الاتفاق الإطاري، محكومٌ عليه بالفشل، لجملة أسبابٍ وكثير حيثياتٍ، إذ تراءى لدى كثير من السودانيين، أنه ثمرة اتفاق بين المكون العسكري وبعضٍ من المكون المدني، تناحر أعضاؤه، فدق فيهم عطر منشم، فتفرقوا أيدي سبأ، بعضهم فرّ من تلكم المنظومة، كأنه يفر من قسورة، والبعض الآخر تُنبئ تصريحات قياداته المضطربة بفُرقةٍ وشتاتٍ، منهم مَنْ ذهب إلى وصف الاتفاق الإطاري بأنه ورطةٌ لقوى الحرية والتغيير! رغم قلة عديدهم، إذا استثنينا حزب الأمة باعتبار ما كان من حصوله على شعبية غالبة في انتخابات أبريل (نيسان) 1986، بينما يُلاجج بعضهم عن انفتاح الاتفاق الإطاري على المكونات السياسية والمنظومات الحزبية، وبعضهم يفتحه بقدرٍ، ليشمل بعضاً من مَنْ يُخشى بأسهم، وتُهاب مليشياتهم، والبعض الآخر يغلقه، إغلاقاً مُحكماً، مستأثراً به في شراكةٍ مرحليةٍ مع المكون العسكري إلى حين هيكلة الجيش وسائر الأجهزة الأمنية ضمن مخططٍ لتفكيك الجيش، وليس إعادة هيكلته!
ففي رأيي الخاص، الجيش هو المنظومة المتماسكة الوحيدة ضمن منظومات الدولة، منذ الاستقلال إلى يوم الناسِ هذا! فلا غروَّ أن لجأت إليه المنظومات الحزبية -يميناً ويساراً- لتغيير نظام الحُكم. إذ أن منظومات الدولة في راهن هذه الأيام، عدا منظومة الجيش في انهيارٍ، إن لم تكن منهارة خلال السنوات الأربع الماضيات!
وأحسبُ أن المبادرات التي طُرحت في الساحة السياسية السودانية، كانت في أغلبها مبادراتٍ فضفاضةٍ تتحدث عن التوافق الوطني، بصيغة الإجماع، ولكنها لم تضع آلية محددة لكيفية تحقيق ذاكم الاجماع أي التوافق الوطني، لإحداث الاستقرار السياسي، ومن ثَمَّ تتكامل أجهزة ومؤسسات المرحلة الانتقالية، للقيام بإنفاذ الأهداف المنوطة بها في الفترة الزمنية المحددة، لتُفضي تلكم المرحلة الانتقالية إلى الانتخابات النيابية لتحقيق التفويض الشعبي الذي يُقرر في مستقبل البلاد والعباد.
واللافت للانتباه، أنه رغم كثرة المبادرات المطروحة، لحل الأزمة السودانية، طوال سنوات الانتقال، إلا أنها لم تقترب من الحل، ناهيك من إحداث الحل نفسه! فتدافعت المبادرات الإقليمية والدولية بحجة مساعدة السودانيين لمعالجة مشكلهم السياسي وغيره، وإحداث التحول الديمقراطي المنشود، والاستقرار السياسي المرتقب، والنمو الاقتصادي المنتظر، ولكن الصراعات السودانية – السودانية، للسيطرة على المشهد السياسي في المرحلة الانتقالية، قد أفشلت تلكم المساعي والمبادرات المحلية والإقليمية والدولية!
ومما تقدم، يتضح جلياً، أنه من المهم، طرح مبادرة جامعة، تنأى عن الإقصاء والعزل، لتجد قبولاً لدى معظم المنظومات السياسية، والمكونات الحزبية، والقوى الشبابية، الحريصة على حل الأزمة السودانية. فالتقطت القفاز بأخرةٍ، مصر الخبيرة بدهاليز السياسة السودانية وتضاريسها، والتي لا ترى السودان مجرد دولةٍ من دول الجوار فحسب، بل تراه جزءاً لا يتجزأ من أمنها القومي، فإن كانت مصر هِبة النيل، فالسودان النيل نفسه. فلا غرابة أن تقدمت بمبادرة لحل الأزمة السودانية، بعيداً عن الاتفاق الإطاري، حيثُ تسعى من خلال المبادرة المصرية، التأكيد على أن همَّ الاستقرار السياسي السوداني، يقع في صُلب همومها، وهي العليمة بالحساسية السودانية من التدخلات الخارجية، فسارعت إلى تبيان أنها ميسرة (Facilitator) لجمع السودانيين في القاهرة، من أجل تسريع التوافق الوطني لإنهاء الأزمة السياسية. فالمبادرة المصرية لا تسعى إلى فرض أجنداتٍ مصريةٍ، ولا تُريد إقحام مصر في الشأن السوداني الداخلي، وهي سبق أن جربته، والتظت بلظى نيرانه! فعليه ليس غريباً أن يُشرف على هذا الملف اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة المصرية، لقربه من الرئاسة، ويُسر التوجيه المباشر -سراً وعلانيةً- من الرئيس المصري عبد الفتاح سعيد حُسين خليل السيسي. فحرص اللواء عباس كامل خلال زيارته إلى السودان أخيراً، على أن يعقد سلسلة لقاءاتٍ كثيفةٍ مع القيادات السياسية السودانية، فُرادىً وثُنىً، منها الفريق أول عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن رئيس مجلس السيادة، إضافةً إلى بعض قيادات الحرية والتغيير المركزي والحرية والتغيير -الكتلة الديمقراطية- ومنظومات سياسيةٍ وقوى حزبيةٍ وغيرها، لبحث تطورات الأوضاع والراهن السياسي السوداني، والتأكيد على دعم مصر للعملية السياسية السودانية، وتسريع الوصول لاتفاقٍ نهائيٍ، يتضمن توسيع قاعدة المشاركة السياسية، وينأى عن الإقصاء والعزل إلا مَنْ أبى، لاستكمال التحول الديمقراطي في السودان.
أخلص إلى أن المبادرة المصرية، تحصر وساطتها في عقد مائدة مستديرة للأطراف السودانية في القاهرة، من أجل تقريب وجهات النظر، والاتفاق على استكمال مؤسسات المرحلة الانتقالية. وعلى الرغم من أن المبادرة المصرية، وجدت كثير قبولٍ من المنظومات السياسية، والمكونات الحزبية، لكنها واجهت رفضاً من عُصبة الثلاث من الحرية والتغيير المركزي، الممسكة بالاتفاق الإطاري، مهما كانت العراقيل والصعوبات التي يواجهها، لأنها تخشى الغرق، وتتهيب الإغراق في بحر المبادرة المصرية غير الإقصائية!
والملحظ المهم أيضاً، أن قيادات الاتفاق الإطاري من ثُلاثية الحرية والتغيير المركزي وتوابعهم من المكونات السياسية والحزبية، اضطرب خطابهم الإعلامي في ما يتعلق بأنه اتفاقٌ مفتوحٌ أم مغلقٌ! فأذكر أني شاركتُ في منبر صحيفة “الانتباهة” في يوم السبت 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وكان الموضوع حول “تداعيات الاتفاق الإطاري”، وتحدث فيه شهاب إبراهيم الطيب المتحدث الرسمي باسم الحرية والتغيير المركزي، مؤكداً أن الاتفاق الإطاري أطرافه محددين للتوقيع عليه، بحسب رؤية الحرية والتغيير التي طُرحت في نهاية ديسمبر الماضي ومطلع يناير الحالي، مُشيراً إلى أنه “قبل توقيع الاتفاق أطراف الاتفاق بصورة نهائية محددين، يعني الاتفاق ما مفتوح لأي زول يوقع عليه”! وفي مداخلتي أكدت على تضارب وتضاد الخطاب الإعلامي لثلاثية الحرية والتغيير المركزي، حيثُ استشهدتُ بما جزم به الواثق البرير الأمين العام لحزب الأمة القومي والمفاوض الرئيس مع المكون العسكري، بأن الاتفاق الإطاري ليس مغلقاً، بل هو مفتوحٌ وليس فيه إقصاءٌ عدا المؤتمر الوطني، والجميع يحق لهم المشاركة. وأكد البرير حسب صحيفة “الانتباهة” (يوم الخميس 2022/12/29)، أن حزب الأمة القومي مع توسيع الاتفاق! فهكذا يتضح بجلاءٍ، ودون كثير عناءٍ، اضطراب الخطاب الإعلامي لدى قيادات ثلاثية الحرية والتغيير المركزي! وازداد اضطرابه بعد إعلان المبادرة المصرية لحل الأزمة السياسية السودانية والتي تجد الدعم من معظم المنظومات السياسية، والمكونات الحزبية، والجماعات الشبابية، إضافةً إلى الدعم الأميركي الخفي! وقد يئست أميركا ومن قبلها فولكر من بؤس الدعم الشعبي للحرية والتغيير المركزي وتوابعهم. فاتجه الخطاب الإعلامي القحتي، لا سيما في وسائط التواصل الاجتماعي، إلى إنزال التفكير الرغبي (Wishful Thinking) منزلة الأمر الواقع! من ذلكم، تصريحات بعضهم من أنه تم الاتفاق بين المكون العسكري والحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي الثلاثية، والحرية والتغيير مجموعة الكتلة الديمقراطية، على توقيع إعلانٍ جديدٍ، يتجاوز معضلة الاتفاق الإطاري، والذي واجه معارضة قوية من بعض القوى السياسية، من بينها الكتلة الديمقراطية، وأن الاتفاق الجديد قضى بتوقيع جميع الأطراف على إعلان سياسي جديد، يستفيد من كل الرؤى المطروحة، بما فيها الاتفاق الإطاري! ولكن آفة الأخبار رواتها!
وفي إطار فرض الأمر الواقع، يتحدثون عن عقد ورشٍ لمناقشة القضايا الخمس غير المتفق عليها في الاتفاق الإطاري! ودعت في عجلة من أمرها، إلى انعقاد اجتماع الاتفاق الإطاري النهائي، وكأنها تسابق الزمن في إصدار مُخرجاتٍ ضعيفةٍ لمعالجة قضايا شائكة، والعمل على تجاوز المبادرة المصرية التي باغتت جماعة الاتفاق الإطاري، وجاءت تؤسس لبداية جديدة مختلفة، تتفادى من خلالها أخطاء الاتفاق الإطاري الاقصائي، والعمل على توسعة المشاركة السياسية. فالقاهرة أعلنت في غير مواربة، أنها ستعمل على تيسير الحوار السوداني – السوداني، لتحقيق التوافق الوطني، ومن ثَمَّ استكمال مؤسسات مرحلة الانتقال. فمن هنا وجدت تلكم المبادرة المصرية قبولاً لدى الكثيرين من المنظومات السياسية والمكونات الحزبية، وقدرٍ واسعٍ من الشارع السوداني، وحتى معارضة ثلاثية الحرية والتغيير وتوابعهم للمبادرة المصرية، ليست محل إجماعٍ بينهم! وحِجاجي في ذلكم، أن الدكتورة مريم الصادق المهدي نائب رئيس حزب الأمة القومي والتي حزبها رأس رُمح تلكم الثلاثية -بجماهيريته الانتخابية، وتراكم خبراته السياسية- تلجلجت عندما سُئلت عن صحة تحفظهم على المبادرة المصرية، فتشبثت بالمقولة الإنجليزية (No Comment – لا تعليق)، بينما الإنجليز يؤكدون أن (No Comment is a Comment – لا تعليق هو تعليق)!
والقاهرة تراهن على فهمها لتضاريس السياسة السودانية وتقلبات طقسها منذ أمدٍ بعيدٍ، ولهذا ستجد قريباً الدعم الأميركي العلني لمبادرتها في حل الأزمة السودانية. وها هو سفيرها يدعو المعارضين صراحةً إلى المشاركة في الاتفاق الإطاري، ضارباً بالإغلاق القحتي عُرض الحائط!
فالسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، ما هي فرص نجاح المبادرة المصرية، بعد اضطراب مؤيدي ثلاثية الحرية والتغيير وتوابعهم، في ما يتعلق بأنها مغلقةٌ أم مفتوحةٌ، وخطاب البرهان في جوبا أمام تحالف الحراك الوطني، يؤكد في غير غموضٍ أو لبسٍ، أن الاتفاق الإطاري مفتوحُ للجميع! ومُخرجات ورشهم، تؤكد أن حليمة تحلم بالعودة إلى عادتها القديمة! حيثُ يُطالب بعض قياداتهم الناشطين، بإعادة لجنة إزالة التمكين دون قضاءٍ، وإلغاء قرارات المحكمة العليا القضائية! أي أنهم يريدون إلغاء العدالة من شعارهم الثوري (حرية سلام وعدالة)! وبالأمس القريب، أراد فولكرهم إزالة مفردة الحرية من الشعار، عندما طرد 9 قنوات فضائية، بغطرسة وعنجهية! والغريب في الأمر، أن 46 من الرسلاء والرسيلات من داخل السودان وخارجه، وقعوا على بيانٍ للناس يُعلنون فيه، تأييدهم الاتفاق الإطاري، بينما فولكر يطرد رسلائهم أمام الحاضرين، بنزع مايكاتهم في صلفٍ وإزدراءٍ! رافضاً لحضورهم، ولا أحسب أنه يفعل هذا الفعل المُعيب مع إعلاميي بلاده، وإلا اهتزت لشناعة الفعل، كل مدن ألمانيا!
ومن الملاحيظ المهمة، المتعلقة بالمبادرة المصرية، ينبغي البحث عن إجابة ملحة للسؤال، أنه بقدر حماسة مصر لمبادرتها، ماهي خيوط القوة لدى مصر، لمواجهة التوغل الأجنبي في الشأن السوداني طوال تلكم الأربع سنوات، وهي جالسة القرفصاء تشاهد تلكم التحركات السياسية في جوار دارها، وهي تنشد مع شاعرها أمير الشعراء أحمد بك شوقي:
إِلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما وَهَذي الضَجَّةُ الكُبرى عَلاما
وَفيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لِبَعضٍ
وَتُبدونَ العَداوَةَ وَالخِصاما
وَأَينَ الفَوزُ لا مِصرُ اِستَقَرَّت
عَلى حالٍ وَلا السودانُ داما
لا يمكن إنكار أن لمصر في السودان، مؤيدين ومناصرين، مما يعني إمكانية نجاح مبادرتها، فإن أكثر من 80% من الحزب الاتحادي الديمقراطي، أصله وفروعه، يؤيدون المبادرة المصرية، وهناك أكثر من 65% من السودانيين غير المؤدلجين يؤيدون المبادرة المصرية، على الأقل من باب “أنا وابن عمي على الغريب”! والغرباء تكاثروا على السودان في راهن هذه الأيام! والجديد في المبادرة المصرية أيضاً، أنها البديل الأقوى للاتفاق الإطاري المنكور!
وعلى المبادرة المصرية، الاهتمام أكثر بالحملات الصحافية والإعلامية من خلال الوسائط الصحافية والإعلامية -التقليدية والحديثة- لتسويق هذه المبادرة، بأساليب مستحدثةٍ ناجعةٍ. فإن كُتب لها النجاح والتوفيق في تحقيق التوافق الوطني السوداني في إنفاذ مشاريع وبرامج المرحلة الانتقالية بسلاسةٍ وسلامٍ واستقرارٍ، ستحدث نقلة نوعية في العلائق السودانية المصرية لأجيالٍ وأجيالٍ.
الممسكة بالاتفاق الإطاري، مهما كانت العراقيل والصعوبات التي يواجهها، لأنها تخشى الغرق، وتتهيب الإغراق في بحر المبادرة المصرية غير الإقصائية!
والملحظ المهم أيضاً، أن قيادات الاتفاق الإطاري من ثُلاثية الحرية والتغيير المركزي وتوابعهم من المكونات السياسية والحزبية، اضطرب خطابهم الإعلامي في ما يتعلق بأنه اتفاقٌ مفتوحٌ أم مغلقٌ! فأذكر أني شاركتُ في منبر صحيفة “الانتباهة” في يوم السبت 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وكان الموضوع حول “تداعيات الاتفاق الإطاري”، وتحدث فيه شهاب إبراهيم الطيب المتحدث الرسمي باسم الحرية والتغيير المركزي، مؤكداً أن الاتفاق الإطاري أطرافه محددين للتوقيع عليه، بحسب رؤية الحرية والتغيير التي طُرحت في نهاية ديسمبر الماضي ومطلع يناير الحالي، مُشيراً إلى أنه “قبل توقيع الاتفاق أطراف الاتفاق بصورة نهائية محددين، يعني الاتفاق ما مفتوح لأي زول يوقع عليه”! وفي مداخلتي أكدت على تضارب وتضاد الخطاب الإعلامي لثلاثية الحرية والتغيير المركزي، حيثُ استشهدتُ بما جزم به الواثق البرير الأمين العام لحزب الأمة القومي والمفاوض الرئيس مع المكون العسكري، بأن الاتفاق الإطاري ليس مغلقاً، بل هو مفتوحٌ وليس فيه إقصاءٌ عدا المؤتمر الوطني، والجميع يحق لهم المشاركة. وأكد البرير حسب صحيفة “الانتباهة” (يوم الخميس 2022/12/29)، أن حزب الأمة القومي مع توسيع الاتفاق! فهكذا يتضح بجلاءٍ، ودون كثير عناءٍ، اضطراب الخطاب الإعلامي لدى قيادات ثلاثية الحرية والتغيير المركزي! وازداد اضطرابه بعد إعلان المبادرة المصرية لحل الأزمة السياسية السودانية والتي تجد الدعم من معظم المنظومات السياسية، والمكونات الحزبية، والجماعات الشبابية، إضافةً إلى الدعم الأميركي الخفي! وقد يئست أميركا ومن قبلها فولكر من بؤس الدعم الشعبي للحرية والتغيير المركزي وتوابعهم. فاتجه الخطاب الإعلامي القحتي، لا سيما في وسائط التواصل الاجتماعي، إلى إنزال التفكير الرغبي (Wishful Thinking) منزلة الأمر الواقع! من ذلكم، تصريحات بعضهم من أنه تم الاتفاق بين المكون العسكري والحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي الثلاثية، والحرية والتغيير مجموعة الكتلة الديمقراطية، على توقيع إعلانٍ جديدٍ، يتجاوز معضلة الاتفاق الإطاري، والذي واجه معارضة قوية من بعض القوى السياسية، من بينها الكتلة الديمقراطية، وأن الاتفاق الجديد قضى بتوقيع جميع الأطراف على إعلان سياسي جديد، يستفيد من كل الرؤى المطروحة، بما فيها الاتفاق الإطاري! وفي إطار فرض الأمر الواقع يتحدثون عن عقد ورشٍ لمناقشة القضايا الخمس غير المتفق عليها في الاتفاق الإطاري! ودعت في عجلة من أمرها، إلى انعقاد اجتماع الاتفاق الإطاري النهائي، وكأنها تسابق الزمن في إصدار مخرجات ضعيفة لمعالجة قضايا شائكة، والعمل على تجاوز المبادرة المصرية التي باغتت جماعة الاتفاق الإطاري، وجاءت تؤسس لبداية جديدة مختلفة، تتفادى من خلالها أخطاء الاتفاق الإطاري الاقصائي، والعمل على توسعة المشاركة السياسية. فالقاهرة أعلنت في غير مواربة، أنها ستعمل على تيسير الحوار السوداني – السوداني، لتحقيق التوافق الوطني، ومن ثَمَّ استكمال مؤسسات مرحلة الانتقال. فمن هنا وجدت تلكم المبادرة المصرية قبولاً لدى الكثيرين من المنظومات السياسية والمكونات الحزبية، وقدرٍ واسعٍ من الشارع السوداني، وحتى معارضة ثلاثية الحرية والتغيير وتوابعهم للمبادرة المصرية، ليست محل إجماعٍ بينهم! وحِجاجي في ذلكم، أن الدكتورة مريم الصادق المهدي نائب رئيس حزب الأمة القومي والتي حزبها رأس رُمح تلكم الثلاثية -بجماهيريته الانتخابية، وتراكم خبراته السياسية- تلجلجت عندما سُئلت عن صحة تحفظهم على المبادرة المصرية، فتشبثت بالمقولة الإنجليزية (No Comment – لا تعليق)، بينما الإنجليز يؤكدون أن (No Comment is a Comment – لا تعليق هو تعليق)!
والقاهرة تراهن على فهمها لتضاريس السياسة السودانية، ولهذا ستجد قريباً الدعم الأميركي العلني لمبادرتها في حل الأزمة السودانية. وهاهو سفيرها يدعو المعارضين صراحةً إلى المشاركة في الاتفاق الإطاري، ضارباً بالإغلاق القحتب عُرض الحائط!
فالسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، ما هي فرص نجاح المبادرة المصرية، بعد اضطراب مؤيدي ثلاثية الحرية التغيير وتوابعهم، فما يتعلق بأنها مغلقة أم مفتوحة، وخطاب البرهان يؤكد في غير غموضٍ أو مواربةٍ، أن الاتفاق الإطاري مفتوح للجميع، ومُخرجات ورشهم، تؤكد أن حليمة تحلم بالعودة إلى عادتها القديمة، حيثُ يُطالب بعض قياداتهم الناشطين، بإعادة لجنة إزالة التمكين دون قضاءٍ، وإلغاء قرارات المحكمة العليا القضائية! أي أنهم يريدون إلغاء العدالة من شعارهم الثوري (حرية سلام وعدالة)! وبالأمس القريب، أراد فولكرهم إزالة مفردة الحرية من الشعار، عندما طرد 9 قنوات فضائية، بغطرسة وعنجهية! والغريب في الأمر، أن 46 من الرسلاء والرسيلات من داخل السودان وخارجه، وقعوا على بيانٍ للناس يُعلنون فيه، تأييد الاتفاق الإطاري، بينما فولكر يطرد رسلائهم أمام الحاضرين، بنزع مايكاتهم في صلفٍ وإزدراءٍ! رافضاً لحضورهم، ولا أحسب أنه يفعل هذا الفعل المُعيب مع إعلاميي بلاده، وإلا اهتزت لشناعة الفعل، كل مدن ألمانيا!
ومن الملاحيظ المهمة، المتعلقة بالمبادر المصرية، ينبغي البحث عن إجابة ملحة للسؤال، أنه بقدر حماسة مصر لمبادرتها، ماهي خيوط القوة لدى مصر، لمواجهة التوغل الأجنبي في الشأن السوداني طوال تلكم الأربع سنوات، وهي جالسة القرفصاء تشاهد تلكم التحركات السياسية في جوار دارها، وهي تنشد مع شاعرها أمير الشعراء أحمد بك شوقي:
إِلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما وَهَذي الضَجَّةُ الكُبرى عَلاما
وَفيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لِبَعض
وَتُبدونَ العَداوَةَ وَالخِصاما
وَأَينَ الفَوزُ لا مِصرُ اِستَقَرَّت
عَلى حالٍ وَلا السودانُ داما
لا يمكن إنكار أن لمصر في السودان، مؤيدين ومناصرين، فإن أكثر من 80% من الحزب الاتحادي الديمقراطي، أصله وفروعه، يؤيدون المبادرة المصرية، وهناك أكثر من 65% من السودانيين غير المؤدلجين يؤيدون المبادرة المصرية، على الأقل من باب “أنا وابن عمي على الغريب”! والغرباء تكاثروا على السودان في راهن هذه الأيام! والجديد في المبادرة المصرية، أنها البديل الأقوى للاتفاق الإطاري المنكور! وعلى المبادرة المصرية، الاهتمام أكثر بالحملات الصحافية والإعلامية من خلال الوسائط الصحافية والإعلامية -التقليدية والحديثة- لتسويق هذه المبادرة، بأساليب مستحدثةٍ ناجعةٍ. فإن كُتب لها النجاح والتوفيق في تحقيق التوافق الوطني السوداني في إنفاذ مشاريع وبرامج المرحلة الانتقالية بسلاسةٍ وسلامٍ واستقرارٍ، ستحدث نقلة نوعية في العلائق السودانية المصرية لأجيالٍ وأجيالٍ.