قصة قصيرة _ ضياع الإخوة بقلم / الروائي هاشم محمود
توفي الأب وترك بيتا كبيرًا وتسعة أبناء من ثماني زوجات، فقد كان الرجل من المعمرين، تزوج الأولى فأنجب ولدين، على نفس الخصال والشبه، فماتت الأولى فتزوج الثانية، فأنجب منها ولدًا وماتت، فعقَّب بثالثة، فأنجب الولد وطلقها، وظل الرجل يتزوج لتنجب وتموت أو تُطلق بعدها، حتى أتم ثماني زيجاتٍ، وأنجب تسعًا.
أكبر الإخوة هما الأخوان من المرأة الأولى، كانا كبار البيت، وكان أخوالهم جيرانًا، يحيطونهم جنوبًا وغربًا.
بعد وفاة الأب ذي السمعة الطيبة، تدخل الجيران بالنصح لتقسيم التركة، والأخوال يميلون إلى تمييز أبناء أختهم.
أما السبعة الباقون فينتظرون قرار الكبيرين؛ لحداثة أعمارهم وقلة خبراتهم.
عمل الخال علي تمكين الأخوين وتعميدهم علي إدارة المنزل.
فاتفق الأخوين على الاتحاد فيما بينهما، وبناء سد قوي ضد أي خلافات تعصف بهما، وكمحاولة لاستمالة البقية حتي يتمكنا منهم تدريجيًّا.
شعر الأكبر بقيمته ومكانته، فتمرد على قرار خاله، وحاول التمسك بجيرانه من الناحية الغربية، فهو يرى أن الانفتاح شيء مهم، وسيساعده على حرية التحرك بحثًا عن المرعى، بينما أطاع أخوه أهل أمه، ونفَّذ كل ما طلب منه.
وهنا عانى بقية الإخوة من جور الحال، وتقطعت بهم السبل، ونالت منهم الأمراض والأوجاع.
تشتت مال أخيهم الكبير غربًا، فضاعَ وراء الماشية، بينما استغل الأصغر منه ضعف حال الكبير، فعمل بالزراعة وكذلك التجارة، ووجد الفرصة مناسبة ليحتك بالجيران شرقًا وغربًا، ويكيل اللؤم علي إخوته، ويستقوي بأخواله؛ بل مكَّن لنفسه بواسطتهم ما استطاع أن يبلغ من التمكين.
ثم عاد الأخ الكبير مِن تيهه، فوجد الدار تبدلت، وإخوته الصغار هتكتهم الأمراض، وقد نال منهم الفقر، بينما شقيقه قد استقوى عوده، والبقية في فلكه يدورون خوفًا وطمعًا، فحاول مواجهة شقيقه:
– ألسنا أبناء رجل واحد؟
رد عليه مغتضبًا:
– نعم، ولكن لكل مجتهد نصيب.
فقال له:
– أكرم إخوتك! ودعني أدبر أمورنا لتستقيم أحوالنا.
فرد عليه:
– هولاء ليسوا إخوتي، نعم، كما تسمعها.
تعجَّب الكبير مما سمع، فاجتمع ببقية إخوته، فلم يتفقوا فيما بينهم، واتهامات هنا وهناك، ومشاحنات ومشاجرات بينهم قد بلغت حد الضرب المبرح، والشقيق الأصغر يشاهد المشهد في صمت وشماتة.
ضعفت قوتُهم، وفقدوا بعضًا منهم قتلًا، وأُحرقت مقتنيات بعضهم.
كلما حاول الناس إصلاح ما بينهم تجدهم يرفضون أو يتعللون، وكأنهم لم يعيشوا بتلك الدار جميعًا، وحينما أكثروا من مشاكلهم وسببوا الإزعاج للصديق قبل العدو، قرر الشقيق الأصغر التخلص منهم دفعة واحدة، فلجأ الي أخواله، وتمكن من إخلاء الدار لنفسه.
وبعدها دخل في صراع مع أبناء أخواله، لتماديهم في البقاء بأرضه، ومحاولة مشاركته السيطرة والزعامة، إلا أنهم قد استزادوا قوة عليه لعلمهم بمواطن قوته وضعفه، فوجد أن الحل يكمن في استقواءه بإخوته، فلا شك أن رابطة الدم ستتدخل لتربط أوصالهم من جديد، فلجأ إلى إخوته، وأصلح ما بينهم، وقضى على من بقي من أبناء أخواله، إلا أن الطبع الغاشم الأناني يسيطر عليه مرة بعد أخرى، فعاد بالخيانة على إخوته، وسعى إلى تهميشهم وإذلالهم.
في هذه الأيام، تُوفي الأخ الكبير، ودفن خارج الديار، والشقيق الثاني في سيطرته وسطوته وظلمه، والبقية في ضياع أمرهم ، ينتظرون مصيرهم المجهول…