قراءة في المجموعة القصصية حارس الجسد – بقلم عفيف قووق
بعد ألعديد من كتاباته ورواياته التي تنتمي بمعظمها إلى ما يُعرف بالأدب المقاوم ونعني هنا مقاومة المحتلّ لبلده أريتريا، ها هو هاشم محمود يطلُ علينا مقاوما من نوع آخر وبمجموعة قصصية بعنوان “حارس الجسد” مقتحما بها عالم المرأة ومحاولاً إلقاء الضوء على بعض ما يواجهها من مشكلات وقيود مجتمعية فقط لكونها امرأة. وفي هذه المجموعة القصصية نجد أنّ هناك ما يشبة المقاومة حتّى لا نقول الثورة على مجتمع ذكوري أباح لنفسه استباحة المرأة وجسدها تحت مسميّات عِدّة.
بلغة رشيقة وبأسلوب سهل بعيدا عن التكلف يقتحم هاشم محمود المجتمع ويغوص فيه ليسرد أدقّ التفاصيل عن قضايا المرأة والمطبات التي قد تقع فيها. من خلال مجموعة قصصية متماسكة فى البناء ودقيقة فى السرد تدخلنا إلى عالم مسكوت عنه لنتعرف على بعض الجوانب الخفية لحياة البعض.
كُتِبت هذه القصص بسلاسة لا تتطلب أي جهد في القراءة. فالأمور هنا واضحة وتشبه الدخول إلى منطقة “منبسطة” ليس فيها تضاريس مرهقة، وقُدّمت لنا بالكثير من الجرأة وبدون مواربة أو مكياج قد تخفي الكثير من المناطق المظلمة في حياة كل منّا.
كثيرة هي المواضيع التي تناولتها هذه المجموعة، فتحدثت مثلا في النص الذي حمل عنوان “حارس الجسد” عن إيمان المرأة الأربعينية التي كثـُـر توافد الرجال الغُرباء على البناء الذّي تقطنه،ليكتشف العمّ أحمد ناطور البناء أنّها كانت تشتري متعتها بالمال الذي تنفقه وتبدده على زائريها الرجال مقابل إشباع رغبتها وتعطشها للحب وممارسته. واكتشاف العمّ أحمد لحقيقة إيمان جعلته يقرر أنه الأحقّ بنســاء عمارته من هؤلاء الغربــاء.
أيضا فإنّ مسألة “سفاح القربى” كانت من المواضيع المثارة في هذه المجموعة، فقد كان آخر ما تلفَظّت به تلك الفتاة ذات الخمسة عشر ربيعا ” أبي يا أمي، إنه أبي وليس غيره” .فتاة تدخل مرحلة البلوغ بالكثير من مظاهر الأنوثة المبكرة، يســتغل الأب وجودها في المنزل لوحدها، لينقضّ عليها وينتهــك عرضها وعرضه، ويفقــدها عذريتها، أرادت الفتاة أن تنهي تلك المأساة ومسح العار الذي لحق بها بسبب والدها، فقررت الانتحار لكنها لم تســتطع الموت دون أن تخبر أمها بالحقيقة،.
وإلى جانب سفاح القربى نجد أيضا وفي قصة الجنس الحرام إشارة إلى ظاهرة مستترة هي ظاهرة زنى المحارم، من خلال تلك العلاقة الجسدية والمستنكرة بين الأم مع عشــيقها وهو زوج ابنتهــا، وكثيرا ما شــعرت أن ابنتها لا تســتحقه، حتى جاء ذلك اليوم الــذي فاجأت فيه الفتاة زوجها باكتشافها أمرعلاقته بوالدتها . لتقرر الأم والزوج التخلص من إبنتها وقتلها ودفنها في حديقة المنزل القديم.
كما ان الكاتب تناول في مجموعته هذه كيف أنّ بعض الفتيات ولأجل إشباع حاجاتهن الجنسية، يلجأنّ أحيانا لإغواء الرجل ولوكان متزوجا أو حتّى من أصدقاء العائلة وهذا ما قامت به الشابّة نور في قصة “العهد الحرام” بأن أغوت زوج صديقة أختها آمال ليقع المحظور بينهما.
كذلك فإن مسألة العذرية وفقدانها والآثار السلبية الناجمة عنها كانت حاضرة في حكاية عفاف التي فقدت عذريتها وتكوَر في بطنها جنين نتيجة علاقة غير شرعية، وكيف يتم أحيانا التغطية على هذه الأمور بعمليات الإجهاض وحتى بإعادة ترقيع غشاء البكارة .في محاولة قوطبة على نظرة المجتمع لشرف البنت ووجوب المحافظة عليه، وهنا لا بد من التنويه بأن الكاتب قد وفق تماما في إختيار العنوان الجانبي لهذه الحكاية وهو”نصف شرف”.
تطرقت المجموعة في إحدى نصوصها إلى ظاهرة إستغلال بعض المدَّرسين لطالباتهم والعبث معهن بالإعتماد على ما تتيحه وللأسف وسائل التواصل الاجتماعي من سهولة ويُسر في التخاطب بالصوت والصورة بين الطرفين، وما يتضمنه هذا التواصل من عبارات بذيئة وكلمات خادشــة للحياء.وغالبا ما يؤدي التمادي في مثل هذه العلاقات وانبهار الفتاة القاصر وتصديقها لما يقال لها وعنها، إلى انزلاقها في علاقة جسدية كاملة مع أستاذها. ومن خلال هذا النص نستخلص أهمية الإنتباه لأولادنا في إستعمالهم لوسائل التواصل الاجتماعي والمخاطر التي قد تلحق بهم جراء سوء تعاملهم مع هذه التكنولجيا المتاحة.
إلى جانب هذه القضايا المُثارة، فقد تطرق الكاتب في مجموعته إلى مسألة إضطرار الفتاة للقبول بأن تكون الزوجة الثانية رغبة منها في التخلص من ظروف الحياة الصعبة التي تعيشها في منزل الأهل حتّى وإن كان هذا الزواج غير متكافىء يكفي أن يكون الرجل مقتدرا ماليا لكي يتم القبول به وكما ورد في النص الذي حمل عنوان “زيف الحقيقة: فإنّ الرجل لا يعيبه غير نقص أمواله.
وأيضا أثار الكاتب مسألة غشاء البكارة والذي يعتبر الدليل الأوحد والمؤكد لطهارة وعِفّة الفتاة،وكيف أن الرجل لا يزال ينظر إلى هذه المسألة بالكثير من الأهمية مع إدراكه سلفا بأن الطب أصبح قادرا على إبتكار وترقيع هذا الغشاء وبالتالي لا يجب ان ينحصر شرف البنت أو عفتّها بوجوده من عدمه، فالشرف والعِفّة ليست مرتبطة فقط بوجود هذه الجلدة، بل أن هناك دلائل ومواصفات عديدة تدل على مدى نزاهة وأخلاقية البنت بغض النظر عن بكارتها.
ختاما نقول ان الكاتب هاشم محمود بإقدامه على كتابة هذه المجموعة القصصية،حاول جاهدا أن يوازن بين الرجل والمرأة في مسؤولية كل منهما عن إرتكاب الخطيئة، كون الخيانة مثلا أشبه برقصة التانغو تحتاج لطرفين لكي تتم، وهنا لا بدّ من القول بأن هاشم محمود ربما يكون قد أدخل نفسه في عش الدبابير النسائية، كونه اعتبر في معظم نصوصه بأن المرأة هي التي كانت المبادرة بالإنزلاق إلى بؤرة الخطأ والخطيئة، مثل إيمان المرأة اللعوب، نور المراهقة التي أغوت زوج صديقة أختها، والأم التي خطفت زوج ابنتها، وأيضا الفتاة التي أقامت علاقة غير شرعية أوصلتها للإجهاض.
وفي نصوص أخرى وإن كانت أقل من سابقاتها كانت المبادرة للفعل المُدان بيد الرجل، فكان الأب الذي إفترس ابنته، او ذاك الرجل الذي تهرب من مسؤولياته بعد حمل الفتاة التي يحبها وأيضا ذلك الرجل الذي التقى المرأة صاحبة السيارة المعطلة في النص المعنون “وقود امرأة” وإستضافها ليلا في منزله ليمارس الحب معها، وتعليقا على هذا النص تحديدا أي وقود إمرأة نبدي بعض التحفظ على مجريات أحداثة غير المقنعة وحتى على العنوان المختار له، فكلمة وقود إمرأة – وإن كان عنوانا رمزياً- لكنه يمكن أن يستفز العديد من النسوة فالمرأة ليست مركبة أو آلية تحتاج إلى وقود يقدمه لها الرجل، لذا نقول كان الله في عونك أستاذ هاشم، ومبارك لكم هذا الإصدار وإلى المزيد من التقدم والنجاحات.