قبور الأحياء … البعد النفسي في شخصية بطل رواية (عزيز) للروائي هاشم محمود
خالد مهدي الشمري / العراق
تعد رواية (عزيز) للروائي هاشم محمود الصادرة عام 2024 عن دار النخبة في القاهرة من الروايات الأدبية التي تنتمي الى أدب السجون ..
وهنا لابد لنا من وقفة قصيرة عند مسمى أدب السجون..والذي برز في الآونة الأخيرة كأدب مستقل بتسمية خاصة به ، حيث برزت أربع روايات في هذا المجال وذاع صيتها عربيا ، وهي : رواية (شرق المتوسط) للسعودي عبد الرحمن منيف عام 1972 ، ورواية ( تلك العتمة الباهرة ) للجزائري الطاهر بن جلون ، ورواية ( إعجام )لكاتبها العراقي سنان أنطون ، ورواية ( القوقعة ) للروائي السوري مصطفى خليفة، نشرت عام 2008 ، ولا أعلم إن كانت عزيز رواية خامسة ، لكن هي من الروايات التي تصنف مع روايات أدب السجون ..
عزيز بطل الرواية : أحد أبناء إرتريا وأحد ثوارها دون سابق إنذار وجد نفسه أمام المواجهة ، بين مسيلمة وسلمون ضابط المخابرات الذي عرض عليه أن يكون مخبراً للأجهزة الأمنية .
كان عزيز يتمثل بالقوة والإرادة والرغبة الحقيقية لتحقيق الحرية ، كما أعتقد أنه لم يخمن ما يحصل له بل كان مؤمنا إيمانا مطلقاً بما سوف يحدث له ، وهي أمتداد لما سبق من أحداث لذلك هو يطمح بالتغير .
لم يسعى عزيز الى كل هذا بل أتاه كانه أختيار حينما قدم له مسيلمة وسلمون الضابط ذلك الأختبار، العمل مع الأجهزة الأمنية مخبراً جاسوساً على أبناء بلده أو المصيرالمظلم .
كشفت رحلة الأعتقال والإفراج عنه ثم الخطف والإقتياد الى دار الأمن عن الأصرار على ما يريدون وأكيد النتيجة واضحة قد يكون قبره جاهزاً بل شعر بالظلام يتخلل الى روحه . هنا الوطن والتضحية وما قدم الأجداد ومن سبقه من جهاد هو الفيصل والأمل والضوء الذي يقاوم فيه عنفوان الظلام الذي يحاصره .
ثنائية الخير والشر والضوء والظلام تتواجد منذ بدايات الأسطر الأولى للرواية تصاحب بطلنا عزيز ، وهو يدخل أختبار ثم آخر ، لكن الراوئي جعل بطله قوياً منذ البداية مصراً على المواصلة والتحدي لذلك نجد البطل يتوقع ما يحصل له وما سوف تؤول اليه الأمور .
صراع بين السجين وهو الضحية وبين الجلاد وهو السجان الظالم ، ومن المؤكد إنه صراع أزلي ليس وليد هذه الرواية ، لكن جمالية السرد الواقعي أنه يؤدلج الحقائق ويصورها كذلك يتعمق في ذاتية الأطر النفسية وهناك من يجعل البطل أسطورة كما ينقل لنا هاشم محمود في روايته عزيز فهو البطل الذي لا يقهر ، وقص علينا من أهوال وظلم كان لاشي أمام تحدي عزيز ، بل أصبحنا متأكدين من أنه سوف ينتصر .
لماذا كل هذه القوة ، بينما أبطال عظام يتقهقرون أمام تحدي نفسي أو جسماني معين ، لابد لنا وما مر من قصص السجون وتعذيب نتصور كيف يتم أعتراف البعض على أشياء لم يرتكبونها أصلاً ، هل هي لحظة ضعف نفسي ؟
الخوف حالة طبيعية ، والإستسلام أحيانا قوة وليست نوبات ضعف ، في حالة بطلنا عزيز نجد تبرير المؤلف يتجه صوب الأجداد والعائلة العريقة والمعروفة بالنضال ومقاومة المستعمر ، وهنا نتفق مع المؤلف فلا بد من الاقتناع بان كثرة الطرق تلين الحديد مع صلابة الحديد وقوته إلاّ أنه في لحظة ما يلين والسبب أستمرار الطرق ، ما مرت به أرتيريا من أستعمار خلف رجالاً أشداء .
البعد النفسي لشخصية عزيز ..
من خلال متابعتنا لمراحل بناء شخصية عزيزالتي اكتسبت منهاج التسلح بالحكمة والشجاعة والتي خلفها أجداده وهم يقارعون الظلم الأستعماري ، وهي تجربة شباب يضحون في زهرة حياتهم وعمرهم في سبيل المبادئ والوطن ، في سبيل رفع الحيف والظلم عن الشرائح الكثيرة في المجتمع ، حيث تعيش حالة الحرمان والتجاهل والإهمال ، وسلطة حاكمة تعتبر التعبير عن الرأي والمطالبة بالحرية أنتهاك صارخ وخروج عن العدالة بل وصل الأمرالى أعتبارمن يطالب بالحرية خائناً وعميلاً ، لذلك تبيح لنفسها ممارسة الوحشية والتنكيل واستخدام شتى انواع التعذيب واحيانا تصل الى حالة الابادة الجماعية او التهجير القسري .
ترعرع عزيز في بيئة ساعدت كثيراً في بناء تلك الشخصية التي يشار لها بالبنان عزيز الرياضي والمعلم فلا غرابة في الاشارة الى قوة شخصيته ولا مبالاة بما يفعلون به داخل السجن . وايضا نحن امام طريفين احدهما يعلم انه صاحب حق وله كل الحق والطرف الاخر الذي يريد هذا الحق باي طريقة وان كانت العنف والقسوة .
والجانب الآخر هو جانب الإيمان وهنا لا شك أن المؤمن يكتسب قوته من إيمانه .
بعد سنوات في سجن أبي غريب الأرتيري يتحول الى سجن (عدي خالا) وهنا نقطة تّحول كبيرة في نفسية ووضع عزيز العام كما تحولت أحداث الرواية الى منحى آخر من مراحل حياة عزيز داخل السجن .
على الرغم من سنوات التعذيب بأنواعه إلاّ أن عزيز يزداد قوة وصلابة ونلاحظ كمية الفخر والأعتزاز التي يتلقها من سجانيه ومدى صلابته وتحمله تلك الفترة ، ومن جانب آخر نرى الجانب المشرق في ردود الأفعال حيال الزيارات الكثيرة وبأعداد كبيرة محملين بالهدايا التي كان يوزعها على زملائه المساجين على الرغم من انهم من قوميات مختلفة .
الجانب الآخر من الرواية يطلعنا على ما حدث لمن قدم لعزيز أنواع التعذيب حيث قتل منهم بحادث سيارة وآخر اصيب بمرض وبترت ساقيه وآخر يعيش بأذلال ، مما أعتبرها عزيز أنتقام الله من الظالمين ، وهذا ما زاد من أصراره وعزيمته …كما في نص صفحة 231 وهو يقول : [سأنهض رشيقاً كطائر، وأعود كقدر مكتوب على جبين الأفاعي ، ولن أؤمن بتلك الفلسفة ، التي يريدون فرضها على البلاد و العباد] .
يعود عزيز قوياً متحدياً كل الظالمين ، فعزيز لا يمثل بطل رواية فحسب أنما يمثل حقيقة تمر علينا منذ القدم وشهدناها في عالمنا الواسع ..لقد قدم لنا الروائي هاشم محمود بطلاً يمثل شعوب العالم التي تبحث عن الحرية وتقاوم شتى أنواع التعذيب والتعسف ..
هاشم محمود أصدر روايته الثامنة (عزيز) وهي أمتداد لرواياته السبع التي تمثل نضال الشعب الإرتيري في مراحل مختلفة ، كما وأن رواية عزيز تمثل الرواية الأولى له في مجال أدب السجون .
…